المستثمرون يتفاءلون بالعام الجديد رغم مخاوف ترامب واليورو

30 ديسمبر 2016
تعاملات هادئة في البورصة الأميركية بعد الكريسماس(نوان غلال/Getty)
+ الخط -
على الرغم من التحديات السياسية والمالية العديدة التي تواجه العالم في العام الجديد 2017، تبدو آفاق الاستثمار العالمية مشرقة ويظللها القليل من السحب القاتمة مقارنة بالعام الجاري 2016. 
تأتي على رأس هذه التحديات التي تواجه العالم في العام المقبل، المخاوف من تفكك منطقة اليورو، وتداعيات سياسات الحماية التجارية التي ينوي تطبيقها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب على انسياب التجارة العالمية، واحتمالات حدوث نزاع سياسي وتجاري بين أميركا والصين، حيث ينوي الرئيس الأميركي الجديد في المائة يوم الأولى إعلان الصين "دولة متلاعبة بالعملة".
يضاف إلى هذه التحديات احتمال رفع الفائدة الأميركية وتداعياتها على أسواق الصرف العالمية، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية لقوة الدولار على الاقتصادات الناشئة وتحركات الأموال.
في أوروبا وعلى الصعيد السياسي، ستجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في كل من فرنسا وألمانيا تحت ضغوط كبيرة تواجهها الأحزاب التقليدية التي تتعرى شعبيتها وتنامي جماهير التنظيمات الشعبوية التي تكاثرت مثل الفطر في أوروبا خلال الأعوام الأخيرة. وتتركز المخاوف من احتمالات صعود اليمين المتطرف إلى السلطة خاصة في فرنسا، التي باتت فيها المرشحة ماري لوبين تملك فرص الفوز.
وفي ألمانيا ترتفع فرص القوى" الشعبوية" واليمين المتطرف الذي يرفض سياسات المستشارة أنجيلا ميركل الخاصة بالهجرة. وتزيد الهجمات الإرهابية التي حدثت في نهاية العام في برلين من فرص زيادة مقاعد القوى اليمينية المتطرفة في البرلمان الألماني " بوندستاغ".
وفي حال تحقق أي من هذه الاحتمالات، فإن المستثمرين في عملة اليورو سيخسرون كثيراً من استثماراتهم، وربما يهبط سعر صرف اليورو إلى أقل من دولار.
وفي أميركا، تدور المخاوف حول تداعيات تسلم الرئيس ترامب للسلطة وتأثير قوة الدولار على نمو الاقتصادات الناشئة.
ومن بين الإيجابيات التي يتفاءل بها المستثمرون، جدية الرئيس المنتخب الملياردير في تنفيذ برنامجه الانتخابي، الخاص بتطبيق خطة خفض الضرائب وبرنامج الإنفاق على البنية التحتية، وهي من الخطط التي بنى عليها المستثمرون رهاناتهم على حدوث انتعاش قوي في سوق "وول ستريت".
ومعروف أن خفض الضرائب سينعش القوة الشرائية لأصحاب الدخول المتوسطة الذين يقل دخلهم السنوي عن 50 ألف دولار. كما أن الإنفاق على البنى التحتية سينعش أعمال شركات البناء وصناعات الأسمنت والحديد والصلب ويرفع من مستويات التوظيف. يضاف إلى هذه العوامل الإيجابية أن زيادة الفائدة الأميركية سترفع من أرباح المصارف.
ويلاحظ أن هذه العوامل ساهمت منذ انتخاب ترامب في رفع مؤشرات الأسهم الأميركية إلى مستويات قياسية لم تشهدها في تاريخها القريب.

وحسب بيانات البورصة الأميركية في نيويورك فقد شارف مؤشر "داوجونز" على كسر حاجز 20 ألف نقطة خلال تعاملات أمس. ويرى خبراء في "وول ستريت"، أن "التفاؤل بحدوث انتعاش استثماري قوي يسود أسواق المال الأميركية، خاصة وأن أسعار النفط تتجه للارتفاع نحو 60 دولاراً، وعادة ما يقود ارتفاع النفط انتعاشاً في أسواق المال".
وحتى الآن تبدو نتائج الشركات ومؤشرات الأسواق مبشرة في كل من أميركا ومنطقة الخليج واليابان، حيث يدخل المستثمرون العام الجديد 2017، وسط ارتفاع كبير في أسواق المال، وانتعاش في أسعار النفط، وتحسن في أسعار بعض السلع الأساسية مثل الحديد والزنك.
يحدث هذا الانتعاش في أعقاب فترات عصيبة مر بها المستثمرون في بدايات العام وفي أعقاب استفتاء "بريكست" البريطاني.
ويرى خبراء اقتصاد في لندن، أن المستثمرين تذوقوا طعم الأرباح خلال الأشهر الأخيرة، خاصة الذين راهنوا على ارتفاع سعر صرف الدولار والموجودات الأميركية والنفط، حيث تمكنوا من تحقيق أرباح كبيرة ستنعكس في أرباح شركاتهم للربع الأخير من العام والتي ستعلن خلال العام الجديد 2017.
ويلاحظ أن الأسهم الأميركية حققت أكبر قفزة في تاريخها القريب مستفيدة من تكالب المستثمرين على الموجودات الدولارية وهبوط السندات العالمية، كما أن أسعار النفط استفادت من اتفاق منظمة "أوبك" في نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني لتواصل الارتفاع مقتربة من 60 دولاراً في بعض التعاملات على العقود الآجلة في العام الجديد.
وعادة ما تقود أسعار النفط المرتفعة انتعاش أسواق المال، لما تمثله من تدفقات دولارية في المصارف التجارية تساعد على تمويل المشاريع التنموية، كما تساهم كذلك في عودة الاستثمار في مشاريع الطاقة مثل الكشوفات والاستخراج.
ومنذ توقيع الاتفاق حققت أسعار النفط مكاسب بلغت أكثر من 25% مدعومة بتوقعات بانخفاض في إمدادات أوبك وبيانات اقتصادية أميركية قوية دعمت أيضا أسعار الأسهم. حيث أنهت عقود برنت لأقرب استحقاق جلسة التداول مرتفعة 13 سنتا أو ما يعادل 0.23% لتبلغ عند التسوية 56.22 دولارا للبرميل.
وفي الثاني عشر من ديسمبر/ كانون الأول سجل خام القياس العالمي أعلى مستوى له منذ يوليو/تموز 2015 عند 57.89 دولارا. كما صعدت عقود خام القياس الأميركي غرب تكساس الوسيط 16 سنتاً أو 0.30% ليسجل عند التسوية 54.06 دولارا للبرميل غير بعيد عن أعلى مستوى له هذا العام البالغ 54.51 دولارا الذي وصل إليه في 12 ديسمبر/كانون الأول.
وعلى صعيد أسواق الصرف، من المتوقع أن يواصل الدولار القوي تهديده للعملات العالمية، خاصة اليورو والإسترليني وعملات آسيا وأميركا اللاتينية.
ويلاحظ في هذا الصدد، أن الدولار الأميركي قفز أثناء تعاملات أول أمس الأربعاء إلى أعلى مستوى في شهرين أمام الجنيه الإسترليني بفعل مخاوف بشأن المفاوضات المرتقبة حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في حين حصلت العملة الخضراء على دعم أيضاً من توقعات النمو الاقتصادي القوي في الولايات المتحدة.
وهبط الإسترليني 0.5% إلى 1.2201 دولار وهو أدنى مستوى له منذ الحادي والثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول. ومن المتوقع أن تدخل العملة البريطانية العام الجديد عند مستويات أقل من 1.24 دولار.
وتواجه بريطانيا شكوكاً بشأن مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي. وفي أكتوبر/تشرين الأول قالت رئيسة الوزراء تيريزا ماي إنها ستطلق رسمياً الطلاق من الاتحاد الأوروبي في شهر مارس/ آذار المقبل.
وعلى صعيد اليورو، من المتوقع أن يواصل اليورو الضعف الشديد أمام الدولار وحتى ظهور نتائج الانتخابات الفرنسية. وستكون نتائج هذه الانتخابات حاسمة في مسيرة اليورو في العام الجديد 2017 حسب محللين، لأن فشل ماري لوبين في انتخابات الرئاسة سيعني انهيار التيار اليميني المتطرف في أوروبا وبالتالي سلامة مشروع الوحدة الأوروبية.
وبالتالي، فإن اليورو سيرتفع في هذه الحال، أما إذا حدث ما لا تحمد عقباه وفازت ماري لوبين، فإن اليورو سينهار ربما إلى أقل من 90 سنتاً في أيام بعد إعلان النتائج حسب توقعات، وبالتالي يلاحظ متعاملون في لندن، أن التفاؤل الذي يسود المستثمرين ممزوج ببعض المخاطر التي ربما تحدث" انقلابا" حقيقيا في مجرى الدورة الاستثمارية.

المساهمون