(كتاب رونالدو 3) من ماديرا إلى لشبونة

16 يوليو 2016
رونالدو وبداية المسيرة مع لشبونة (Getty)
+ الخط -


كان أهم ما تعلمه رونالدو من الفترة التي قضاها في أندورينيا هي قيم الفريق. لم تكن التدريبات التي يخوضها هناك معقدة. غالبا لا تكون التدريبات صعبة وأنت صغير السن، لذا فإن اتصاله المباشر مع أكاديمية كرة قدم مرتفعة المستوى كان في ناسيونال ماديرا حيث لعب لمدة موسمين.

على الرغم من شجاعته وتعلمه كيفية تجنب الاحتكاك البدني مع الفتية الذين يكبرونه في السن إلا أن مدربي ناسيونال ماديرا شعروا بنوع من القلق بسبب بنيته الضعيفة التي ربما كانت لتعرقل من تطوره، لذا طلبوا من والدته تعزيز نظامه الغذائي باللحوم والأسماك بدلا من الإسراف في منتجات الألبان. على أي حال لم يكن هناك أي مجال للتشكيك في موهبة ذلك الطفل ذي العشرة أعوام.

يقول أنطونيو ميندوسا أحد مدربي كريستيانو في ناسيونال ماديرا "كان ينفذ الأشياء بسرعة كبيرة وكان جيدا في المراوغة والتسديدات القوية. أتذكر أنه في إحدى المباريات ركض الملعب بأكمله من ناحية إلى أخرى والكرة تحت سيطرته دون أن يتركها تلمس الأرض".

يضيف بدرو تالهينياس، الذي عمل هو الآخر مدربا لرونالدو في ناسيونال "إنه لاعب شوارع صاحب مهارة فنية في كلتا قدميه، ولكن الأمر لا يتعلق فقط بكرة الشوارع. إنه عبارة عن منتج من الركض المستمر في كل مكان وتسلق الأشجار والقفز فوق العقبات والسير من المدرسة للشاطئ. طفولته كانت قائمة على الاكتفاء الذاتي. قضى أوقاتا طويلة دون اتصال عائلي أو الذهاب للمدرسة. هكذا بدأ في ايجاد إجابات حول الأسئلة التي كانت تدور في ذهنه. أي لاعب آخر يمتلك عائلة أكثر صلابة سيقدم نموذجا مختلفا".

يكمل تالهينياس "كانت معركتنا الأولى هي إفهامه أن الكرة لعبة جماعية؛ أنه لا يمكنه القيام بكل الأمور بنفسه. لم يكن هناك رابط كبير بينه وبين زملائه أو حتى الخصم. كان يأخذ الكرة ويركض نحو المرمى المعاكس. كان يشعر بأنه أفضل من الباقين ونادرا ما كان يمرر الكرة. لم يكن يتفهم أخطاءهم وكان يتجادل معهم بخصوصها. كان يتدرب مع فتية يكبرونه بعامين ولم يكن لكلمة الخسارة مكان في رأسه سواء كان في التدريب أو المباريات".

أصداء النجاح و25 ألف يورو
من ضمن القصص الطريفة التي يرويها كريستيانو رونالدو حول تلك الفترة أنه قبل إحدى المباريات أصيب بنزلة برد قوية ولم تكن والدته ترغب في مشاركته بها، لكنه توسل لها لأنها كانت مباراة نهائية، وبالفعل شارك وسجل هدف الفوز. كان هذا في الحقيقة أول إنجاز لفريقه.

قدم رئيس النادي حينها كريستيانو مع الجائزة في ملعب دوس بارييروس معقل ناسيونال وبدأت أصداء نجاح ذلك الفتى الصغير تصل إلى سبورتنغ لشبونة. أصبحت قيمة رونالدو ضخمة على تلك الجزيرة الصغيرة على الرغم من أن عمرها كان مجرد 12 عاما.

لم يكن جواو ماركيس دي فريتاس رئيس نادي مشجعي سبورتنغ لشبونة في ماديرا سبق له مشاهدة رونالدو ولكن عراب الأخير فرناندو سوسا حدثه كثيرا عنه وعن موهبته. حدث هذا في فترة الكرنفال. التوقيت لم يكن مثاليا ولكن اللقاء الذي كان يسعى لترتيبه لم يكن يحتاج إلى الكثير من الوقت.

- "هل يمكنني العبور على مكتبك مع الفتى؟ سيصبح له مستقبل كبيرة. لماذا لا نذهب به لسبورتنغ؟".

لم يكن دي فريتاس من الأشخاص الذين يدّعون معرفتهم بكل شيء، على عكس ما يحدث كثيرا في عالم كرة القدم، لذا قرر الاتصال بأوريليو بيريرا، الرجل المسؤول عن الانتقالات في سبورتنغ والذي جلب مواهب كثيرة للنور مثل فوتري وفيغو وسيماو وكواريزما وناني وموتينيو.

- "أوريليو لدي مشكلة، قابلت هذا الفتى، عرابه يقول إنه جيد للغاية ولكن أنا لا أعرف ما الذي يجب أن أفعله!

دي فريتاس شخص له قامة كبيرة داخل النادي ولكنه لم يعرض أيضا الكثير من اللاعبين، لذا فإن أوريليو لم يكن واثقا في ضرورة القيام بمجهود جبار من أجل فتى أكمل عامه الثاني عشر منذ عدة أشهر، ولكنه قرر في النهاية إسداء الخدمة واقترح إرساله لمدة أسبوع لتقييمه.

في تلك الفترة كان ناسيونال ماديرا مدينا بـ25 ألف يورو لسبورتنغ لشبونة قيمة انتقال لاعب يدعى فرانكو وتحول في النهاية لصفقة فاشلة. انتقال رونالدو لسبورتنغ مقابل هذا المبلغ كان حلا جيدا ولكن هل كان كريستيانو يساوي 25 ألف يورو؟ كان هذا مبلغا له قيمته في تلك الفترة فلم يسبق أن دفع هذا المبلغ في لاعب صغير حينها.

مغامرة خارج ماديرا
بعد حصول جواو على موافقة ناسيونال المبدئية بدأ دي فريتاس في تنظيم الرحلة: مغامرة رونالدو الأولى خارج ماديرا كانت بتذكرة منخفضة السعر حيث اصطحبه عرابه فرناندو سوسا إلى المطار ليبدأ رحلته من هناك وحيدا.

حين يحكي كريستيانو القصة الآن يقول إنه ذهب مع والدته، ولكن الحقيقة أنه سافر وحيدا ومن رقبته تتدلى بطاقة تحمل اسمه وحقيبة بها بعض الملابس حيث استقبله في المطار أوريليو وماريو لينو، أحد مسؤولي سبورتنغ.

يقول رونالدو عن تلك التجربة "شعرت بأنني كنت في دولة أخرى ولكن كنت واثقا ومسترخيا. آمنت بأنهم سيرغبون في ضمي وسيحتفظون بي".

قضى كريستيانو تلك الليلة في مقر الإقامة الملحق بملعب جوزيه ألفالدي القديم حيث كان يقيم من تتخطى أعمارهم 14 عاما والذين واجه بعضهم لاحقا. ألغي مران اليوم التالي، لذا ذهب مع أوريليو لمشاهدة مواجهة فريقي سبورتنغ لشبونة ومانشستر يونايتد تحت 19 عاما.

أقيم الاختبار في ملعب سبورتنغ دا توري الذي لم يعد له وجود الآن وكان في السابق مسرحا لتدريبات فرق الشباب، لكن أوريليو لم يحضر حيث كان لديه التزامات أخرى. ارتدى رونالدو طاقم سبورتنغ وأدى بعض تدريبات الإحماء ثم جاءت له الكرة للمرة الأولى.

يقول باولو كاردوسو أحد المدربين الذي رفع لأوريليو تقريره بخصوص كريستيانو "فعل شيئا رائعا حينما لمس الكرة لأول مرة.. نظرت لزميلي أوسفالدو سيلفا مدرب الفريق الذي كان يتدرب تحت إمرتي ورأيت على وجهه نفس النظرة التي تعكس سؤالا واحدا: (ما هذا؟). وصلت له الكرة مرارا وتكرارا وحينها بتنا واثقين من أننا نشاهد لاعبا مختلفا".

شخصية الموهبة الاستثنائية
جاء في التقرير الذي كتبه كاردسو وسيلفا "لاعب صاحب موهبة استثنائية. مهاراته مع الكرة أثناء الحركة والثبات رائعة. سريع في المسافات الطويلة والقصيرة ولديه تنوع كبير في مهارات المراوغة. قادر على التعامل بكلتا قدميه. جريء ولا يخاف".

في اليوم التالي ذهب أوريليو لمشاهدة لعب ذلك الفتى الذي وصفوه له. كان القرار هو إشراكه في مباراة لفريق تحت 14 عاما على ملعب أكبر، ذلك الذي كان ملاصقا لملعب ألفالدي القديم. حينما شاهده أوريليو أدرك لماذا تحدث الجميع عنه.

يقول أوريليو "في اليوم الثاني كان قد أصبح قائدا بالفعل. كان يلعب مع لاعبين جيدين من الأكاديمية وضدّهم. كانوا أكبر منه ولكنهم كانوا جميعا خلفه وسعداء في اتباعه. بعض الفتية قدموا لي وحدثوني عنه. حينما يأتي لاعب جديد دائما ما أتحدث مع قائد الفريق بخصوصه لاحقا. يمكن للاعبين إخباري بأشياء لا يقولها المدرب.. أتذكر أنه كان على وشك تسلم الكرة من رمية تماس وكان مراقبا بصورة كبيرة، كما يقول دي ستيفانو (كان يشعر بأنفاس خصمه تحت رقبته). تخيل هذا: رونالدو كان أصغر من المدافع ولكنه التفت إليه قائلا (اهدأ يا فتى. اهدأ). دعاه بالفتى! قفزت من مقعدي وقررت الذهاب لكتابة تقريري. كان يجب أن يوقع لنا".

اتصل أوريليو بدي فريتاس وقال له "رونالدو هذا رائع". بعدها تقرر عقد اجتماع بين مسؤول سبورتنغ لشبونة وكريستيانو ودينيس ودولوريس والما وفرناندو سوسا في أحد فنادق فونشال، ولكن غريزة الأم عملت على تعزيز بعض المخاوف في صدر الوالدة؛ فطفولتها وحرمانها من الأسرة الحقيقية كلها أمور جعلتها تخشى على ابنها لأنها لم تكن ترغب في مروره بتجربة مشابهة.

"اتركيني أذهب يا أمي".. هكذا رجاها رونالدو، بجانب أسلوب الإقناع الجيد الذي استخدمه أوريليو حيث قدم عرضا واضحا لما تقدمه الأكاديمية وبنيتها العائلية: سيحرسون الفتى ويمكن لوالدته الاتصال به دائما بل وسيسعون وراء نصيحتها قبل القيام بأي إجراءات، بما فيها تلك التأديبية. القرار اتخذ بعدها وأصبح رونالدو في لشبونة.

المساهمون