لا تزال أخبار الكرة الأوروبية والعالمية تملأ صفحات الجرائد والمواقع المتخصصة، رغم توقف النشاط الكروي بسبب تفشي وباء كورونا، في وقت تغيب أخبار نظيرتها العربية والأفريقية عن المشهد الإعلامي رغم خطورة الوضع العام وتداعياته، التي تقتل وتعزل وتهدد حاضر ومستقبل الأفراد والأسر والحكومات والدول والشعوب، وكأن العرب والأفارقة غير معنيين بالأحداث والتداعيات، فلا نجد لهم أخباراً أو ردود فعل في أوساط اللاعبين، والأندية، أو حتى الاتحادات المحلية والقارية التي تجاوزتها الأحداث، مثلما تجاوزت حكوماتها، ولم نعد نسمع عنها منذ أعلنت توقيف نشاطها الكروي أسوة بغيرها من دول العالم.
الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يتابع ويراقب، يجتمع عن بعد باستمرار، يدرس احتمالات الاستئناف من الإيقاف، ينسق مع الاتحادات المحلية، يتحسس همومها ومشاكلها، يحاول أن يضبط إيقاع الإجراءات المتخذة حتى تكون منسجمة مع اللوائح والقوانين من دون إغفال الخصوصيات، إذ فرض على الجميع التمسك بالأمل في استئناف الدوريات وعدم إعلان إيقافها كلياً حفاظاً على معنويات الناس، وتجنباً للخسائر المالية الكبرى، لكن الاتحاد الأفريقي لم يظهر له حسٌ ولا خبر، لم يجتمع مرة واحدة، مكتفياً بتشكيل لجنة طوارئ اكتفت بتأجيل بطولة كأس أفريقيا للمحليين التي كانت مقررة في إثيوبيا وتأجيل نصف نهائي مسابقات الأندية في دوري الأبطال وكأس الكاف، مع التمسك بإجراء نهائيات كأس أمم أفريقيا المقبلة في موعدها من دون الأخذ بعين الاعتبار إمكانية تمدد الفيروس في العالم الثالث.
الاتحادات المحلية الأوروبية من جهتها تنسق في ما بينها، تتجاوب مع الاتحاد الأوروبي وتتحسس هموم الأندية وانشغالاتها تحسبا لكل الاحتمالات، تحدد تواريخ تقريبية لاستئناف الدوريات، تترصد أخبار الأندية ونشاطاتها، تفاوض القنوات التلفزيونية من أجل مواصلة دفع مستحقات حقوق البث التلفزيوني، أما الاتحادات العربية والأفريقية فلا تعرف حقوقاً ولا واجبات، لم تتطرق للسيناريوهات ولا حتى الاحتمالات والتوقعات ومصير مسابقاتها المحلية والقارية وكيف تتصرف معها في ظل التأجيل وتكدس المباريات وكثافة روزنامة السنة المقبلة مع نهائيات كأس أمم أفريقيا وتصفيات كأس العالم 2022، وكأنها تنتظر أن يقرر في مكانها من الاتحاد الأوروبي والفيفا.
الأندية الأوروبية بدورها تنسق في ما بينها لمواجهة التحديات، تحرص مع لاعبيها على مواصلة التدريبات الفردية والمشاركة في التدريبات الجماعية عن بعد، تبادر بمقترحاتها وتقاوم التداعيات لتخفيف الأضرار من خلال فرض تقليص رواتب اللاعبين حفاظاً على توازنها المالي، بعضها لم يتخل عن دوره الاجتماعي والإنساني من خلال الإشراف على مبادرات لتقديم هبات ومساعدات، وتحويل الملاعب والمرافق إلى مراكز للعلاج وتخزين الوسائل الطبية، بينما النوادي العربية والأفريقية في سبات عميق، من دون تواصل ولا تشاور ولا تضامن مع جماهيرها وأسرهم ومرضاهم وموتاهم، وهي التي تعيش وسط واقع أشد قسوة ومرارة من بقية نوادي العالم.
اللاعبون في أوروبا يواصلون تدريباتهم على انفراد، يساهمون في حملات توعية عشاقهم بضرورة الالتزام بإجراءات الوقاية، يبادرون بتخفيض رواتبهم ودعم نواديهم وبلدانهم مادياً ومعنوياً بينما يغرق لاعبونا في التفاهات ودراسة العروض الجديدة ومساومة نواديهم مقابل التجديد أو الرحيل، رغم الملايين التي يتقاضونها والامتيازات التي يحصلون عليها من ممارسة الكرة في مجتمعات تعيش حياة البؤس، جراء الفقر والجهل والتخلف والاستبداد، وبسبب فيروس كورونا الذي يقتل المئات في صمت.
الكل في أوروبا يقوم بدوره، الفردي والجماعي، الإنساني والاجتماعي من خلال حملات التوعية والتضامن مع المصابين وأهالي الموتى، بينما لاعبونا وأنديتنا واتحاداتنا العربية والأفريقية غارقة في سبات عميق لا تدرك حتى حجم الأثر الذي ستخلفه أزمة كورونا على النشاط الكروي في بلدانها، لا تفكر ولا تخطط لما هو قادم، ولا تعي حتى بأن أندية أوروبية كبيرة صارت مهددة بالإفلاس بسبب تراجع مداخيل حقوق البث التلفزيوني وعمليات بيع التذاكر والإشهار والرعاية، وتوقف كل الاستثمارات الرياضية، ما ينعكس سلباً على اقتصاد الكرة ومستقبلها.
حال الكرة عندنا لا يختلف عن أحوال كلّ الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية عموماً، حال نشطاء الكرة لا يختلف عن أحوال الساسة والنخبة والمثقفين والفنانين الذين لا يتحسسون أحوال جماهيرهم وشعوبهم، ولا يدركون المخاطر الحالية والتداعيات الناتجة عن تفشي الفيروس على حياتهم الهشة أصلاً.
العالم يعيش حرباً غير معلنة، يعيش بين الحياة والموت، والعالم الآخر في أفريقيا والوطن العربي يعيش في عالم آخر مثلما كان قبل زمن كورونا ومثلما سيكون عليه بعده، من دون روح وآفاق، ومن دون قدرة على التقدير وتقرير المصير.