مثلث هجومي ورابعه ظهير.. أسباب سقوط بايرن في باريس

28 سبتمبر 2017
باريس سان جيرمان نجح في إحراج البايرن (Getty)
+ الخط -
سيطر باريس سان جيرمان على مجموعته الأوروبية، بعد انتصار كبير ومستحق على حساب بايرن ميونخ، بثلاثة أهداف دون مقابل، في مباراة تفوق فيها أصحاب الأرض منذ الدقيقة الأولى، مع تراجع غير مبرر لحامل لقب البوندسليغا.

ورغم أن النادي البافاري كان الطرف الأكثر سيطرة واستحواذاً، إلا أن مهارات أصحاب الأرض كان لها رأيٌ آخر، بعد نجاح ألفيش وكافاني ونيمار بالتسجيل، وانخفاض مستوى جميع لاعبي ميونخ، مع وضع بعض العناصر الخبيرة كريبري على الدكة طوال القمة.

رهانات أنشيلوتي
"فكرت كثيراً في التشكيلة الأساسية، وأعتقد الآن أنها ستحصل على انتقادات، لكن ما زلت عند رأيي بأنها جيدة"، هكذا قال كارلو أنشيلوتي في المؤتمر الصحافي بعد قمة الأبطال، ليعبر عن خيبة أمله من النتيجة الثقيلة التي واجهها بايرن ميونخ بنهاية المباراة. ولعب المايسترو الإيطالي بخطة قريبة من 4-3-3، لكن مع تعديلات عديدة على مستوى الأسماء، بوضع المدافع الخبير هوملز على الدكة، والدفع بالثنائي سولي وخافي مارتينيز في العمق، بالإضافة لثنائية محورية بين توليسو وفيدال بالمنتصف، وأمامهما تياغو ألكانترا بالمركز 10 في نصف ملعب الخصم.

ربما أراد الإيطالي سرعة أكبر في التحولات، لمواجهة هجوم باريس القوي على الأطراف، لذلك لعب بثنائي "بوكس" في المنتصف، لأن كلاً من توليسو وفيدال يشبهان بعضهما على مستوى الاندفاع البدني من دون الكرة، بينما اختار سولي أساسياً لأنه أكثر حركية من هوملز البطيء بعض الشيء، لكن أحاديث الصحافة الألمانية أخذت منحىً مغايراً تماماً، بعد وضع روبين وريبري وكومان على الدكة، من أجل اللعب بمولر وخاميس رودريغز على الأطراف، رفقة ليفاندوفيسكي بالعمق كرأس حربة وحيد.

يمتاز سان جيرمان بخط وسط قائم على الحيازة والسيطرة، يبدأ بتياغو موتا وينتهي بفيراتي مروراً برابيو، ونتيجة ضعف وسط بايرن في هذا الشق التقني، قرر الجهاز الفني للبافاري وضع رودريغز أساسياً على الطرف رغم أنه ليس بالجناح الصريح، حتى ينضم باستمرار للداخل ويساند تياغو ألكانترا في حالة عودته للخلف، بالإضافة لشغل مولر دور المهاجم الإضافي رفقة ليفا في حالة تقدم الظهيرين، واستغلال العرضيات المباشرة والتمريرات القطرية، لكن هذا لم يحدث في النهاية نظراً لندرة لاعبي الرواق في التشكيلة الأساسية لبايرن، وضعف المردود العام للظهيرين، مع انخفاض مستوى الفريق ككل بالفترة الأخيرة.

براغماتية إيمري
اشتهر سان جيرمان مع مدربه السابق بالبناء المنظم من الخلف، واللعب بنسق بطيء بعض الشيء في حالة الاستحواذ، مع سيطرة الوسط على مجريات اللعب، بتدوير الكرات وخلق الفراغات من أجل تحرك لاعبي الهجوم، لكن تبدل الحال تماماً مع الإسباني أوناي إيمري، فمدرب إشبيلية السابق يلعب بأسلوب مباشر للغاية، ويعتمد أكثر على التحولات السريعة والمرتدات الخاطفة، مع التركيز أكثر على نجوم الثلث الأخير، خصوصاً بعد التعاقد مع نيمار ومبابي، على خطى برشلونة إنريكي في آخر عامين.

قرر إيمري اللعب بقوته الضاربة، مبابي ونيمار وكافاني بالأمام، ضارباً عرض الحائط بالمشاكل الأخيرة بين النجمين الأخيرين، مع وضع موتا وفيراتي ورابيو بالمنتصف، للتغطية أولاً خلف ثلاثي الهجوم، وملأ الفراغات في حالة تقدم داني ألفيش وكورزاوا لنصف ملعب الخصم، بالإضافة للحفاظ على قوام الدفاع الأساسي مع ماركينيوس وتياغو سيلفا.

يعرف مدرب باريس عيوب بايرن جيداً، ويدرك أن الفريق الألماني ضعيف جداً أثناء المرتدات، وظهر هذا بوضوح خلال العام الماضي أمام ريال مدريد ذهاباً وإياباً، لذلك قرر صاحب الأرض اللعب بطريقة واقعية للغاية، بترك الكرة لبايرن في مناطقه، ثم الانقضاض على دفاعه بمجرد قطع الهجمة، والوصول إلى المرمى بأقل عدد ممكن من التمريرات، لذلك سجل الفريق ثلاثة أهداف رغم أنه لم يقدم بعد أفضل نسخة تكتيكية له.

فارق كبير
يقدم ألابا مستوىً سيئاً منذ قدوم أنشيلوتي، تأثر النمساوي بالإصابات المتكررة، لكنه لم يفهم بعد أسلوب مدربه جيداً، كذلك كيميتش ليس بظهير أيمن صريح، ولم ينجح بعد في تعويض اعتزال النجم الكبير فيليب لام، لذلك لعب البايرن دون أطراف سواء بالخلف أو بالأمام، نتيجة دخول خاميس ومولر إلى العمق، وقلة حركتهما مقارنة بأسلحة سان جيرمان، لدرجة أن داني ألفيش صعد للهجوم كلما أراد دون تحفظ، لأن ميونخ لعب من دون أجنحة صريحة، لذلك انعدمت الخطورة تماماً على الرواقين طوال فترات المباراة.

استحوذ بايرن على الكرة بنسبة 62 %، وسدد كرات على المرمى أكثر من باريس، لكنه فشل تماماً في تسجيل أي هدف، لأن الفريق يعاني بشدة من تركيبة خط الوسط، لأن فيدال وتوليسو أبعد ما يكونا عن ألونسو، فيما يخص البناء من الخلف وتوزيع الكرات تجاه الأطراف، لذلك عاد تياغو كثيراً لنصف ملعبه، حتى يستلم الكرة بنفسه مما جعل المسافة طويلة بينه وبين لاعبي الهجوم، ليتم عزلهم في معظم الأحيان، وتتحول هجمات الضيوف إلى نسخة بطيئة ورديئة أمام المرمى.

حاول كارلو فعل شيء بالشوط الثاني، بعد دخول رودي وكومان مكان توليسو ورودريغز، لكن استمرت العشوائية حتى صافرة الحكم، رغم إشراك روبين في الدقائق الأخيرة، لأن مشكلة بطل ألمانيا لا تتعلق فقط بضعف الأجنحة أو كبر سن النجوم، بل بضعف واضح في تمركز اللاعبين، ووجود فراغات قاتلة في وبين الخطوط، لتنعدم زوايا التمرير تقريباً أمام حامل الكرة بالخلف، وتقل عوامل الاتصال بين صناع اللعب والهدافين داخل صندوق العمليات، ليوصف الاستحواذ في النهاية بالسلبية.

ما ينقص باريس
حقق سان جيرمان الأهم في المباراة، بصدارة المجموعة وتحقيق انتصار صريح على حساب بايرن، مع تألق لافت للشاب مبابي، اللاعب الصغير الذي يتحرك كمهاجم إضافي على مقربة من كافاني، مع ترك الجبهة اليمنى أمام داني ألفيش، ليصبح كجناح صريح في نصف ملعب المنافسين، بينما يحصل نيمار على الحرية بالرواق الأيسر، ليراوغ المدافعين ويصنع التفوق النوعي عند نقل الهجمة من جانب لآخر، كما حدث بالتفصيل في الهدف الأول، بعد جمع نيمار لأكثر من خمسة مدافعين حوله، ثم مرر الكرة على طبق من ذهب لداني ألفيش القادم من بعيد دون رقابة.

انخفضت سيطرة باريس على منطقة الوسط، لانشغال موتا ورابيو بالتغطية المستمرة خلف الظهيرين، ولعبهما على خط واحد تقريباً من دون الكرة، نظراً لأن الثلاثي الهجومي لا يعود كثيراً للخلف، وبالتالي فإن فيراتي أصبح مطالباً بالهجوم والدفاع في آن واحد، مما جعل الأمور أصعب على طول الخط، لدرجة أن الفريق الفائز ظل تحت الضغط لفترات طويلة، وكان بإمكان بايرن تسجيل هدف أو أكثر، لولا التسرع والرعونة وارتكاب الهفوات السهلة وغير المتوقعة.

يبدو أن فريق ملعب حديقة الأمراء سيكون خصماً صعباً أمام الجميع، لكن مسألة فوزه بذات الأذنين لن تتحقق بسهولة، لأن إيمري لم يصنع بعد النموذج الجماعي، الذي يجعل من باريس منافساً شرساً بمباريات خروج المغلوب، لكن تبقى كفاءة وقوة وإنتاج مثلث الهجوم، عوامل قد ترجح كفة الفرنسيين بأدوار الحسم، في انتظار اختبارات أصعب بالعام المقبل.

المساهمون