بيب وبايرن..أسباب وراء الفراق لكن أين سيكون التحدي الجديد؟

22 ديسمبر 2015
+ الخط -


"أنا شخص لست متفائلاً بطبعي، أؤمن جدا بمقولة، جئت لأغير العالم، لكن الآن كل أملي ألا يقوم العالم بتغييري. أعتقد بأن كثير من السياسيين حالياً يقاتلون ليس من أجل الأفكار، ولكن من أجل القوة. إذا آمن أحدهم بأن هذا القانون سيوفر له 20 ألف صوت سيعمل من أجله، حتى إذا كان من داخله غير مقتنع به من الأساس. يتكيف الناس سريعا مع الشيء المتعارف عليه فقط من الأغلبية، القوة تغيّر الناس، إنهم لا يرضون أبدا بغير المألوف، وحينما تريد تطبيق فكرة غريبة أو جديدة، ستصطدم بقدر هائل من التابوهات غير الممهدة".

إذا حاولت دراسة شخصية غوارديولا وقراراته، يجب فوراً الالتفات إلى هذا التصريح القديم الذي أدلى به لجريدة التايم حينما كان عمره 29 سنة فقط، هذا هو بيب باختصار شديد، رجل له قناعته الخاصة، والتي لا تتفق في معظم الأوقات مع رأي الأغلبية، لكنه لا يهتم أبداً بالغير، لأنه يؤمن دائما أن المجدفين يسبحون ضد التيار، وعليهم تحمل ذلك حتى الرمق الأخير.

ليس الغريب
وصف الكثيرون قرار غوارديولا بالمفاجئ، خصوصا أنه يعيش فترة مميزة مع بايرن ميونخ، ويلعب الفريق حاليا بطريقة أفضل من الموسمين الأخيرين، لدرجة أن بيب نفسه قال لأحد رفاقه بعد الفوز على آرسنال بالخمسة في الشامبيونز، "هذا هو فريقي، هذا هو فريق بيب غوارديولا"! في دلالة واضحة على فخره باختياراته الجديدة، كدوغلاس كوستا وكومان، مع ارتفاع مستوى بواتينغ، وعودة كل من تياغو وألابا للتألق.

الموسم الثالث محوري، يتصدر بايرن الدوري بفارق مريح عن أقرب منافسيه، وينافس في الكأس كالعادة، ورغم أن قرعة الأبطال صعبة للغاية أمام يوفنتوس إلا أن الفريق يعتبر مرشحاً فوق العادة، وفي حالة ابتعاد فيروس الإصابات عن الفريق خلال فترات الحسم، سيكون هذا الفريق تحت قيادة البيب مرعب بحق في النهائيات المعقدة.

لكن غوارديولا اختار كعادته مخالفة الأغلبية، لأنه لا يريد أن يكون مثل فيرغسون أو حتى هيتسفيلد، إنه رجل يبحث دائماً عن التكتيك، التعلم، الثقافات الجديدة، ويبدو أنه اكتفى بهذا القدر في بافاريا. "البطولات وحدها لا تكفي"، من الممكن أن تكون هذه العبارة مثالية أكثر من اللازم، لكن المدرب الفائز بـ 19 بطولة مع برشلونة في 4 سنوات فقط، لن يمارس الفكر التدريبي من أجل حفنة أرقام فقط، الأمر أعقد بمراحل.

للسفر ثماني فوائد
للسفر سبع فوائد، لكن مع غوارديولا هناك الثامنة، لأنه ذهب لكي يلعب مع فريق مكسيكي اسمه داروداس، وذلك لكي يكون قريب من صديقه خوانما ليّو، حتى يتعلم منه أصول التكتيك الراديكالي، ليتفنن الثنائي في دراسة كل قواعد التمركز الحديث، وطريقة استغلال المساحات، مع خلق الفراغ داخل الملعب بتحريك الكرة لا اللاعب، فيما عرف إعلاميا في ما بعد بالتيكي تاكا.

تعلم بيب من ليو كيفية دراسة المنافسين مستخدماً الأرقام والإحصاءات، وشرع الشابان في استخدام أجهزة الفيديو لتحليل تحركات اللاعبين، وكانا يجلسان لفترات طويلة بعد التدريبات لمشاهدة كل المباريات في مختلف الدوريات اللاتينية والأوروبية، واتفقا على مبدأ واحد، أن النتائج لا تعتبر كل شيء، وأن هناك عمليات مستمرة تؤدي إليها، لذلك لا بد من دراسة كافة التفاصيل المتعلقة بالمباريات والفرق والخصوم، حتى يتم فهم كافة جوانب اللعبة بطريقة احترافية.

بدأ غوارديولا تدريب برشلونة من الفريق الرديف، وقتها لعبت هذه المجموعة في دوري الدرجة الثالثة الإسباني، لكنهم نجحوا في الصعود تحت قيادة المدرب الشاب. نجح بيب وقتها في كسب ثقة هؤلاء الصغار، ولم يكتف بذلك، بل زادت اتصالاته بالأرجنتيني مارسيلو بييلسا، حتى يناقشه في كل جديد يخص خارطة التكتيك العالمي، فتش عن "التعلم" الذي يقودك إلى كل تجربة جديدة، لتعرف كيف يفكر رجل السداسية التاريخية.

أيام بافاريا
يقول كارل هاينز رومينيجه إن الحياة لن تتوقف بعد غوارديولا، وإن نادي بايرن وجد المدرب المناسب، الإيطالي البراغماتي كارلو أنشيلوتي، الرجل الذي يعرف كيف يتعامل مع النجوم، ولا يعاني أبداً تحت الضغوط، كذلك يجيد فن تدريب النجوم، وله خبرة عريضة في بطولات الشامبيونز ليغ.

لكن حقا سيفتقد البايرن مدربه غوارديولا، ورومينيجه نفسه يعي هذا الكلام، لذلك قاتل حتى اللحظة الأخيرة من أجل بقاء الكاتالوني، لكن الأمر لم يكن بيده في النهاية. ورغم أن عمل بيب التكتيكي نال إشادة الكل خصوصاً لاعبيه، على صعيد مركز ألابا، تفوق بواتينغ، تفاهم موللر وليفاندوفيسكي، العمل الخططي المرن، وصعوبة توقع أسلوب وطريقة لعب البايرن، إلا أن الجزء الإداري لم يكن على المستوى بين بيب ورجال بايرن.

لا يحب غوارديولا تدخل الإدارة في عمله، بل حتى لا يطيق خروج المحسوبين عليهم إلى الإعلام من أجل منافشة بعض الأمور الفنية، هو لم ينس أبداً انتقادات بيكنباور السابقة بعد الهزيمة أمام الريال، ورغم أن القيصر تحدث بمزيج بين الشكر والتقدير لعمل بيب بالآونة الأخيرة، إلا أن الفيلسوف لا يتعامل بشكل مباشر مع المدراء في بافاريا، بل يرسل مساعديه ورجاله إليهم من أجل مناقشة بعض القضايا كما حدث خلال معسكر آسيا الصيفي، والعهدة على الصحافي المختص بالبوندسليغا، رافائيل هونجستين.

متلازمة الكريسماس
يعاني بايرن بشدة بعد العودة من الإجازات الطويلة، ويسقط النجم تلو الآخر خلال أشهر الحسم الأخيرة، مما يجعل الفريق أضعف في مباريات نصف نهائي الأبطال، وهذه المعضلة هي الأقوى على الإطلاق بين غوارديولا وإدارة بايرن، فالطاقم الطبي القديم في النادي مدعوم بشدة من القدامى، لكن محاولات بيب المستمرة أتت بثمارها بنهاية الموسم الماضي، بعد استقالة الدكتور هانز موللر، ولكن المشاكل لم تنته بعد، لأن إصابة ريبري الأخيرة عجلت بالخلافات بين الطاقم الفني والجهاز الطبي الجديد بقيادة فولكر براون، وفق ما أعلنته مجلة "كيكر" الألمانية.

يهتم الكاتالوني المتعصب بعامل المغامرة عكس ما يتهمه بعضهم، هو الرجل الذي اختار تدريب برشلونة بعد جلسة سريعة مع لابورتا، وقتها رئيس البارسا قال له بالحرف، "يريد بعضهم في الإدارة خيار جوزيه مورينيو، لكنني أميل لك رغم عدم خبرتك، إنها المقامرة الأكثر جنونا، إما أن ننجح معا أو نفشل بنفس القدر"، ليرد عليه بيب سريعا، "ستراهن على شاب مثلي، وستنجح يا رجل".

حتى في اختياره لبايرن، حينما وافق غوارديولا كانت الغلبة في هذه الفترة لدورتموند، البطل المحلي لمدة موسمين على التوالي، ولم يحقق هاينكس الثلاثية إلا بعد إعلان التعاقد الرسمي مع المدرب الجديد، لذلك لم تكن تجربة بايرن بالسهلة. وحتى في حالة الإعلان الرسمي بعد بطولات يوب، من الطبيعي لكل مدرب كبير أن يختار المشروع الأفضل، والذي يضمن له أكبر قدر ممكن من الإبداع، هذا هو المنطق الطبيعي.

الخطوة القادمة
يشجع غوارديولا برشلونة ويحب تاريخ ميلان، معلومة قد يعرفها المقربون منه، لكنه حينما يتخذ قراره الجديد، فإنه يبحث عن أمرين، "التعلم والمشروع"، وتشير كلمة التعلم إلى التجربة الجديدة، المغايرة، والمختلفة، بينما المشروع بكل تأكيد هو الجانب الإداري الطموح الذي يكفل لأي مدير فني المناخ المناسب والأرض الخصبة لتطبيق أفكاره داخل المستطيل الأخضر.

لذلك "البريميرليغ" هو القادم في الأغلب، إما تشيلسي أو مان يونايتد أو مان سيتي، وفريق مثل تشيلسي يرغب في غوارديولا منذ فترة طويلة، لكن علاقة جمهوره القوية بمورينيو، والخلافات المستمرة بين البرتغالي وبيب، تجعل فكرة النادي اللندني شبه مستحيلة، لأن الصدام سيكون مضاعفاً بينه وبين الأنصار في حالات السقوط.

كذلك تبدو إدارة اليونايتد متخبطة بشدة، من دافيد مويس إلى لويس فان غال، صفقات كثيرة، أرقام مبالغ فيها، مقارنات مستمرة مع السير أليكس فيرغسون، كلها أمور تجعل بيب يفكر ألف مرة قبل الموافقة على هذا العرض، وبالتالي يأتي خيار السيتي ليكون الأكثر منطقية.

مشروع السيتي في بداياته، يتطور اسم الفريق مع الوقت، ويملك النادي إدارة تعرف غوارديولا جيدا، تشيكي المدير الرياضي وسوريانو المدير العام، ثنائي عمل مع بيب من قبل في برشلونة، إضافة إلى أن فريق الكرة ترتفع أسهمه من فترة إلى أخرى، لكن يبقى القرار الأخير عند ابن عامل البناء القادم من سانتبيدور الكاتالونية.

المساهمون