وأضاف الموقع، في بيان، أن قوة من تسعة أفراد اقتحمت مقر "مدى مصر" في الساعة الواحدة والنصف من ظهر الأحد، وسرعان ما صادروا هواتف وأجهزة كمبيوتر أعضاء الفريق الموجودين، واحتجزوهم في غرفة من غرف المقر، واستجوبوا رئيسة التحرير والصحافي محمد حمامة كل واحد منهما بمفرده.
ورفض الضباط الكشف عن هويتهم، أو عن الجهاز الأمني الذي يتبعونه، أو عن أسمائهم، ولم يكشفوا سوى عن الوجهة التي سوف يصطحبون إليها الصحافيين الثلاثة، وهي نيابة أمن الدولة العليا، وذلك بعد ثلاث ساعات من الاحتجاز غير القانوني داخل مقر الموقع.
وحسب الصحافية المصرية سلاف مجدي، فقد وجدت سيارة ميكروباص في أول الشارع الذي يوجد به مقر مكتب مدى مصر، وأسفل البناية وقف نحو 15 فرد أمن بزي مدني، فضلاً عن انتشار متفرق لعدد من رجال الأمن في الشارع الرئيسي قبل القبض على الصحافيين واقتيادهم إلى قسم شرطة الدقي.
وتحت عنوان "ملخص ما جرى عند اقتحام مدى مصر"، قالت الصفحة الرسمية للموقع على "فيسبوك" "في حوالي الواحدة والنصف من ظهر اليوم، اقتحم تسعة عناصر من قوات الأمن بملابس مدنية مقر مدى مصر بالقوة، وصادروا فوراً كافة الهواتف وأجهزة الكمبيوتر الموجودة في المكتب، ولدى سؤالهم عن هويتهم رفضوا إخبارنا غاضبين".
وأضافت الصفحة في تدوينة لها "عقب ذلك، جمع هؤلاء بطاقات الهوية الخاصة بالفريق، وجمعوا الزملاء في غرفة الأخبار، وكتبوا بيانات كل الموجودين، وطلبوا من بعضهم فتح الهواتف وأجهزة الكمبيوتر. وطلبت الزميلة رنا ممدوح إجراء مكالمة هاتفية للاطمئنان على خروج أطفالها من المدرسة، غير أن قوات الأمن رفضت!".
وتابعت "مرت ثلاث ساعات على ذلك، تخللها استجواب دوري من قبل أشخاص مختلفين لرئيسة التحرير لينا عطا لله، والصحافي محمد حمامة. كذلك تم استجواب زميلينا في القسم الإنكليزي إيان لوي، وإيما سكولدنج، وزميلين آخرين من قناة "فرانس 24" كانا قد وصلا إلى مكتب "مدى مصر" لإعداد تقرير عن اعتقال زميلنا شادي زلط".
وزادت قائلة "حاول ممثلان عن السفارة الفرنسية الدخول إلى المكتب للاطمئنان على مراسلي القناة الفرنسية لمدة ساعة كاملة، ولكن تم منعهما من الأمن. وفي حوالي الساعة الرابعة والنصف مساء، ظهر المزيد من رجال الأمن، وطلبوا من لينا عطا الله ومحمد حمامة ورنا ممدوح الخروج من غرفة الأخبار، وجمعوا أغراضهم، متضمنة هواتفهم وأجهزة الكمبيوتر الشخصية".
وأمس السبت، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على الصحافي بموقع "مدى مصر"، شادي زلط، من منزله، بعدما طرق أربعة ضباط أمن، في ملابس مدنية، باب منزل شادي حيث يعيش مع زوجته وابنته. وقال الضباط إنهم حضروا من أجل شادي من دون أن يفصحوا عن هوياتهم أو يظهروا أمر ضبط وإحضار، بينما بقي عدد آخر من عناصر اﻷمن المسلحة خارج منزله.
وصادرت الشرطة حينها لابتوب شادي إلى جانب لابتوب زوجته قبل رحيلهم مصطحبين شادي معهم. بعدها بدقائق، عادوا مرة أخرى غاضبين وطلبوا تليفونه. قبل رحيلهم أخبروا زوجته أنه في طريقه إلى مديرية أمن الجيزة، "لكننا لم نتمكن من التأكد من حقيقة احتجازه هناك أو في مكان آخر".
قضى شادي زلط (37 عاماً) طوال حياته في مهنة الصحافة، ويعمل محررا في مدى منذ ست سنوات. والصحافيون المحتجزون بمقر "مدى مصر" بعضهم أعضاء بنقابة الصحافيين.
وفي تدوينة عبر حساباتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، قالت منظمة العفو الدولية، إنه "في تصعيد خطير، تقوم قوات الأمن المصرية الآن باقتحام مكتب مدى مصر وتمنع دخول المحامين إلى المكتب، يأتي ذلك بعد اعتقال الصحافي #شادي_زلط بالأمس. على السلطات الأمنية مغادرة المكان فوراً وعدم التعرّض للصحافيين بسبب قيامهم بعملهم #الصحافة_ليست_جريمة".
كما تفاعل عدد من الصحافيين المصريين والعرب والأجانب مع قضية اقتحام مدى مصر والقبض على شادي زلط من خلال تدوينات عبر مواقع التواصل الاجتماعي. مطالبين بتدخل عاجل وفوري من نقابة الصحافيين.
وتأتي هذه الهجمة الأمنية الشرسة على مدى مصر، على خلفية نشر تقرير بعنوان "مهمة عمل طويلة: إبعاد محمود السيسي إلى روسيا"، والذي تناول تفاصيل إبعاد محمود السيسي من المخابرات إلى وظيفة دبلوماسية في روسيا.
وتحققت نبوءة العاملين في الموقع، والتي كشفوها في بيان صدر مساء أمس السبت، بشأن اختطاف زميلهم شادي زلط، حيث قال فريق "مدى مصر" في البيان "بالإضافة إلى قلقنا الجَمّ على أمان شادي زلط الشخصي، وإلى أننا نرى ذلك في سياق أكبر حملة اعتقالات شهدتها مصر منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سُدة الحكم، والتي ضمّت صحافيين وأكاديميين ورموزا سياسية، فإننا نرى اعتقال زميلنا تهديدا لوجود مشروع "مدى مصر" كله".
وقالت لينا عطاالله رئيسة تحرير "مدى مصر" "غالباً ما كنّا نُسأل كيف نستطيع العمل في ظل سنوات من القمع والضغوط التي أجبرت وسائل الإعلام على الإغلاق، أو التوافق مع مَن يعتلي السلطة. الصحافيون ليس لهم حماية سوى نزاهتهم، وقيمة العمل الذي ينتظره منهم الآخرون". وأضافت "نحن جميعاً في خطر. إن لم ندافع عن أنفسنا سنصبح جميعاً، كزملاء لشادي، سجناء لدى السلطات. خيارنا الوحيد هو مواصلة الكفاح لضمان أمان زميلنا الشخصي، وكذلك لضمان قدرتنا على أداء وظيفتنا".
وأشار القائمون على الموقع إلى تقدمهم العام الماضي بطلب لتسوية وضعهم القانوني من خلال قانون الصحافة والإعلام الجديد؛ (القانون رقم 180 لسنة 2018). فعلنا ذلك من دون أية أوهام عن دور الصحافة، وكيف تنظر السلطات إليها. مرّ عام كامل على تقديم الملف، ولم يتلقوا رداً حتى اليوم.
و"مدى مصر" واحد من ضمن مئات المواقع المحجوبة في مصر، والتي وصل عددها إلى 535 موقعاً على الأقل، وفق آخر تقدير لمؤسسة حرية الفكر والتعبير (منظمة مجتمع مدني مصرية).
يشار إلى أن قطع الاتصالات بشكل جزئي أو كلي، هو سلوك انتهجته الأجهزة الأمنية في مصر سابقا، إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بهدف مواجهة الاحتجاجات والتظاهرات الحاشدة.
يذكر أن السلطات المصرية استندت سابقاً إلى المادة 67 من قانون تنظيم الاتصالات المصري، والتي تعطي صلاحيات واسعة للسلطات المختصة في الدولة لكي تخضع لإدارتها جميع خدمات وشبكات اتصالات أي مشغل أو مقدم خدمة وأن تستدعي العاملين لديه والقائمين على تشغيل وصيانة تلك الخدمات والشبكات، وذلك في حالة حدوث كارثة طبيعية أو بيئية أو في الحالات التي تعلن فيها التعبئة العامة، طبقاً لأحكام القانون رقم 87 لسنة 1960 المشار إليه، وأية حالات أخرى تتعلق بالأمن القومي.
ويشترك الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات مع القوات المسلحة والجهات المختصة بالدولة في وضع خطة مسبقة لتشغيل شبكات الاتصالات، تنفذ خلال الحالات المنصوص عليها بالمادة 67، ويتم تحديث الخطة بشكل دوري لتأمين الدفاع والأمن القومي ويلتزم مشغلو ومقدمو خدمات الاتصالات تنفيذ تلك الخطة وفقًا للمادة 66 من قانون الاتصالات المصري.
تجدر الإشارة إلى أن باكورة المواقع، التي حجبها النظام المصري، كانت "العربي الجديد" الذي حجب في ديسمبر/كانون الأول 2015، ولا يزال محجوباً في مصر حتى اليوم. ومن بعده انتشرت عدوى حجب المواقع لتصل إلى ما يقرب من 513 موقعاً على الأقل، حتى تاريخ كتابة تلك السطور، حسب تقارير حقوقية.