تفاعل صحافيون ومثقفون سوريون مع إعلان الخارجية الأميركية لأول حزمة من العقوبات التي لحقت بأفراد وشركات وجهات تابعة أو شريكة للنظام السوري، بموجب
قانون قيصر. وتناول المتفاعلون كذلك صدور حكم بالسجن على رفعت الأسد (عم بشار الأسد رئيس النظام السوري وشقيق حافظ الرئيس السابق) من قبل محكمة فرنسية، رابطين بين صدور عقوبات القانون وقرار المحكمة على أنهما بداية لنهاية حكم عائلة الأسد في سورية، وفق مزاج دولي عام.
ففور صدور القانون علّق المفكر والكاتب السوري الفلسطيني أحمد نسيم برقاوي بالقول: "مع قانون قيصر سيغدو الأمر أيسر".
وتابع في منشور لاحق على صفحته: لمن لا يعقل: قد يلحق قانون قيصر ضرراً بكل الشعب السوري زيادة على الأضرار الفادحة التي ألحقها
النظام به. لكن الجهة الوحيدة التي تحول دون حدوث هذا الضرر هي الجماعة الحاكمة. البنية الاستبدادية التي تأسست في عام 1970 واستمرت حتى 2011 شاخت، وليس هناك قوة دولية أو مليشياوية قادرة على إعادة الحياة إليها. الخلاص يكمن في الإقرار بهذه الحقيقة التاريخية.
وقال الصحافي بشير البكر، مدير قسم الأخبار في "تلفزيون سوريا": "هناك من يعتبر ان قانون قيصر الأميركي سوف تكون له انعكاسات سلبية على الشعب السوري. وربما صح هذا التشخيص، إلا أنه ومن دون مزايدات، بات الشعب السوري كالغريق الذي يتعلق بقشة، فإن لم يساعده القانون، فلن يزيده سوءا أكثر مما هو عليه".
فيما اعتبر الصحافي ثائر الزعزوع "قانون قيصر" سخيفاً، مشيراً إلى أنه قد يكون وبالاً على السوريين بالقول: "يبدو قانون (قيصر) شبيهاً إلى درجة كبيرة، بما نسميه بالعامية (عصة القبر) للشعب السوري الذي يموت منذ سنوات. ولا أصدق أن الولايات المتحدة، بكل ما تملكه من أساطيل ونفوذ وسيطرة، في حاجة إلى هذا القانون السخيف كي تضغط على نظام دمشق، وتجبره على التخلي عن جبروته، هذه سخافة سياسية، إلا إذا صدقنا أن نظام دمشق هو عدو حقيقي وند لواشنطن كما يدعي ويتقيأ إعلامه كل يوم".
وتابع الزعزوع: "في أعقاب غزو الكويت وحرب الخليج، فرضت عقوبات قاسية على النظام العراقي الأسبق، لكنه لم يتأثر... الشعب العراقي فقط هو من جاع، وصار ينتظر (حصته التموينية). وقال إن "سورية بلد منهك جداً، والسوريون يئنون من وطأة الجوع منذ سنوات طويلة، سنوات بعيدة، ونحن أصحاب المثل الشهير (نركض نركض والعشا خبيزة)، وسوف يجد النظام مئات وربما آلاف الوسائل لتشتري سيدة السفرجل ما تريده، فيما لن تجد أرملة سورية ما تطعم به أولادها غير الأسى. واشنطن مثل العلقة التي تمتص الجسد، ولم أصدق يوماً أنها تبالي بآلامنا أو بموتنا اليومي... هللوا للقانون ما شئتم فأنا لن أفكر إلا بالجائعين".
ويبدو أن الشاعر مخلص ونوس يتفق من حيث مبدأ الفكرة مع الصحافي ثائر الزعزوع حين كتب سطوراً قليلة تحت عنوان "مجنون يحكي ": "قيصر كملف معتمد وموثق لجرائم غير مسبوقة يجب أن يحيل إلى محاكم دولية مباشرة، لا إلى عقوبات وحل سياسي ومساعدات وتوسل إطلاق معتقلين".
وربط الصحافي شعبان عبود إصدار الحزمة الأولى من العقوبات بصدور قرار محكمة فرنسية بالسجن على رفعت الأسد أربع سنوات بعد إدانته بعمليات غسل أموال، بسؤال مفترض: "هل بدأ العد التنازلي لنهاية عصابة/عائلة الأسد"؟ وتابع: "قطار قانون قيصر ينطلق بسرعة هائلة من واشنطن وفرنسا ترسل إشارة حول النهاية المحتومة لعائلة مجرمة".
و"قيصر" أو "سيزر"، هو الاسم الحركي لعسكري ومصور في الطبابة الشرعية في جهاز الشرطة العسكرية للنظام، ومقره العاصمة دمشق، كانت مهمته قبل الثورة تقتصر على تصوير الحوادث الجنائية المرتبطة بالجيش والمؤسسة العسكرية من جرائم قتل وغيرها، قبل أن تسند إليه مهمة الذهاب إلى المستشفيات العسكرية للنظام في العاصمة وتصوير جثث القتلى من المعتقلين لدى النظام. فتمكّن من توثيق هذه الصور وتخزينها، وجمع حوالي 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل سوري قضوا تحت التعذيب، وذلك حتى منتصف 2013، وهو الموعد الذي قرر فيه "قيصر" الانشقاق عن المؤسسة العسكرية بالتعاون مع منظمات سورية ودولية، وبحوزته هذا الكم من الصور التي تشكّل أكبر دليل إدانة للنظام.
وحمل ناشطون وحقوقيون الملف الذي بحوزته في مسعى لإدانة النظام ومحاسبته، ومر بمراحل طويلة داخل أروقة صنع القرار والمؤسسات الأميركية. إلا أنه وفي 11 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي مرر الكونغرس مشروع القانون ضمن ميزانية وزارة الدفاع. ومن ثم أقره مجلس الشيوخ في الـ17 من الشهر ذاته، إلى أن وقّعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العشرين من الشهر نفسه، ليتحوّل إلى قانون بدأ سريانه يوم أمس الأربعاء.