شهادات عن منع الوصول للمعلومة ومصادرها، مقاطع فيديو تُظهر الاعتداءات الوحشية، وصورٌ توثّق انتهاك حرية العمل الإعلامي، كلّها كانت محتوى شاركه صحافيون لبنانيون، خلال الأيام الماضية، ضمن حملةٍ بعنوان "الحرية للصحافة"، في محاولةٍ لإظهار حقيقة طبيعة عملهم وانتهاك حقوقهم وحريّاتهم، في ظلّ شعاراتٍ رنّانة ووهمية يطلقها المسؤولون في البلاد عن الصحافة وسلطتها الرابعة. فلبنان الذي كان يُعتبر إحدى الدول الملتزمة بالحريات في العالم العربي، بات كغيره منها، مستبداً، ويُمارس استبداده ذاك عبر أجهزة مختلفة، ويحاول فرض سطوة رأس المال والمحاصصة على ما تبقّى من القطاع.
مرّ اليوم العالمي لحرية الصحافة (المصادف للثالث من مايو/أيار الجاري من كل سنة) على لبنان، بينما حلّ في المرتبة 102 من أصل 180 دولة ضمن التصنيف السنوي الذي تصدره منظمة "مراسلون بلا حدود" في 21 إبريل/نيسان الماضي مستمراً في مساره الانحداري الذي بدأه عام 2015 في ما يخصّ حرية التعبير. وبحسب تقرير المنظمة، فقد لاحقت المحاكم المذيعين لمجرد إتاحة الفرصة لضيوفهم لانتقاد السلطات اللبنانية، علماً بأن المصير نفسه طاول أيضاً بعض الصحف لقيامها بالتحقيق في الفساد. وأشار إلى أنّه بينما كسرت انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول الخط الأحمر المتمثل في عدم انتقاد الشخصيات النافذة، تكثفت الهجمات على وسائل الإعلام خلال التظاهرات، حيث تستخدم الشرطة القوة بشكل غير متناسب وتهاجم الصحافيين بعنف، حتى وإن أدلوا بما يثبت أنهم يمارسون عملهم الإعلامي. كما تعرّض المراسلون الذين يعملون لوسائل الإعلام المقربة من السلطة إلى سوء معاملة من قبل المتظاهرين الذين يشككون في صدقيتهم. كما لا يُستثنى المدونون والصحافيون الإلكترونيون من هذه القاعدة، إذ يمكن أن تكلفهم منشوراتهم على منصات التواصل الاجتماعي استدعاء من مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية عقب تلقي شكوى من جهة خاصة، غالباً ما تكون من شخصية بارزة لها صلة بالحكومة.
يكشف المسؤول الإعلامي لمؤسسة "سمير قصير – سكايز" جاد شحرور لـ"العربي الجديد" أنّ الانتهاكات التي ارتكبت بحق الصحافيين منذ بداية 2020 وحتى بداية شهره الخامس تخطّت الثمانين، وكانت كالتالي: 3 حالات شتم، 12 استدعاءً أمنياً، 21 حكماً قضائياً، 9 حالات منع تصوير، 17 حالة ضرب، 7 حالات رشق حجارة وقنابل غاز، و3 رصاصاً مطاطياً، بالإضافة إلى حالة واحدة لرصاص عادي من مصدر مجهول، إلى جانب 3 حالات اعتقال مصورين، مع اعتقال صحافي واحد، بالإضافة إلى مخالفات بحجة كورونا، تم إلغاء بعضها بعد حالة الغضب التي سبّبتها.
ويشير شحرور إلى أن تحولاً جذرياً حصل في طريقة التعاطي مع الصحافيين منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ففي الأعوام الماضية كانت الانتهاكات ترتبط باستدعاءات أمنية لصحافيين وناشطين، لكن بعد الانتفاضة تحوّل المشهد إلى اعتداء مباشر من قبل العناصر الأمنية، لعلّ أبرزها ما حصل أمام "ثكنة الحلو" لأن ما حصل يومها لا يمكن وصفه بالتفصيلي في بلدٍ يتغنّى بالديمقراطية.
ويلفت إلى أنّ تراجع لبنان من المرتبة 98 خلال السنوات الماضية إلى 102 هذا العام يؤكد أن مساحة القمع زادت مقابل تقلّص مساحة الحرية. علماً أنّ التدخل في العمل الصحافي لا يقتصر على ذاك السياسي والأمني، بل أيضاً هناك تدخل من جانب السلطات الدينية في أي محتوى صحافي، وخصوصاً في السنوات الثلاث الماضية، لنصبح أمام ثلاث سلطات يد واحدة في توسيع قمع الحريات. مشيراً إلى أنّ الإعلام المستقلّ برز خلال الانتفاضة مثل موقع "درج" الذي تمكّن من خلق الصوت الحرّ لكن الاستقلالية مطلوبة على مستوى عام لا خاص.
من جهته، يقول الأستاذ الجامعي والإعلامي في المؤسسة اللبنانية للإرسال LBCI يزبك وهبة لـ"العربي الجديد" إنّ "واقع الحريات في لبنان تحسّن منذ عام 2005 أي مع انتهاء زمن الوصاية السورية، يوم كان النظام الأمني يضغط على أصحاب المؤسسات الإعلامية والصحافيين، وبات التضييق اليوم لا يذكر، مع تسجيل تصرفات تصدر عن بعض القضاة والأمنيين تجاه الصحافيين لكن لبنان بنسبة كبيرة لا يعاني من قمعٍ للحريات"، بحسب رأيه، مؤكداً أنّه ضد القمع سواء السياسي أو الأمني أو حتى الديني.
ويرى وهبة أن "التعرّض للصحافيين في التظاهرات والتحركات الشعبية يصدر عن الأمنيين والمتظاهرين في الوقت نفسه سواء عن قصد أو بغير قصدٍ، ولكن هذه هي الصحافة مهنة البحث عن المتاعب. من هنا ضرورة ترك الصحافي يقوم بعمله سواء كان يعمل في قناة تعبّر عن توجّه المتظاهر أو لم تكن من رأيه. ولا شك في أن وسائل التواصل الاجتماعي خلقت مساراً ومسلكاً جديدين في العمل الصحافي لكن النظرة إليها تختلف بحسب كل شخص"، حسب قوله.
اقــرأ أيضاً
ويشدد عبود على أنّ من حق الصحافي أن يثير الملف الذي يريد فهو صوت الشعب، وإن وقع في بعض الأخطاء أو الأخبار الكاذبة، يكفي أن ينشر الخبر الصحيح أو التوضيح في الوسيلة الإعلامية التي يعمل فيها، لكن من غير المقبول أن يتعاطى القانون مع جرائم القدح والذم وكأنها جرائم سرقة أو قتل، وأن تدوّن في سجله العدلي أو يعاقب بالسجن والتغريم المالي، لأن تاريخ الأمم يكتبه الصحافي ولا ديمقراطية أو حتى سياسة من دون صحافة.
بدوره، يقول الصحافي ربيع دمج وهو أيضاً منتج ومنفذ أفلام وثائقية عربية وبحقه الكثير من الدعاوى القضائية التي مَثل فيها أمام المحاكم بسبب كتاباته وتقاريره لـ"العربي الجديد"، أنّ حرية الصحافة في لبنان أفضل بكثير من بلدان أخرى، خصوصاً لناحية الحديث عن السياسيين وانتقاد تصرفاتهم ومواقفهم، كما يمكن إثارة "التابوهات" بحرية، لأن الدستور اللبناني يكفل حرية التعبير ويحميها، بيد أن المشكلة تكمن في المؤسسات الإعلامية التي تضع فيتوهات على ملفات أو أشخاص لا يمكن التطرق اليهم أو بالعكس تقوم بالتحريض على بعض الأسماء والشخصيات.
ويشير دمج الى أنّ سياسة المؤسسات الإعلامية تظهر أيضاً في طريقة تغطية التظاهرات التي تغيب عنها الموضوعية وهذا ما يلاحظه القارئ أو المشاهد العربي الذي تصل إليه معلومات مختلفة وغير موحّدة على صعيد التحركات الشعبية. ويلفت إلى أنّ القمع الذي يمارس على الصحافيين لا تتحمل مسؤوليته العناصر الأمنية فقط، بل النقابات الغائبة لناحية الدفاع عن الزملاء، وهي تكتفي بإصدار بيانات استنكار وشجب من دون أن تكثف جهودها في تعيين محامين يقفون الى جانب الصحافيين في الدعاوى القضائية أو الانتهاكات التي تُمارَس بحقهم لأن تدخل النقابات في حالات كهذه قد يكون رادعاً أمام تصرفات الأجهزة الأمنية.
يكشف المسؤول الإعلامي لمؤسسة "سمير قصير – سكايز" جاد شحرور لـ"العربي الجديد" أنّ الانتهاكات التي ارتكبت بحق الصحافيين منذ بداية 2020 وحتى بداية شهره الخامس تخطّت الثمانين، وكانت كالتالي: 3 حالات شتم، 12 استدعاءً أمنياً، 21 حكماً قضائياً، 9 حالات منع تصوير، 17 حالة ضرب، 7 حالات رشق حجارة وقنابل غاز، و3 رصاصاً مطاطياً، بالإضافة إلى حالة واحدة لرصاص عادي من مصدر مجهول، إلى جانب 3 حالات اعتقال مصورين، مع اعتقال صحافي واحد، بالإضافة إلى مخالفات بحجة كورونا، تم إلغاء بعضها بعد حالة الغضب التي سبّبتها.
Twitter Post
|
ويشير شحرور إلى أن تحولاً جذرياً حصل في طريقة التعاطي مع الصحافيين منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ففي الأعوام الماضية كانت الانتهاكات ترتبط باستدعاءات أمنية لصحافيين وناشطين، لكن بعد الانتفاضة تحوّل المشهد إلى اعتداء مباشر من قبل العناصر الأمنية، لعلّ أبرزها ما حصل أمام "ثكنة الحلو" لأن ما حصل يومها لا يمكن وصفه بالتفصيلي في بلدٍ يتغنّى بالديمقراطية.
ويلفت إلى أنّ تراجع لبنان من المرتبة 98 خلال السنوات الماضية إلى 102 هذا العام يؤكد أن مساحة القمع زادت مقابل تقلّص مساحة الحرية. علماً أنّ التدخل في العمل الصحافي لا يقتصر على ذاك السياسي والأمني، بل أيضاً هناك تدخل من جانب السلطات الدينية في أي محتوى صحافي، وخصوصاً في السنوات الثلاث الماضية، لنصبح أمام ثلاث سلطات يد واحدة في توسيع قمع الحريات. مشيراً إلى أنّ الإعلام المستقلّ برز خلال الانتفاضة مثل موقع "درج" الذي تمكّن من خلق الصوت الحرّ لكن الاستقلالية مطلوبة على مستوى عام لا خاص.
من جهته، يقول الأستاذ الجامعي والإعلامي في المؤسسة اللبنانية للإرسال LBCI يزبك وهبة لـ"العربي الجديد" إنّ "واقع الحريات في لبنان تحسّن منذ عام 2005 أي مع انتهاء زمن الوصاية السورية، يوم كان النظام الأمني يضغط على أصحاب المؤسسات الإعلامية والصحافيين، وبات التضييق اليوم لا يذكر، مع تسجيل تصرفات تصدر عن بعض القضاة والأمنيين تجاه الصحافيين لكن لبنان بنسبة كبيرة لا يعاني من قمعٍ للحريات"، بحسب رأيه، مؤكداً أنّه ضد القمع سواء السياسي أو الأمني أو حتى الديني.
ويرى وهبة أن "التعرّض للصحافيين في التظاهرات والتحركات الشعبية يصدر عن الأمنيين والمتظاهرين في الوقت نفسه سواء عن قصد أو بغير قصدٍ، ولكن هذه هي الصحافة مهنة البحث عن المتاعب. من هنا ضرورة ترك الصحافي يقوم بعمله سواء كان يعمل في قناة تعبّر عن توجّه المتظاهر أو لم تكن من رأيه. ولا شك في أن وسائل التواصل الاجتماعي خلقت مساراً ومسلكاً جديدين في العمل الصحافي لكن النظرة إليها تختلف بحسب كل شخص"، حسب قوله.
ويؤكد الصحافي شربل عبود الذي عمل في وسائل إعلام لبنانية ويعمل اليوم في مؤسسة أجنبية لـ"العربي الجديد" أن "منسوب الحرية يختلف حسب المؤسسة الإعلامية التي يعمل فيها الصحافي تبعاً للضوابط التي تضعها ولا سيما القنوات المحلية وهامش الحرية المعطى لي داخل المؤسسة التي أعمل فيها كبير جداً، لكن مقارنة مع الدول الشرق أوسطية يبقى لبنان محافظاً على هامش أوسع وأكبر من ناحية حرية التعبير، كون هذا البلد تم تأسيسه على منطق الديمقراطية وهو يتنفس حرية من إعلامه وهذا ما ينطبق على الشعب اللبناني وحتى مع حصول انتهاكات أو اعتداءات دائماً ما تنتصر الكلمة في نهاية المطاف".
ويشدد عبود على أنّ من حق الصحافي أن يثير الملف الذي يريد فهو صوت الشعب، وإن وقع في بعض الأخطاء أو الأخبار الكاذبة، يكفي أن ينشر الخبر الصحيح أو التوضيح في الوسيلة الإعلامية التي يعمل فيها، لكن من غير المقبول أن يتعاطى القانون مع جرائم القدح والذم وكأنها جرائم سرقة أو قتل، وأن تدوّن في سجله العدلي أو يعاقب بالسجن والتغريم المالي، لأن تاريخ الأمم يكتبه الصحافي ولا ديمقراطية أو حتى سياسة من دون صحافة.
بدوره، يقول الصحافي ربيع دمج وهو أيضاً منتج ومنفذ أفلام وثائقية عربية وبحقه الكثير من الدعاوى القضائية التي مَثل فيها أمام المحاكم بسبب كتاباته وتقاريره لـ"العربي الجديد"، أنّ حرية الصحافة في لبنان أفضل بكثير من بلدان أخرى، خصوصاً لناحية الحديث عن السياسيين وانتقاد تصرفاتهم ومواقفهم، كما يمكن إثارة "التابوهات" بحرية، لأن الدستور اللبناني يكفل حرية التعبير ويحميها، بيد أن المشكلة تكمن في المؤسسات الإعلامية التي تضع فيتوهات على ملفات أو أشخاص لا يمكن التطرق اليهم أو بالعكس تقوم بالتحريض على بعض الأسماء والشخصيات.
ويشير دمج الى أنّ سياسة المؤسسات الإعلامية تظهر أيضاً في طريقة تغطية التظاهرات التي تغيب عنها الموضوعية وهذا ما يلاحظه القارئ أو المشاهد العربي الذي تصل إليه معلومات مختلفة وغير موحّدة على صعيد التحركات الشعبية. ويلفت إلى أنّ القمع الذي يمارس على الصحافيين لا تتحمل مسؤوليته العناصر الأمنية فقط، بل النقابات الغائبة لناحية الدفاع عن الزملاء، وهي تكتفي بإصدار بيانات استنكار وشجب من دون أن تكثف جهودها في تعيين محامين يقفون الى جانب الصحافيين في الدعاوى القضائية أو الانتهاكات التي تُمارَس بحقهم لأن تدخل النقابات في حالات كهذه قد يكون رادعاً أمام تصرفات الأجهزة الأمنية.
Twitter Post
|
Twitter Post
|