شهادات مذيعين في BBC: ضغوط عمل وابتزاز تدفع للانتحار

21 مارس 2018
ضغطت عليها الهيئة لإنشاء شركة خاصة بها (أولي سكارف/getty)
+ الخط -
نقلت صحيفة "ذا اندبندنت"، اليوم الأربعاء، شهادات مذيعين في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، حول تعرّضهم للابتزاز، عبر الضغط عليهم لتوقيع ما يسمى "الخدمات الشخصية"، والتنازل بطريقة غير مباشرة عن حقوق لهم.

وروت إحدى المذيعات، بحسب ما نقلت صحيفة "ذا إندبندنت"، تجربتها القاسية مع ظروف العمل والضغوط التي تعرّضت لها من الهيئة، ودفعتها إلى محاولة الانتحار. وكانت المذيعة، التي لم تكشف الصحيفة عن هويتها، واحدة من بين العديد من المذيعين الذين حقق معهم من قبل البرلمان، لتقديم أدلة حول استخدام الهيئة لاتفاقيات "الخدمات الشخصية"، التي تنص على عدم تعيين موظفين لصالحها، إلا إذا كانوا يملكون شركاتهم الخاصة.

واتهم هؤلاء المذيعون الهيئة بالضغط عليهم لإنشاء شركات خاصة بهم، ثم تركهم يتخبطون في سلسلة غير منتهية من الضرائب الضخمة غير المدفوعة، وقال النائب المعروف، ورئيس لجنة الثقافة في البرلمان البريطاني، داميان كولنز: "لم تلتزم هيئة الإذاعة البريطانية بالحد الأدنى من المعايير المتوقع أن تعامل بها موظفيها، وهذا سيعرض مديرها العام، طوني هول، للمساءلة القانونية".

وكانت المذيعة ليز كيرشو، وزميلتها كيرستي لانغ، مقدمة برنامج "فرونت رو"، والصحافي بول لويس، من بين الموظفين الذين قدموا أدلة للجنة الثقافة، عن تعرضهم لسوء المعاملة، حيث أكدت لانغ أنها وافقت على توقيع اتفاقية "الخدمات الشخصية" مع "بي بي سي" بروح طيبة، بسبب ثقتها الكبيرة بها، على الرغم من مخاوفها التي تتعلق بفقدان حقها في التأمين الصحي وأجر الإجازات المرضية، وفقًا لموقع "إندبندنت".

وقالت لانغ: "تحولت كل مخاوفي إلى حقيقة فجأة عندما توفيت ابنة زوجي، ولم أستطع الحصول على إجازة، ثم شخصت إصابتي بالسرطان واضطررت للعمل بعد خضوعي للجراحة، وخلال جلسات العلاج الكيميائي"، وأضافت: "كنت فخورة بأن أكون جزءًا من الهيئة، إلا أني تعرضت للخيانة. فقدت أنا وزملائي حق الرعاية الصحية".

فيما ذكرت كيرشو أنها قدمت برنامجها الموسيقي من دون مقابل لمدة 6 أشهر، بسبب إيقاف إحدى اتفاقيات "الخدمات الشخصية". وأكدت أن أحد الأشخاص حذرها مسبقًا من أن هذا النوع من الاتفاقيات مشكوك بأمره، ولا يقدم لها أي ميزة إضافية، كما أوضحت مخاوفها من أن هيئة الإذاعة البريطانية كذبت على العديد من الموظفين، بالادعاء أن منظمة HMRC المسؤولة عن جمع الضرائب، تدعم هذه الاتفاقيات.


وقالت كيرشو: "أعتقد أنه من المأساوي كيف قد يؤدي سوء الإدارة إلى إمكانية سحب ملايين الجنيهات من الخزينة، لتعويض كل الأشخاص الذين أخرجوا من نظام المعاشات المتعارف عليه، وكادت حياتهم أن تتحول إلى جحيم". كما ألقت باللوم على أسلوب الإدارة السري، الذي اتبعه مدير الهيئة العام السابق، مارك طومسون، مدعية أنه أرسل العديد من الرسائل الإلكترونية التي أجبرتها على توقيع اتفاقية "الخدمات الشخصية".

وأخبر لويس لجنة الثقافة أن هيئة الإذاعة البريطانية تدعي أنها لم تجبر أحدًا على توقيع اتفاقية "الخدمات الشخصية"، مؤكدًا أن الحقيقة هي "أن من لا يوقع لن يعمل لديهم". وأضاف: "تحاول الهيئة توفير النقود على حساب الموظفين، فيما تمنح أشخاصًا آخرين في الإدارة أجورًا مرتفعة بشكل مخيف، على الرغم من أنهم لا يستحقون ذلك، لأن عملهم ليس على هذا القدر من الجودة".

وعرضت لجنة الثقافة، قبل جلسة الاستماع، مجموعة من الأدلة، تشمل شهادات عدد كبير من المذيعين، الذين زعموا أن هيئة الإذاعة البريطانية ضغطت عليهم لتوقيع اتفاقيات "الخدمات الشخصية" بدلًا من أن يكونوا جزءًا من فريق العمل، ويدخلوا نظام المعاشات، ليجدوا أنفسهم لاحقًا متورطين بدفع سلسلة من الضرائب، كما كشفت عن مجموعة من الرسائل الإلكترونية، التي أرسلتها الهيئة للعديد من المواهب الشابة، من بينهم كيرشو، توضح فيها أنها ستتعاقد معهم لوقت طويل فقط إذا قدموا خدماتهم من خلال شركة خاصة بهم.

وقالت إحدى المذيعات خلال تحقيق لجنة الثقافة، إنها أجبرت على تأسيس شركة عام 2011، لتوقيع اتفاقية "الخدمات الشخصية" مع هيئة الإذاعة البريطانية، وأن ذلك قادها لخسارة مبلغ كبير من المال، قبل أن تضطر عام 2017، وبعد تسليط الضوء على هذه الاتفاقيات، إلى توقيع عقد عمل مدته 3 أشهر، لا يتضمن تأمينًا صحيًا، ولا إجازات، على الرغم من أن زملاءها الذكور كانوا يحصلون على هذه الميزات.

وأكدت هذه المذيعة، التي لم يكشف عن اسمها، أن سلامتها العقلية تدهورت بسبب الضغط الذي تعرضت له أثناء عملها مع هيئة الإذاعة البريطانية، وقالت: "لطالما أحببت العمل مع الهيئة، إلا أن الطريقة التي عوملت بها من قبلها، أدخلتني في حالة نفسية سيئة، وكانت من أهم العوامل التي دفعتني قبل 3 أيام لمحاولة شنق نفسي".

وأوضحت مقدمة برامج أخرى أن الهيئة لم تقدم لها خيارًا آخر لتعود إلى العمل بعد إجازة الأمومة، سوى التوقيع على اتفاقية "الخدمات الشخصية"، وهذا ما رتب عليها دفع ضريبة قيمتها عشرات آلاف الجنيهات، وقالت: "غيّر هذا الحدث حياتي، وجعلني أخسر مبلغًا كبيرًا من المال، إلا أن تأثيره العاطفي كان أسوأ بكثير"، وأضافت: "أثر التوتر الذي عايشته بسبب عملي بهذه الطريقة، على حياتي وأسرتي وصحتي. أساءت الهيئة معاملتي على مدى سنوات، وأنا قلقة من أن الضرر الذي سببته لي لا يمكن إصلاحه".

وتحدث العديد من المذيعين أمام لجنة الثقافة عن قلقهم المستمر، وتأثر سلامتهم الجسدية والعقلية، بسبب الضغط الذي مورس عليهم أثناء عملهم مع الـ"بي بي سي"، حيث أكدت مقدمة البرامج سميرة أحمد، أنها تعرضت للتخويف الشديد بالطرد من العمل، إن لم تنفذ الشروط التي تقضي بالتوقيع على اتفاقية "الخدمات الشخصية"، كذلك قال تشارلز نوفي، مقدم إذاعة "بي بي سي" في أوكسفورد، إنه كان قلقًا بشكل مستمر من أن يصبح بلا مأوى، بسبب معاناته المستمرة لتحصيل أجوره، فيما قال مذيع آخر لم يذكر اسمه: "عانيت صحيًا وعقليًا بسبب الاتفاقية التي وقعت عليها، وتأثرت عائلتي كذلك". وأضاف "كان شبح الضرائب يطاردني كل يوم، ويجعلني أفكر بالانتحار".

وأخبرت لجنة الثقافة أن هيئة الإذاعة البريطانية كانت توفر حوالي 10 ملايين يورو سنويًا من خلال إرغام الموظفين على توقيع اتفاقيات "خدمات شخصية". وقال رئيس اللجنة، داميان كولينز: "إن الأمر مزعج للغاية، قد يحرم هؤلاء الأفراد من حقوقهم في العمل بسبب إجبارهم على توقيع عقود كهذه، كما قد يواجه بعضهم مسؤولية دفع ضرائب ضخمة". وأضاف: "تشير هذه الأدلة إلى أن الهيئة تخلت عن الحد الأدنى من معايير معاملة الموظفين".

وأعلنت هيئة الإذاعة البريطانية أن مركز تسوية النزاعات سينظر بشكل مستقل في أمر هذه القضية، ليحدد إن كان من الملائم أن تساهم "بي بي سي" في دفع الضرائب المتعلقة بالتأمين على صاحب العمل، وقالت في بيان لها: "تحاول هيئة الإذاعة البريطانية دائمًا الموازنة ما بين مسؤوليتها تجاه مذيعيها، وبين مسؤوليتها تجاه إنفاق رسوم الترخيص بشكل مناسب، وتدرك أن هناك عقبة كبيرة تتعلق بالمال العام، لذلك لا يمكننا الحكم مسبقًا على النتيجة". وأضافت: "ستنظر الهيئة في أمر مساهمتها في دفع الضرائب المتعلقة بالتأمين على صاحب العمل، إلا أنها ليست مطالبة بدفع أي من الضرائب التي تترتب على الأفراد".

دلالات
المساهمون