أصدرت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" ورقة قانونية بشأن ظهور المشتبه بتورطهم في جرائم أو المتهمين في قضايا من خلال وسائل الإعلام. وبينما يكاد يكون نشر صور المتهمين أمراً اعتيادياً، كون أخبار الجريمة وجهود مكافحتها جزءاً ثابتاً من الوجبة الإعلامية اليومية المقدمة للجمهور عبر وسائل الإعلام هذه، التفتت كثير من أدبيات حقوق الإنسان إلى إشكالية إحداث التوازن بين حرية الإعلام ودوره في ضمان الحق في المعرفة للمواطنين من جهة، وبين مبدأ افتراض براءة كل متهم إلى أن تثبت إدانته بشكل باتٍّ ونهائي في محاكمة تتوافر لها شروط العدالة وحقوق المشتبه بهم والمتهمين في محاكمة عادلة من جهة أخرى.
وقدمت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" نموذج تظاهرات 20 سبتمبر/ أيلول الماضي، عندما عرض الإعلامي عمرو أديب، في برنامجه "الحكاية" على قناة "إم بي سي مصر"، مقاطع فيديو لأشخاص وصوراً لأوراق ثبوتية ومتعلقات أخرى قال إنها خاصة بهم. وقال أديب إن هؤلاء هم أجانب ومصري ألقت السلطات المصرية القبض عليهم، للاشتباه في قيامهم بالتحريض على التظاهر أو بتصوير تظاهرات أو خدمات أمنية في شوارع القاهرة لصالح جهات خارجية، وتضمنت مقاطع الفيديو اعترافات لهؤلاء الأشخاص تفاوتت في مدى مطابقتها لما نسبه أديب إليهم.
بعد ذلك أمرت نيابة أمن الدولة العليا التي تولت التحقيقات في القضية التي أحيل هؤلاء على ذمتها بإطلاق سراح الأجانب، بعد سعي سفارات دولهم لإعادتهم إلى أوطانهم، وبعض هؤلاء أدلى بتصريحات بعد عودته إلى بلده قال فيها إنه قدم الاعترافات المصورة بعد تعرضه للتعذيب وتحت ضغط التهديد بالمزيد منه.
نموذج آخر قدمته الشبكة في قضية محاولة اغتيال الرئيس عبد الفتاح السيسي، إذ إن الإعلامي المقرب للنظامين المصري والسعودي، عمرو أديب، انفرد قبل يومين فقط من انفراده بعرض الاعترافات السابقة، بالكشف عن مؤامرة لاغتيال الرئيس، عبر رصد الاستراحة الرئاسية في منطقة المعمورة، في مدينة الإسكندرية.
القضية التي كشف عنها أديب لم يسبق الإعلان عنها، رغم أن وقائع القبض على المتهمين فيها تعود إلى عام 2017، وفق ما ذكر خلال البرنامج. وقد برر أديب الكشف عن هذه القضية في هذا التوقيت بالرد على اتهامات الفساد في أعمال إنشاءات القصور الرئاسية التي أطلقها المقاول محمد علي من إسبانيا، وكان أحد المشروعات التي ذكرها الأخير أعمال تجديد استراحة الرئاسة في المعمورة. وفي حين حاول أديب من خلال مقاطع فيديو للاستراحة عن بعد إيضاح أن المبالغ المنفقة على تجديدها لا يمكن أن تصل إلى تلك التي ذكرها علي، إلا أنه من غير الواضح الرابط بين ذلك وبين قضية التآمر لاغتيال الرئيس، سوى تلميح أديب بشكل غير مباشر إلى إمكان ضلوع المقاول نفسه في هذه المؤامرة.
وفي مقاطع الفيديو التفصيلية التي صُوّرت من شقة سكنية تطل من مسافة تبلغ 1.5 كم على الاستراحة الرئاسية، ظهرت معدات تصوير قال أديب إن المتهمين استخدموها لرصد الاستراحة والتحركات بها. وفي مقاطع لاحقة ظهر شخصان أدليا باعترافات حول دورهما في المؤامرة المذكورة. ولم يذكر أديب عن القضية التي يفترض أن المتهمين قد أحيلوا إلى القضاء العسكري من خلالها سوى رقمها.
ولم تغفل الورقة الإشارة لحساب وزارة الداخلية على موقع "فيسبوك" الصادر عام 2012، في أعقاب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011. ويبلغ عدد متابعي الصفحة أكثر من سبعة ملايين متابع، وهي نشطة للغاية في نشر أخبار الوزارة والحملات الأمنية النوعية والاعتيادية وأخبار الجرائم التي تكشف أجهزة البحث الجنائي عن المتهمين فيها.
وحول ما يخص نشر الصفحة لمعلومات حول المضبوطين للاشتباه في ارتكابهم لجرائم، قالت الشبكة إن ثمة نمطا سائدا يتضمن دائما نشر صور المضبوطين مع الأحراز المضبوطة بحوزتهم أو في مكان ضبطهم، ويهتم القائمون على الصفحة بتمويه وجوه المضبوطين في الصور، وإن كان يمكن الجدل بأن الربط بين المعلومات حول المضبوطين المذكورة في متن الخبر وتشمل عادة صفة المضبوط ومنطقة إقامته ومعلومات أخرى وبين الظاهر في الصور من شأنه أن يكشف هوياتهم.
ومن نماذج ما تنشره الصفحة من أخبار حول قضايا بعينها: "كشف غموض وتحديد وضبط مرتكبي واقعة سرقة 250 ألف جنيه و7 آلاف دولار من داخل إحدى الشقق السكنية في دائرة قسم شرطة المعادي"، و"ضبط مزارع لقيامه بالاشتراك مع ثلاثة أشخاص بالحفر والتنقيب عن الآثار وبحوزته 46 قطعة أثرية بقصد الاتجار"، و"ضبط مرتكبي واقعة اختطاف طالب في الغربية وإعادة المختطف لأهله سالماً".
وعلقت الشبكة أنه في هذه المنشورات وفي غيرها تورد صفحة الوزارة صوراً للمتهمين تتفاوت جودة تمويهها، كما تورد معلومات تفصيلية عن الواقعة وكيفية ضبط المتهمين ومعلومات شخصية عنهم مع تجنب ذكر أسمائهم، وإن كان ذلك لا يكفي في معظم الأحيان لإخفاء هويتهم بشكل كامل.
وكذلك القناة الرسمية لوزارة الداخلية على موقع "يوتيوب" وبرنامج "المواطن مصري"، حيث تعرض تقارير أسبوعية عن جهود قطاعاتها المختلفة في مواجهة الجريمة، ويظهر المتهمون بارتكاب الجرائم التي توردها التقارير السابق ذكرها في مقاطع الفيديو هذه بالطريقة نفسها التي يظهرون فيها في الصور الملحقة بمنشورات "فيسبوك" على صفحة الوزارة، أي برفقة المضبوطات إن وجدت ومع تمويه وجوههم.
وأكدت الشبكة أنه "في أحيان كثيرة تقدم التقارير لقاءات مع متهمين يتم فيها إما تمويه وجوههم أو تصويرهم من الخلف حتى لا تظهر وجوههم على الكاميرا". وعن التعليق القانوني والحقوقي على تلك الممارسات، رأت الشبكة أنه على مستوى أولي بسيط ليس ثمة حاجة إلى إبراز حقيقة أن ظهور مشتبه بهم بارتكاب جريمة ما من خلال وسيلة نشر علانية بما يكشف هوياتهم يعد انتهاكاً ومخالفة قانونية، فوزارة الداخلية نفسها كممثل للسلطات المصرية بهذا الشأن تُظهر تلك الحقيقة من خلال التناقض في موادها الإعلامية بين القضايا السياسية والجنائية على الأقل في الآونة الأخيرة.
وتابعت "مبدأ (براءة المتهم حتى تثبت إدانته) هو ركن أساسي لمنظومة العدالة في عالمنا المعاصر، ولذلك لا يخلو أي نص حقوقي بدءاً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وغيرهما من المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية ذات الصلة من تكرار هذا المبدأ والنص على ضرورة التمسك به".
وأضافت أن الدساتير المصرية المتعاقبة حرصت على إثبات هذا المبدأ والنص على ضرورة الالتزام به، وجرت القوانين المصرية على إحاطته بسبل الحماية المختلفة. ويتناقض تقديم المشتبه بهم والمتهمين في قضايا إلى الجمهور العام بصورة ترسخ في وعي المتابع ثبوت إدانتهم برغم أن هذه الإدانة لم تتم فعلياً من خلال محاكمة عادلة بعد، مع هذا المبدأ الضروري.
وأكدت الشبكة أن المواد الإعلامية التي تقدم معلومات حول الجريمة وجهود مكافحتها ينبغي أن تلتزم أولاً بعدم الكشف عن هويات المشتبه بهم في مراحل التحقيقات كون سرية هذه التحقيقات التي يقررها القانون المصري تنطبق على هذه الهويات، وبرغم أن النص القانوني الذي يعاقب على إفشاء أسرار التحقيقات ينطبق فقط على مباشريها ولا ينطبق على وسائل الإعلام، فالمبدأ نفسه ومبرراته ينبغي أخذهما في الاعتبار من خلال مواثيق العمل الإعلامي المهني. ثانياً، ينبغي أن تلتزم وسائل الإعلام بالحيادية وبدور الناقل للمعلومات المتاحة من دون أن تنصب نفسها محققاً وقاضياً يوجه الاتهامات ويصدر الإدانات.