العراق: انقلابات إلكترونية لدعم الانتفاضة

31 ديسمبر 2019
سعي لفضح ملفات الفساد (أحمد الرباعي/فرانس برس)
+ الخط -
شهدت المواقع الإلكترونية والصفحات التابعة للحكومة العراقية على مواقع التواصل الاجتماعي، سلسلة اختراقات على أيدي قراصنة محليين، تختلف أهدافهم من وراء "التهكير" بحسب الزمان الذي تقع فيه العملية. فمن إزاحة الفاسدين إلى كشف ملفات فساد مالي وإداري في المؤسسات العراقية إلى كشف محادثات سرية لمسؤولين عبر صفحاتهم، كما حدث قبل أشهر مع رئيس حركة "إرادة" حنان الفتلاوي، إلى النية بالنيل من السلطات بعد قتل المتظاهرين إلى تخليد ذكر ضحايا التظاهرات، كما حدث أخيراً مع صفحة وزارة الصحة العراقية، حيث أشهر الهاكرز صورة صفاء السراي، أبرز الوجوه الشابة التي تم اغتيالها على يد قوات الأمن العراقية نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وكانت الواقعة الأشهر والأكثر تأثيراً، بسبب ما أحدثته من حالة قلق استمر لساعات، حين تعرضت عشرات المواقع الحكومية العراقية إلى اختراق من قبل مجهولين، أهمها وزارات الداخلية والدفاع والصحة والنفط والتجارة، إضافة إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، والصفحة الرسمية لجهاز مكافحة الإرهاب على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، معلنين باسم رئيسه، الفريق الأول الركن طالب شغاتي الكناني، انقلاباً عسكرياً في البلاد. إلا أن خبر الانقلاب سرعان ما تم نفيه.

ويفتح ملف اختراق الحسابات الرسمية والمواقع الحكومية العراقية أبواب التساؤل عن عدم تمكن مؤسسات الدولة من حماية بياناتها ورسائلها والمخاطبات الرسمية وغير الرسمية. كما ينطبق الأمر على المراسلات والوثائق والعقود التي تبرمها الحكومة مع جهات محلية وخارجية مثل الاستثمارات والشراكات، وكذلك الفساد الذي يسري في تلك المؤسسات عن مبالغ تأمين تلك المواقع، وهو ما كشفه فريق "ماكس برو" الذي يطرح نفسه المهيمن والمتبني الأبرز لعمليات القرصنة في العراق، إذ ذكر ضمن حزمة من الفضائح أن تكلفة "سيرفر" موقع حكومي هو 700 دولار، في حين توفر الدولة مبلغ يقرب من 25 ألف دولار مخصصة لحماية ذات الموقع.

تمكن "العربي الجديد" من التواصل مع أحد أعضاء فريق "ماكس برو". وقال إن "المواقع الإلكترونية لمؤسسات الدولة العراقية غير مؤمنة، وهي تعتمد على موظفين غير أكفاء وغالبيتهم حزبيون يتبعون الأحزاب التي تمسك زمام الأمور في الوزارات والهيئات، ولا تعتمد المختصين والأكاديميين الذين درسوا البرمجيات والاختصاصات الرقمية، لأنها (الأحزاب) لا تثق بهم"، مشيراً إلى أن "الرسائل التي نتركها على صفحات المواقع العراقية بخلفية سوداء تعبر عن الطموح الشعبي، وكلما أراد العراقيون شيئاً، ندعمهم نحن كفريق إلكتروني لتثبيت مطالبهم، وهذا ما فعلناه خلال التظاهرات التي تشهدها البلاد، وهي أضعف ما نملكه من أجل خدمة المحتجين".

ولفت المقرصن إلى أن "اختراق مواقع الدوائر الحكومية في العراق ليس صعباً، ونحن نسعى من خلال ذلك لمعرفة ملفات الفساد التي ينتظر سماعها الشعب العراقي"، موضحاً أن "عملية القرصنة لا تتعدى تغيير نظام أسماء النطاقات (دي.إن.أس) واستبداله بآخر. ونعمل عادة في الليل حين يكون الموقع خالياً من أي محرر، ولكن سرعان ما تتمكن الجهات المالكة للمواقع الإلكترونية من استرجاعه، ولكن خلال الساعات التي نسيطر فيها على المواقع، نكون قد تعرفنا على الكثير من الخفايا وملفات الفساد والمراسلات عن الجهات الحكومية، وعادة نكشفها للعراقيين، وبعضها تبقى لدينا كإثباتات على فساد المؤسسات العراقية".

وكان مركز الإعلام الرقمي، وهو جهة شبه رسمية في العراق، قد دعت عقب حملة الاختراق الذي تعرضت له مواقع الدولة، والذي وصفه مدونون بأنه "انقلاب إلكتروني"، إلى تشكيل هيئة مهنية ومستقلة للأمن "السيبراني" تأخذ على عاتقها النهوض بحماية المواقع الحكومية، لأن "ما حدث من اختراق للعديد من المواقع الحكومية الإلكترونية، دليل على افتقار العراق لاستراتيجية واضحة للأمن السيبراني، خصوصاً أن بعض المواقع التي تم اختراقها مختصة بالأمن القومي ومن المفترض أن تكون مُحصّنة وبعيدة عن الاختراق" بحسب بيانات صدرت عن المركز.

من جهته، أكد ضابط رصد في قسم الإعلام بجهاز الأمن الوطني لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحكومة تسعى إلى التواصل دائماً مع قراصنة اختراق المواقع الإلكترونية، وتحديداً جهاز الأمن الوطني، لا لغرض اعتقالهم أو معاقبتهم بل من أجل الاستفادة منهم، وكثير من القراصنة تم التعرف عليهم، وحالياً يعملون لصالح الجهاز الأمني في سبيل حماية المواقع المهمة وبعضهم استقطبتهم الأحزاب السياسية في سبيل إدارة مواقع إلكترونية".



وأضاف أن "غالبية مسؤولي الصفحات والمواقع الإلكترونية التابعة لجهاز الأمن الوطني، هم من أقرباء المسؤولين وبعضهم لا يملك أي خبرة في التعامل مع المواقع، مما يضطر قسم الإعلام في الجهاز إلى إرسال العاملين إلى إيران ولبنان في سبيل تعليمهم ضمن ورش ودورات على طرق المحافظة على سرية المعلومات وحماية المواقع الإلكترونية".
المساهمون