تداعيات القرصنة الألمانية تتواصل: غضب محلي وجهوزية سويدية ودنماركية

05 يناير 2019
طاولت القرصنة مئات السياسيين والصحافيين الألمان (أندرو بروكس/Getty)
+ الخط -
استنفرت دول شمال أوروبا، بعد عملية القرصنة الضخمة التي طاولت مئات السياسيين الألمان، يوم الجمعة، وشملت أيضاً صحافيين ومشاهير. كما تواصلت ردود الفعل الغاضبة في ألمانيا، وسط انتقادات حادّة لـ"المكتب الاتحادي لأمن تكنولوجيا المعلومات". أما السويد والدنمارك، فرفعتا مستوى الجهوزية ضد هذه الحرب الإلكترونية.


"الهجوم الخطير" في ألمانيا

نشر قراصنة إلكترونيون البيانات الشخصية لمئات السياسيين الألمان من الأحزاب الرئيسية، بينها تفاصيل بطاقات الائتمان وأرقام الهواتف المحمولة، يوم الجمعة. البيانات نُشرت على حساب "تويتر"، وشملت أيضاً عناوين ورسائل شخصية ونسخاً من بطاقات الهوية.

وقد طاولت الأحزاب الألمانية كلها، باستثناء الحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا". وكشفت السلطات الأمنية الألمانية، في وقت لاحق، أن القرصنة طاولت أيضاً صحافيين ومشاهير، بينهم 33 صحافياً من شبكات "إيه آر دي" و"زد دي إف". ووصفتها وزيرة العدل الألمانية، كاترينا بارلي، بـ"الهجوم الخطير".

وأفادت تقارير صحافية بأن من بين أكثر المتأثرين بالقرصنة هو "حزب الاتحاد المسيحي"، إذ تم نشر بيانات 405 أعضاء من البوندستاغ والبرلمان الأوروبي وبرلمانات الولايات، يليه "الحزب الاشتراكي" (294 عضواً)، فضلاً عن "حزب الخضر" الذي تعرّض 105 أعضاء من سياسييه لسرقة بياناتهم، وبنسبة أقل حزب اليسار، بما مجموعه 82 حالة، وكان هناك 28 فقط من سياسيي "الحزب الليبرالي الحر" عرضة لعمليات القرصنة المشبوهة.

إلى ذلك، كان من بين المستهدفين الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير. وبحسب صحيفة "دي فيلت"، فإن رقم فاكس وعنوان بريد إلكتروني والرسائل من وإلى المستشارة أنجيلا ميركل تمت قرصنتها، ولم يتضح مدى حساسية المعلومات المنشورة بعد.

ويحقق المكتب الاتحادي لحماية الدستور في القضية منذ مساء الخميس، ويعمل على تبادل المعلومات مع أجهزة الاستخبارات الأجنبية للتحقق من مركز الانطلاق وأصول هوية المهاجمين. وتشير معلومات صحافية إلى أن الحكومة الاتحادية تحقق في إمكانية أن تكون نقطة الهجوم المحتملة هي شبكة البوندستاغ (البرلمان الألماني) وليس عبر شبكة البيانات الحكومية.

 


ردود الفعل الألمانية

تسود الوسط السياسي والإعلامي في ألمانيا حالة صدمة، وارتفع منسوب الانتقادات لـ"المكتب الاتحادي لأمن تكنولوجيا المعلومات"، بعدما تبيّن أنه علم بالواقعة منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكنه تكتّم عليها.

وتطرح التساؤلات حالياً حول الأسباب التي منعت مكتب تقنية المعلومات من إخطار السلطة في وقت سابق بالأمر، وانتظار الإعلان عنه حتى مساء الخميس الماضي. وقال النائب في "الحزب الليبرالي الحر"، مانويل هوفلير، لـ"وكالة الأنباء الألمانية"، إنه "أمام هذا الواقع يجب على المرء التساؤل عن سياسة المعلومات الخاصة بالسلطة، وعلى المكتب الاتحادي شرح إجراءاته وإجراء مراجعة نقدية".

من جهة ثانية، عبّر رئيس كتلة اليسار في البوندستاغ، ديتمار بارتش، ساخطاً: "بالنظر إلى حجم فوضى البيانات هذه، فإن عدم إبلاغ السلطات والأحزاب غير مقبول إطلاقاً، فهل هناك ما نخفيه؟".  
وقال النائب اليساري أندريه هان، لـ"شبكة التحرير الألمانية": "أنا مندهش لأنني أعلم عن مثل هذه الأمور مرة أخرى عبر وسائل الإعلام، رغم أنني عضو في لجنة الرقابة البرلمانية واللجنة الداخلية في البوندستاغ". مع العلم أن رئيس مكتب أمن تكنولوجيا المعلومات، أرنيه شونبوم، صرح لقناة "فينينكس" التلفزيونية بأنه، في وقت مبكر من ديسمبر/كانون الأول "تحدثنا مع أفراد تأثروا بتلك الهجمات السيبرانية، وبدأنا بالتدابير المضادة، وأُرسل فريق خاص لمساعدة المتضررين". أما رئيس "حزب الخضر" فقد لجأ إلى القضاء، وتقدم ببلاغ ضد مجهول.

وفي السياق نفسه، دعا أحد ضحايا عملية القرصنة، السياسي عن "حزب الخضر"، كونستانتين فون نوتز، إلى إعادة التفكير في سياسة الأمن الألمانية، ورفع الوعي إزاء أمن تكنولوجيا المعلومات التي باتت عنصرا مكونا من الديمقراطية في عصر الرقمنة.
أما وزير الدولة عن "الحزب المسيحي الديمقراطي"، غونتر كرينغز، فقال لصحيفة "راينشه بوست": "نحن بحاجة إلى النظر فيما إذا كنا بحاجة إلى تعزيز التحقيق التقني والقانوني لتعقّب الجناة". أما زميله في الحزب، تورستن فراي، فرأى أن الحادث يُظهر مدى "الإهمال".

يُشار إلى أن صحيفة "بيلد" ذكرت أخيراً أن السلطات الأمنية الألمانية طلبت المساعدة من جهاز الاستخبارات الأميركية، لكشف تبعات هذه الواقعة.




استنفار سويدي ودنماركي

من جانبها، أعلنت السلطات السويدية، اليوم السبت، أن وزارة الدفاع بالتعاون مع شرطة الأمن الإلكتروني والاستخبارات (سابو) تتجه نحو إنشاء آلية تعاون جديدة في مواجهة "الهجمات السيبرانية التي أصبحت أكثر نشاطاً وعدوانية أخيراً".

وبحسب ما ذكر التلفزيون السويدي "إس في تي"، فإن نشاط القرصنة "تزايد ضد السويد أكثر من السابق، وباتت مهمة تعقّب التهديدات وحماية المجتمع السويدي تتطلب تعاوناً أكبر بين مختلف الجهات، لتشديد الإجراءات، بما فيها منع الاقتراب من مناطق معينة والتصوير فيها، إلى جانب تتبّع الدولة أو المجموعات المدعومة من دولة في شن الهجمات".

وباعتراف ما يسمى "هيئة أمن الاتصالات السرية"، التابعة لوزارة الدفاع والنشطة منذ الحرب الباردة، فإن السويد تتعرض شهرياً لما يزيد عن 10 آلاف نشاط تجسسي وهجمة إلكترونية منذ 2017. وتشير هذه الهيئة السويدية إلى أن الهجمات الإلكترونية تستهدف مختلف المستويات في البلاد؛ الحكومية والحزبية والأمنية والمدنية. وتلفت إلى أن "قطاع الصناعة السويدي يتعرض أيضاً لهجمات بهدف التجسس عليه".

وكانت استوكهولم أعلنت، في مناسبات عدة، عن صدّها محاولات اختراق برلمانها وأحزابها السياسية، وآخرها في أغسطس/آب الماضي، قبل انتخاباتها العامة. وتخشى من انعكاس حالة التوتر القائمة في بحر البلطيق مع الجارة روسيا أن تؤدي إلى مزيد من القرصنة والتأثير على أوضاعها. وفي مناسبات أخرى، لم تتردد وسائل الإعلام السويدية في توجيه أصابع الاتهام إلى الكرملين بمسؤوليته عن الهجمات.

 ولا يختلف الأمر كثيراً لدى الجارة الدنمارك، فقبل أشهر من الانتخابات العامة، في موعد أقصاه 17 يونيو/حزيران المقبل، اتجهت السلطات الدنماركية إلى دعوة كافة الأحزاب السياسية إلى اجتماعات مخصصة لتحصين البلد من تزايد محاولات التأثير على أجوائها السياسية عبر القرصنة.

وفي كوبنهاغن، لا تتردد السلطات الأمنية والصحافة في توجيه اتهاماتها إلى روسيا مباشرة بتزعم "حكومي وبمجموعات تعمل في سانت بطرسبرغ لاختراق سيبراني للدنمارك"، على ما تؤكد تقارير متخصصة لصحيفة "بيرلنغسكا". وشهد يوم الخميس الماضي، توافقاً بين مختلف الاتجاهات السياسية الدنماركية على "ضرورة التعاون بين مختلف المستويات الأمنية والسياسية لتحصين الدنمارك من هذه الهجمات".

وأثار مقرر لجنة شؤون الدفاع والأمن في البرلمان الدنماركي، ناصر خضر، نهاية العام الماضي، جدلاً حين طالب علانية بـ"شنّ حرب إلكترونية مضادة ضد روسيا".

المساهمون