فرنسا في قلب "البريكزيت" البريطاني

22 يونيو 2016
الاستفتاء سيحصل غداً الخميس (Getty)
+ الخط -
ساعات قليلة قبل موعد الاستفتاء الكبير الذي تشهده بريطانيا الخميس المقبل، والذي سيؤدي إلى البقاء أو الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، تزداد حدّة النقاش في الشارع الفرنسي بين مؤيد لمغادرة البريطانيين ومعارض لتلك الخطوة. وفي الوقت الذي تظهر جميع استطلاعات الرأي صعوبة الحسم بـ"لا" أو "نعم" في الشارع الإنجليزي حتى اللحظات الأخيرة، يبدو الترحيب الفرنسي بمغادرة بريطانيا هو الأعلى مقارنة بباقي دول الاتحاد الأوروبي. 

"البريكزيت البريطاني وآمال الفرنسيين"، "ترقب عام في فرنسا للاستفتاء المصيري"، "ساعة الصفر لفرنسا كما لبريطانيا".. كلها عناوين خرجت بها الصحف الفرنسية التي تتابع الاستحقاق البريطاني عن كثب كما لو أنه استحقاق فرنسي بالدرجة الأولى. ما يزيد الأمور تعقيدا هو الضغط الذي تمارسه بعض الدول وتشكّل تحالفات مؤيدة ومعارضة لتصويب نتائج الاستفتاء كما ذكرت "ذي إندبندنت" الشهر المنصرم.

في "لوموند" الأحد، كان موقف فرنسا الرسمي واضحًا في المقابلة التي أجرتها الصحيفة مع وزير الاقتصاد إيمانويل ماكرون، الذي طالب الاتحاد الأوروبي بتبني نهج صارم وواضح في العلاقات المستقبلية مع بريطانيا في حال خروجها من التكتل. وقال ماكرون "على الخروج أن يكون شاملاً، ستطلب فرنسا وقف منح جوازات السفر التابعة للاتحاد الأوروبي للمؤسسات البريطانية. وفي حال رغبت المملكة المتحدة بعد خروجها في الدخول إلى السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، فعليها أن تساهم في ميزانية التكتل كما تفعل سويسرا والنرويج". وختم ماكرون "سيكون للرئيس (الفرنسي فرانسوا) هولاند موقف واضح جدًا في الساعات القليلة المقبلة". أما في عددها الصادر أمس الثلاثاء فسلطت الصحيفة الضوء على ما يقوله البريطانيون الداعمون للخروج من الاتحاد الأوروبي، كما خصصت صفحتها الأولى على الموقع للحديث بشكل أساسي عن هذا الموضوع، مسلطة الضوء على تفاعل البريطانيين والفرنسيين معه، شارحة بالصور، فحوى ومختصر الآراء الداعمة للخروج من الاتحاد الأوروبي، وأخرى الداعية إلى بقاء بريطانيا في الاتحاد.

وعنونت صحيفة "سود-أويست" المحلية: "فرنسا البلد الآخر للبريكزيت؟". وكتبت في افتتاحيتها "يبدو الفرنسيون اليوم الأكثر تصالحا مع الدعوة إلى خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي، وفي الموقف الفرنسي العام تزايد في "شكوكية أوروبية"(euroscepticisme) وجدواها أظهرته آخر الاستطلاعات بحيث بلغت نسبة مريدي البريكزيت 40 في المئة من الفرنسيين وهي نسبة عالية جدا مقارنة بباقي الشعوب". وأعادت الصحيفة الأسباب إلى التقارب التاريخي بين فرنسا وبريطانيا، ما خلق منافسة في كل المجالات عدا عن تشاركهما بمسار استعماري طويل وتشابك مصالحهما في عديد الدول الأفريقية والشرق-أوسطية.

موقف حزب الجبهة الوطنية اليميني كان مرحبًا للخروج البريطاني. وجاء هذا الترحيب على لسان رئيسة الحزب مارين لوبان، التي قالت لصحيفة "لاكروا"، التي استأنفت بدورها متابعة الاستحقاق البريطاني، بعد ثلاثة أيام حداد تلت اغتيال النائبة البريطانية جو كوكس "إنّ ارتفاع نسبة المؤيدين للخروج البريطاني يعني انتصارا لدينامية الشعوب".
في حين غمز بعض المعلّقين على "تويتر" عن موقف لوبان الذي لم يأتِ بجديد، باستذكار الدعم الروسي الذي تؤمنه "مافيا بوتين" عبر مصارفها لدعم الجبهة الوطنية. وهو ما علّق عليه الصحافي البريطاني-الفرنسي ألكس تايلور على "فرانس 3" بالقول "انتقلت روسيا من داعم لليسار المتطرف إلى داعم لليمين المتطرف، وهي تعتمد اليوم في سياستها على مبدأ "فرّق تسد" لذلك تبدو مصالحها أكثر ضمانة مع خروج بريطاني من التكتل الأوروبي".
وأضاف تايلور في قراءته للمزاج الشعبي في فرنسا "أفهم تمامًا موقف الفرنسيين اليوم. هم يرون بريطانيا في التكتل الأوروبي دون أي خطوة ملموسة من جانب البريطانيين، فهم لا يريدون الدخول إلى "الشينغن" ولا يريدون توحيد العملة. وأعتقد أنّ الحال الذي يقضي بخروج بريطاني قد يترك أثرًا سلبيًا على الاقتصاد الفرنسي في الفترة الأولى لكنّ التبعات الإيجابية ستكون أكبر".
وأعدّت ايزابيل شايو في "فرانس انفو" تقريرًا حول النتائج الذي سيخلّفها الخروج البريطاني، ولخّصتها بنقاط ثلاث "النتيجة المباشرة لـ"لا" البريطانية ستكون تراجعًا في سوق الأسهم الفرنسية، وعدم استقرار القطاع المصرفي بحيث أعلنت كبرى البنوك البريطانية مستبقة التصويت عن رغبتها في نقل جزء من نشاطاتها إلى خارج البلاد، كما هو حال HSBC الذي سينقل ألف وظيفة من لندن إلى باريس".
وأضافت شايو "ستتضرر هولندا وبلجيكا وأيرلندا بالدرجة الأولى من هذا الخروج، لكن يبقى الأثر كبيرًا على فرنسا، فانخفاض قيمة الجنيه الإسترليني والانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة سيؤدي حتمًا إلى تراجع فرنسا عن الاستيراد من بريطانيا وسيفضي بشكل عكسي إلى تراجع في الاستثمار الفرنسي على الأراضي الإنكليزية".

في "ليبراسيون" فتح النقاش يوم أمس على موضوع آخر وهو الـ"غريكزيت" أو بقاء أو خروج اليونان من الاتحاد الأوروبي، في ظلّ الصعوبات الاقتصادية التي توجهها اليونان، والتي قد تغرق الاتحاد الأوروبي بحسب الصحيفة الفرنسية. واعتبرت الصحيفة أنه بعد بريطانيا، سيكون السؤال المصيري هو حول بقاء اليونان من عدمه في الاتحاد.
المساهمون