محمد علوش... سيرة مصور متجول في نابلس

27 سبتمبر 2018
يتنقل علوش في شوارع نابلس وأزقتها القديمة(جعفر اشتية/فرانس برس)
+ الخط -
منذ 25 عاماً، يتجول المصور الفلسطيني محمد عبد الرحمن علوش، من سكان مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، في شوارعها وأزقتها القديمة وحدائقها العامة، ويلتقط صوراً جميلة لزبائنه ومناسباتهم. يتنقل يومياً بين "متنزه جمال عبد الناصر" في المدينة والبلدة القديمة من نابلس، فلم يعد في المدينة التاريخية مصور متجول سواه.

بعد انتهاء دوامه في بلدية نابلس حيث يعمل، يغادر علوش حاملاً معدات التصوير الخاصة به، باحثاً عن زبائن يلتقط لهم صوراً. إذ يصرّ على مزاولة مهنة التصوير بشكل حر متجولاً في مدينة نابلس، ساعياً إلى تحسين دخله، بعدما فشل في العثور على من يتبنى عمله في التصوير، ولم يستطع كذلك إكمال تعليمه الجامعي في أدب اللغة الإنكليزية، إثر اعتقالاته وإصابته في الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت عام 1987، كما يقول لـ"العربي الجديد".

في 1991 حقق محمد علوش أمنيته بدخول مجال التصوير الصحافي، وتخرج من دورة مدتها ثلاثة أشهر أعدتها المحاضرة الأكاديمية في "جامعة النجاح" في مدينة نابلس، سمر الشنار، بالتعاون مع مجموعة من المختصين. والتحق محمد علوش بعد ذلك بوظيفة مصور صحافي مع شبكة "سي بي إس نيوز" (CBS News) الأميركية لتغطية الأحداث في مدينة نابلس.



أمنية محمد بخوض التصوير الصحافي لم تكتمل، إذ بعد أقل من سنة أصيب برصاص جيش الاحتلال وتم اعتقاله خلال تغطيته تظاهرة لآلاف الطلبة خرجت من مدينة نابلس، ومنعته قوات الاحتلال من ممارسة التصوير بعد ذلك.

بعد خروجه من سجون الاحتلال، لم يجد عملا في التصوير الصحافي وبقي عاطلاً من العمل مدة عامين، لكنه شق طريقه نحو التصوير المتجول، ليصبح آخر المصورين المتجولين حاليا في مدينة نابلس، بعد وفاة المصور المتجول الشهير قيصر دروزة الذي شغل هذه المهنة لمدة 53 عاماً.

لقد أصبح محمد علوش (49 عاماً)، مختصا بالتصوير الشخصي للمناسبات واللحظات الجميلة في الأماكن العامة، عله يوفر دخلا إضافيا لأسرته المكونة من سبعة أفراد، بعدما جرب صعوبة العيش في صغره بعدما عاش يتيم الأب منذ طفولته، وهو يسعى لإيجاد حياة كريمة لأسرته، ويواكب كل جديد في التصوير وتقنياته، بينما يطمح إلى أن يعود إلى ممارسة دوره مصورا صحافيا كما كان، أو امتلاك استديو خاص به في نابلس.



منذ العام 1993، لا يمر يوم على "متنزه جمال عبد الناصر" في مدينة نابلس إلا ويكون محمد علوش موجودا هناك، منذ ساعات ما بعد العصر وحتى المساء، ويتجول في المتنزه باحثا عن زبائنه ليصورهم صورا فوتوغرافية، أو ربما قد تجده متجولا في حارات نابلس القديمة وشوارع أسواقها، أو ربما تصوير مناسبات التخرج من جامعات المدينة. إن زبائنه من كل فئات المجتمع، ويفضل البعض التقاط صورة له من قبل محمد على أن يتصور في الاستديوهات حفاظا على ذكريات المكان.

يميل الكثيرون إلى التقاط صورهم في الاستديوهات التي يصل عددها في مدينة نابلس إلى نحو 30 استديو، وذلك لإمكانية التعديل على الصورة، رغم أن كلفة الصورة في الاستديوهات 15 شيكلا بالعملة الإسرائيلية (نحو أربعة دولارات)، فيما محمد يلتقطها في الأماكن العامة منذ أن بدأ عمله مصورا متجولا ولغاية الآن مقابل خمسة شيكلات (نحو دولار ونصف).

يقنع محمد علوش زبائنه بأهمية التقاط الصورة في الأماكن العامة، رغم إدراكه أن بناء الثقة بينه وبين الزبون في مكان عام ليس سهلاً، لكنه وبرغم ذلك استطاع بناء شبكة من الزبائن. يأخذ الزبون صورته، وقد يعود بعضهم بعد سنوات عدة، كما فعل عدد منهم حينما التقطوا صورا لهم مع خطيباتهم قبل 25 عاما، وبعثوا أبناءهم خلال العام الحالي إلى محمد ليلتقطوا صورا مع خطيباتهم في الأماكن ذاتها التي التقطوا فيها صورهم قبل خمسة وعشرين عاما، وخاصة "متنزه جمال عبد الناصر" الذي أصبح محل ذكريات للكثيرين، يوضح محمد لـ"العربي الجديد".

محمد يقنع الزبائن بأهمية التقاط صورهم خاصة في المناسبات، ويخبرهم بإمكانية الحصول عليها مطبوعة من استديوهات يتعاقد معها أو يوفر وصولها إليهم بشكل شخصي، أو قد يحصلون عليها مطبوعة بشكل فوري، وربما يوفرها للبعض حاليا عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.

ويدرك محمد أن انتشار الهواتف الذكية قد حد من انتشار الصورة الفوتوغرافية المطبوعة في توثيق الذكريات، وانخفض التقاطه للصور من 15 ألف صورة سنوياً إلى خمسة آلاف فقط، لكنه ما زال يحتفظ بالكثير من زبائنه، فالصورة التي يلتقطها المصور بعدسته لا يمكن لأحد الحصول عليها بجودة عالية، والصورة المطبوعة لحفظ الذكريات.


المساهمون