التهديدات تلاحق صحافيي العراق

20 يونيو 2016
التهديدات بالقتل تزيد مخاوف الصحافيين (الأناضول)
+ الخط -
يختبئ خلف كلمة "لاجئ" العشرات من صحافيي العراق. تلك المهنة التي تعد من أعرق المهن في بلاد الرافدين كعراقة نهريها دجلة والفرات، لكن كما نال النهران من حروب العراق نصيباً فقد نال صحافيو البلاد الكثير من المآسي. 

وبحسب إحصائيات مركز بغداد لحقوق الإنسان، قُتل نحو 300 صحافي وإعلامي وفني منذ عام 2003، أغلبهم عراقيون، حيث يبلغ عدد الأجانب حوالى 20 صحافياً، بينما أكد نائب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جيم بوستن، أن 500 إعلامي لقوا حتفهم منذ 2003. هذا ولا يزال العراق يتصدر مشهد مؤشرات قائمة الإفلات من العقاب التي تصدرها لجنة حماية الصحافيين، إذ بلغت نسبة الإفلات 100 بالمئة.

وتؤكد مؤشرات التقرير السنوي لمرصد الحريات الصحافية العراقي بين الفترة الممتدة من الثالث من أيار/ مايو 2015 إلى الثالث من أيار/ مايو 2016، أن المخاطر التي تهدد الصحافيين العراقيين ما زالت متعددة الأشكال ما بين القتل والخطف والتهديد، وغلق العديد من المحطات التلفزيونية والمواقع الإخبارية. كما بلغت الانتهاكات التي وثقها المرصد لهذا العام 477 انتهاكاً، في حين سجل مقتل 9 صحافيين عراقيين.

يروي الإعلامي ملاذ إسماعيل، المُهجّر من الفلوجة إلى إقليم كردستان العراق، قصته، فيقول: "لم يدر بخلدي أن أكون يوماً ما نازحاً داخل بلدي ولا أستطيع ممارسة أعمالي وهواياتي ولا رؤية بيتي. كنت أشعر بالحزن عندما توافد إلى مدينتنا الفلوجة لاجئون من سورية، سارع أهالي الفلوجة للمساعدة. سرعان ما بدأت التفكير بعمل إنساني من أجلهم، أُسعِد به الاطفال اللاجئين، بتمويل ذاتي لكوني بالإضافة لمهنة صحافي؛ فناناً ومختصاً بمسرح الدمى والطفل".
ويُضيف اسماعيل: "بعد مدة قصيرة أصبحت نازحاً ومهجراً داخل البلاد. أفقدني النزوح عملي الإعلامي والفني وصرت معوزاً أعيل ثلاث عوائل، فكان لا بد لي من البحث عن فرصة عمل، ما اضطرّني إلى العمل في أعمال حرة منها بيع الشاي لفترة، ثم في إحدى شركات البناء، وكذلك شيف بأحد المطاعم، وأحياناً أبقى لمدة شهرين أو أكثر من دون عمل". ويقول "لكن ما أحزنني أني لم أتمكن من تحقيق أحلامي والأكثر إيلاماً فقدي لوظيفتي الإعلامية ككاتب وناقد بصحف عدة كونها استغنت عن خدماتي حين أصبحت نازحاً". ويبيّن إسماعيل: "في كردستان قدمت عدة طلبات لقنوات فضائية إلا أنهم كانوا يرفضون طلبي حيث اختلاف اللغة رغم أجادتي قليلاً للغة الكردية لكن القنوات تبث بالكردية فصارت اللغة عائقاً، أما بقية القنوات العربية الموجودة فهي تشغل فقط من هم في أحزابها من دون الاكتراث إلى الخبرة والمهارة، فالعلاقات والمحسوبية هي من تتحكم بالوظائف".
وينوه إسماعيل، إلى أنّ معظم زملائه الصحافيين "فقدوا عملهم وباتوا عاجزين عن سداد حتى بدل إيجار شهري، واضطروا السكن في المخيمات التي تفتقر إلى أبسط مقومات العيش". ولخطورة الموقف ووضعهم المادي والإنساني، وبعد البحث عن عمل في صحف عربية وعالمية، كتب صحافيون بأسماء وهمية خوفاً على أنفسهم وعوائلهم. فيما عمد آخرون إلى إنتاج فيديوهات قصيرة على صفحاتهم الشخصية أو نشر مقالات بين الفترة والأخرى تشرح ما يستجد من أحداث بالمنطقة.
الصحافي المهاجر إلى تركيا، علاء سرحان، والذي فقد عمله في قناة "ديالى" الفضائية، يقول "كنت أعمل كمقدم برامج، وبعد انهيار الوضع الأمني في مدينتي المقدادية الواقعة في محافظة ديالى وسيطرة المليشيات وتنظيم داعش على بعض القرى شمال البلدة، والتهديدات التي تلقيتها، قررت الهجرة إلى خارج العراق".
ويُضيف: "الكثير منا يخشى على حياته من بطش المجموعات المسلحة. وفي ظل غياب القانون، فهناك العديد من الصحافيين الذين فقدوا أرواحهم من أجل نقل الحقيقة. أما خفافيش الظلام، فهم يحاولون بشتى الطرق إسكات أي صوت صحافي لا يتماشى مع أطروحاتهم، ففي الآونة الأخيرة أصبح الإعلامي والصحافي مهدداً بالقتل، بينما تم فعلاً قتل العديد من الزملاء على أيدي المليشيات لإخافة وإسكات وسائل الإعلام التي يعملون فيها... كل ذلك بسبب الضغوطات التي تمارسها المليشيات ومن يدعمها، حتى قام الكثير من الإعلاميين باستخدام أسماء مستعارة ليستمروا بعملهم سواء خارج البلاد أو داخلها".

من جانب آخر، يقول الصحافي طه العاني، الذي كان يعمل في صحف محلية تابعة لحكومة الأنبار المحليّة: "يعتبر العمل الصحافي في العراق جريمةً، يُعاقب عليها الصحافي، من قبل مَن لا يريدون فضح جرائمهم. لذا، بعد الانهيار الأمني في محافظتي الأنبار (غرب العراق) في العاشر من حزيران 2014، كان لا بد لي من الخروج من المدينة. فالعمل الصحافي في مدينتنا هو بمثابة انتحار في ظل وضع أمني متردٍّ".
وينوّه العاني إلى أنّ خطورة العمل الصحافي لم تَعُد فقط على مَن يعمل في الميدان، بل حتى من ينشط عمله في مواقع التواصل الاجتماعي ممن يكتبون على صفحاتهم الشخصية أو لديهم صفحات عامة. غالبية هؤلاء، يتلقون تهديدات بالقتل، إن لم يكفوا عن نقل الأخبار، وهذا ما أثنى الكثيرين عن مواصلة العمل". ويضيف: "فضَّل صحافيون السكوت أو تغيير أسمائهم والكتابة بأسماء مستعارة على الاستمرار بالعمل الصحافي بالأسماء والصور الحقيقية. حتى أنّ الصفحات المعروفة، تتعرض لبلاغات ويتم غلقها خاصة على موقع فيسبوك الذي يستخدمه غالبية العراقيين".

المساهمون