مصر: هكذا يموت الرؤساء في إعلام "دولة يوليو"

18 يونيو 2019
تغطية مقتضبة في إعلام السيسي
+ الخط -
في ركن صغير منزوٍ ومساحة لا تتعدى 50 كلمة في صفحة الحوادث بجريدة "الأهرام" المصرية الرسمية، نُشر خبر وفاة الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، دون حتى الإشارة لكونه رئيسا سابقا.

فقد كتبت الصحيفة القومية عنوان "وفاة محمد مرسي بنوبة إغماء خلال محاكمته في قضية التخابر". وفي المتن قالت "توفي أمس محمد مرسي العياط في أثناء حضوره جلسة محاكمته في قضية التخابر".

وعلى غرار "الأهرام"، نشرت صحف قومية وخاصة عدة نبأ وفاته.

وانقلب الجيش على مرسي في الثالث من يوليو/تموز 2013، واعتقل وظل رهن الحبس الانفرادي والعزلة طوال ست سنوات، حتى وافته المنية خلال جلسة محاكمته في قضية التخابر مع حماس بنوبة قلبية في 17 يونيو/حزيران الجاري.

وقبل 65 عامًا، انقلب الجيش أيضًا على الريس الأسبق، محمد نجيب، عندما قرر مجلس قيادة ثورة يوليو/تموز 1952، يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1954 إقالة نجيب وتحديد إقامته، ثم قتل نجله علي في ألمانيا، واتهمت عائلة نجيب، عبد الناصر، بقتله عن عمر يناهز 29 عاماً، ولم يسمح لنجيب بحضور الجنازة أو تقبل العزاء، كما تم اعتقال نجله الأكبر فاروق.

أما نجله يوسف فقد أصدر عبد الناصر قراراً بفصله من عمله في الحكومة، ليصبح بعدها سائقاً في شركة المقاولون العرب بالإسكندرية صباحاً، وسائق سيارة أجرة مساء، وذلك بحسب ما ذكره محمد نجل يوسف في تصريحات صحافية.

وكذلك تم شطب اسمه من الوثائق وكافة السجلات والكتب، ومنع ظهوره أو ظهور اسمه في الإعلام والخطابات تماما طوال ثلاثين عاما حتى اعتقد الكثير من المصريين أنه قد توفي.
ولم يظهر اسم نجيب مجددًا، إلا بعد انتهاء دولة يوليو/تموز 1952، ووفاته في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك في أغسطس/آب 1984، بعد أعوام طويلة من الإقامة الجبرية التى فرضها عليه جمال عبد الناصر.

هذا ما فعلته دولة يوليو/تموز 2013 مع الرئيس المعزول محمد مرسي، فمنذ لحظة تحديد إقامته بمقر الحرس الجمهوري في 3 يوليو/تموز 2013، تم إخفاؤه قسرياً لمدة أربعة أشهر بمعزل عن أسرته. ثم ظهر للمرة الأولى بعدها في المحاكمة الأولى بأكاديمية الشرطة في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 لكنه لم يتمكن من التواصل مع محاميه أو مع القاضي بسبب وضعه في قفص زجاجي حاجب للصوت أثناء المحاكمة، كذلك منع تمكينة من الحقوق القانونية أثناء المحاكمة.




بعدها خضع للحبس الانفرادي لمدة ثلاث سنوات في سجن المزرعة بمنطقة سجون طرة دون إبداء أسباب. وبحسب أسرته، لم يتمكن ذووه من زيارته سوى مرتين الأولى في سجن برج العرب في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، والثانية في 4 يونيو/تموز 2017 بسجن المزرعة.

وتسير دولة يوليو/تموز العسكرية 2013 على خطى سابقتها، فقد صدرت التعليمات مبكرًا لوسائل الإعلام المصرية، بتجريد الرئيس محمد مرسي من كافة الصفات العملية والسياسية والوظيفية، والإصرار على ذكر اسمه كاملًا "محمد مرسي العياط" وكأن "محمد مرسي" غير كافٍ أو غير وارد في ذاكرة المصريين.


كما عمدت وسائل الإعلام المصرية، إلى عدم تغطية وقائع الجلسة التي مات فيها مرسي، لأنها كانت جلسة لمرافعات المتهمين ودفاعاتهم، وبالطبع لن تكلف أيًا من وسائل الإعلام المصرية نفسها عناء تغطية الجلسة وهي تعلم يقينًا أنه لن يُنشر أي من تفاصيلها ووقائعها.

وحتى بعد الوفاة، تطابقت عناوين المواقع الإخبارية والقنوات الفضائية المصرية، في نشر الخبر.

هكذا هو حال الإعلام على مر السنين، يتم توجيهه مباشرة بـ"تلفون من جهة سيادية". وأشار تقرير للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني مصرية) في سبتمبر/أيلول 2015، إلى أنه في مصر كانت العادة قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، أن يكون هناك تكامل وثيق بين أجهزة الدولة الأمنية وبين مؤسسات الصحف القومية المالك الوحيد للمطابع الملائمة لطباعة الصحف وكذا لشركات التوزيع القادرة على توزيع هذه الصحف في أنحاء الجمهورية.




لكن ولفترة قصيرة في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، افتقدت السلطة وأجهزتها الأمنية لبعض الوقت هذا التكامل الوثيق مع آليات طباعة وتوزيع الصحف برغم أنها ظلت في مجملها مملوكة للدولة فيما عدا استثناء وحيدا. وقد استمر هذا الوضع الجديد في ظل حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي حتى تم عزله في 3 يوليو/تموز 2013، حسب الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.

وأضاف التقرير "ومع النظام الناشئ عن تفاهمات يوليو/تموز في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور ثم في أعقاب انتخاب الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، استعادت السلطة ما تمتعت به سابقا من تكامل وتوافق تام بين أجهزتها الأمنية وبين المؤسسات الصحافية المملوكة للدولة وعادت الأوامر الشفاهية بالتلفون من جهة سيادية مجهّلة لتلعب دورها السابق في حجب الصحف عن الصدور"، حسب الشبكة.