مصورو اليمن: المخاطرة تسبق الشغف

23 فبراير 2020
التقاط المعالم الطبيعية والأثرية مهربٌ من المضايقات (Getty)
+ الخط -

تطارد المخاوف المصور علاء ناصر الدولي أثناء تجوله بكاميرته في شوارع العاصمة اليمنية المؤقتة عدن. ولا تبدو تلك الخشية التي يبديها المشتغلون في التصوير سوى جزء من المخاطرة ربما، في المدينة التي تحررت من قبضة الانقلاب الحوثي قبل أعوام، وباتت تتقاسم مناطقها مجموعات مسلحة لا تدين بولائها للحكومة.

الحرب دفعت المصور علاء ناصر الدولي، كما الكثيرين، إلى العمل في توثيق أحداثها والانتهاكات، إثر اجتياح الحوثيين وحليفهم السابق، علي عبد الله صالح مدينة عدن. لكن المصور الشاب عاد بعد توقف المعارك إلى شغفه في التقاط المعالم السياحية والمناطق الطبيعية التي تزخر بها المدينة.

بيد أن هذه العودة شابتها مضايقات عدة وتوقيف أكثر من مرة. يقول الدولي "خلال الحرب، لم يتضايق الأشخاص من المصورين، وتحديداً لأننا كنا نعد جبهة مساندة للقوات التي تقاتل لتحرير عدن، ولم نتعرض لأي مضايقة، لكن العكس حصل بعد انتهاء الحرب. أصبحت المجموعات المسلحة المنتشرة تضايقنا في الأماكن كلها". ويضيف في حديثه لـ "العربي الجديد": "وحتى لو لديّ تصريح من جهة أمنية لممارسة شغفي في التصوير، اصطدم بمضايقة ومنع من مجموعات مسلحة تسيطر على تلك المناطق التي لا تعترف بسلطة الدولة ولا بأي تصريحات لا تصدر عنها".

ويوضح الدولي "تعرضت للتوقيف مرات عدة في منطقة المعاشيق ومديريات المعلا والشيخ عثمان والبريقة، رغم أن نشاطنا مقتصر على توثيق المعالم السياحية والأثرية وبعيد عن المواقع العسكرية أو المواقع التي تربض فيها تلك المجموعات المسلحة، مثلما حدث لي عندما اعتقلني مسلحون وأنا أصور في أحد ملاهي مديرية المنصورة". ويسرد الدولي كيف غيّر وجهة نشاطه مع عدد من رفاقه إلى مناطق بعيدة عن المدينة وجزر على البحر، بعد أن بات من الصعب ممارسة عملهم في شوارع وأحياء المدينة.

يقول "الفارق شاسع ما بين توثيق الحرب وتصوير المعالم السياحية. المصورون أصبحوا يفكرون بسلامتهم من التعرض للمضايقة أو الاعتداء أكثر من التفكير بمضمون ما سيصورونه، ونخشى كل يوم من اختطافنا واقتيادنا إلى أماكن مجهولة".

تخضع العاصمة اليمنية المؤقتة عدن لسيطرة قوات تابعة للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً، بعد مواجهات استمرت لأيام مع قوات الحكومة في أغسطس/آب من العام الماضي، ولا تزال متواصلة مع تعثر اتفاق الرياض الموقع بين الطرفين.

الظروف لا تختلف كثيراً في المحافظات الأخرى، فالمصورون في تعز لا يزالون يواجهون خطر الموت والاستهداف من قبل الحوثيين الذين يقصفون بين حين وآخر مناطق عدة في المدينة. يقول المصور المستقل، أنس الحاج، إن الحرب أجبرته منذ اندلاعها في تعز إلى خوض تجربة توثيق معاناة أبناء المدينة، بعد أن راودته فكرة التصوير الفوتوغرافي للمعالم السياحية في تعز.

ويشرح الحاج (32 عاماً) في حديثه لـ "العربي الجديد" تجارب مريرة واجهها، منها تعرض زملاء له للقتل والاستهداف برصاص وقذائف الحوثيين. يقول "حينما استشهد صديقي المصور محمد اليمني شاهدت جثته ملقاة على إحدى السيارات أثناء إسعافه. المشهد هزّ كياني". ويضيف "أثناء ذهابنا لتغطية الأحداث كنا نشاهد الموت من هول أصوات القذائف التي تتساقط بالقرب منا، والهلع الذي يسيطر علينا ونحن نحمل الكاميرات".

وقُتل في مدينة تعز نحو ثمانية مصورين شبان برصاص وقذائف الحوثيين أثناء تغطيتهم للمعارك في مناطق عدة، ويفتقر معظم المصورين الحربيين لأدوات السلامة فضلاً عن إرشادات حول ضمان تواجدهم في مناطق آمنة.
ويرى الحاج أن توثيق المعارك مخاطرة بحد ذاتها، وتحتاج إلى حدس وانتباه وحذر فضلاً عن الالتزام بقواعد السلامة المهنية وارتداء الخوذة ودرع الحماية. ويتابع "أُجبرت في بداية الحرب في تعز على توثيق معاناة أبناء المدينة جراء الأحداث التي عصفت بالبلاد. حاولت توثيق جوانب النزوح والتشرد والقهر التي حلت على أهل تعز، فتارة أرى أناساً ينزحون وتارة أخرى أرى آخرين يتجمعون للبحث عن المياه".

لكن الحاج يؤكد أنه بات يوزع نشاط التصوير بين توثيق المعارك وشغفه الخاص بتصوير المعالم السياحية، لافتاً "أوثق المعارك بوقت لا يتجاوز ساعة زمان، وأكتفي بما صورته. أما توثيق المعالم السياحية فهناك تصوير تضطر كمصور الصمود لساعات كي تخرج بلقطة لا تتجاوز 20 ثانية". ويشير إلى حلمه في إنتاج الأفلام الوثائقية والأفلام القصيرة، منذ أن بدأ نشاطه وهو طالب جامعي عام 2012.

المساهمون