بعد تيران وصنافير... النظام المصري يتحضّر لشرعنة التطبيع في نقابة الصحافيين

21 اغسطس 2017
(فايد الجزيري/نور فوتو)
+ الخط -
بالتزامن مع بدء سريان اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، والتي تتنازل الأولى بموجبها للثانية عن جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين جنوب البحر الأحمر، حيث إن القانون المصري ينص على أن تسري القوانين من اليوم التالي لنشرها في الجريدة الرسمية، وهو ما تم بالفعل أول من أمس، تقوم الأجهزة الأمنية في مصر برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، بترتيب من نوع آخر يخص الصحافيين وموقفهم من مسألة التطبيع مع إسرائيل

فمع بدء تطبيق تلك الاتفاقية تنطلق مرحلة جديدة من العلاقات بين مصر والسعودية وإسرائيل، حيث إن تنازل مصر عن الجزيرتين للسعودية خلق واقعًا جديدًا على الأرض، أخطر بند فيه هو تحويل مضيق "تيران" من مياه إقليمية مصرية خالصة إلى مياه دولية ليست لأحد سيطرة كاملة عليه، لا مصر ولا السعودية، الأمر الذي يعطي لإسرائيل ميزة "حرية الملاحة مدنيًا وعسكريًا" في البحر الأحمر في أي وقت تريده.

وجعل من ناحية أخرى، السعودية، تدخل طرفًا في "اتفاقية السلام"، التي وقعتها مصر مع إسرائيل في عام 1979، حيث إن جزيرتي "تيران وصنافير" كانتا موضوعًا مهمًا في هذه الاتفاقية، وأصبحتا الآن تحت السيادة السعودية ما يعني دخولها في الاتفاقية.

الترتيبات الجديدة في العلاقات المصرية ـ السعودية - الإسرائيلية فرضت على الأجهزة الأمنية في مصر مهمة تهيئة الرأي العام لهذه المرحلة الجديدة من تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، وهو ما يتطلب ضمان عدم تهييج الصحافيين (الفئة الأكثر رفضًا لمسألة التطبيع مع إسرائيل في تاريخ مصر) للرأي العام في مصر والعالم العربي.




وفي هذا الإطار، لجأت أجهزة الأمن في مصر إلى خطة تكشفها مصادر خاصة، تحدثت إلى "العربي الجديد".

فقد أخرجت الأجهزة الأمنية من أرشيفها قضية يرجع تاريخها إلى عام 2010 عندما أصدرت هيئة التأديب بنقابة الصحافيين برئاسة صلاح عبد المقصود، وكيل النقابة، حكمها في الدعوى التأديبية رقم 9 لسنة 2009 بإنذار هالة مصطفى، رئيسة تحرير مجلة الديمقراطية التابعة لمؤسسة الأهرام، لمخالفتها قرارات الجمعيات العمومية لنقابة الصحافيين بحظر كافة أشكال التطبيع المهني والشخصي، عن طريق استقبالها للسفير الإسرائيلي شالوم كوهين بمكتبها بمؤسسة الأهرام، في سبتمبر/ أيلول 2009.

كما أخرجت قضية أخرى يرجع تاريخها إلى عام 2009 عندما شطبت نقابة الصحافيين الراحل رفعت السعيد، رئيس مجلس إدارة جريدة الأهالي، بسبب عدم تنفيذ حكم صادر ببطلان قرار فصل الصحافي محمد منير من جريدة الأهالي وكذا رفضه الاستجابة لمحاولات التوفيق التي قامت بها النقابة من أجل استنهاضه لتنفيذ الحكم القضائي المشار إليه.

وكان الطعن على قرارات هيئة التأديب بنقابة الصحافيين يتم أمام هيئة قضائية يشترط أن تكون مشكلة من قاض وعضوين من أعضاء مجلس نقابة الصحافيين، وكان جميع أعضاء المجلس يرفضون حضور تلك الجلسات، احترامًا لقرار النقابة بمعاقبة المطبعين والمخالفين لشرف المهنة، الأمر الذي أدى إلى عدم نظر طعني رفعت السعيد وهالة مصطفى منذ 2010 وحتى الأسبوع الماضي فقط، عندما ذهب عضوا نقابة الصحافيين حاتم زكريا وعمرو بدر لحضور الجلسة، ما أكسبها صفة رسمية، وفتح الطريق أمام المحكمة لإبطال القرارات التأديبية التي أصدرتها نقابة الصحافيين ضد هالة مصطفى ورفعت السعيد.

وجاء في حيثيات حكم هيئة التأديب بنقابة الصحافيين أن هالة مصطفى لم تنكر الواقعة وأنها قالت إن عددا من صحافيي مؤسسة الأهرام يتعاملون مع الشخصيات الإسرائيلية ويسافرون إلى إسرائيل، وعلى رأسهم عبد المنعم سعيد، رئيس مجلس إدارة المؤسسة، وأنها أكدت على احترامها لقرارات الجمعية العمومية، وأنها كانت تعتقد أن حظر التطبيع يعني منع السفر فقط.
وأضافت الحيثيات أن هيئة التأديب أخلصت بيقين إلى أن استقبال مصطفى للسفير الإسرائيلي يعد ذنباً مهنياً، وتستحق المؤاخذة التأديبية عليه وأن المحكمة أخذت بعين الاعتبار أنها السابقة الأولى لها وأنها أقرت بعدم تكرارها، ولذلك جاء الحكم بالإنذار.

كما أصدرت الهيئة التأديبية في الجلسة نفسها حكمها بمنع الصحافي حسين سراج الدين، نائب رئيس تحرير مجلة أكتوبر، من مزاولة مهنة الصحافة لمدة 3 أشهر، لمخالفته نفس قرارات الجمعيات العمومية للنقابة عن طريق سفره لإسرائيل.

من جانبه، فسر الصحافي محمد منير إعادة فتح قضيتي مصطفى والسعيد بأنه محاولة من الدولة لطمأنة الصحافيين الذين يطبعون مع دولة الاحتلال وإيصال رسالة بأن من يطبع مع إسرائيل سيكون محصنًا ضد أي قرارات محتملة تتخذ ضده من نقابة الصحافيين، مضيفًا أن الهدف من السير في إجراءات الطعن على حكم شطب السعيد، هو إيصال رسالة أيضًا بأن مسألة فصل الصحافيين من عملهم لا تستدعي عقوبة الشطب من النقابة، مؤكدًا أن ذلك سوف يفتح الباب أمام المؤسسات الصحافية لفصل أي صحافي معارض، مثلما حدث مع صحافيي "اليوم السابع" المعترضين على اتفاقية التنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير".

وأكد أن القضيتين تم تحريكهما بواسطة الأمن وليس بواسطة هالة مصطفى ورفعت السعيد، وخصوصًا أن هالة مصطفى قد تقبلت الحكم الصادر ضدها من نقابة الصحافيين.
ورجح منير أن يتم الحكم لصالح مصطفى والسعيد، وخصوصًا بعد أن استكملت المحكمة إجراءاتها القانونية بحضور عضوي مجلس النقابة عمرو بدر وحاتم زكريا.

وعبر صحافيون من أعضاء النقابة عن غضبهم من مشاركة بدر وزكريا في جلسة المحكمة، لأنها ستفتح الطريق لإلغاء الأحكام الصادرة ضد هالة مصطفى ورفعت السعيد، وستمهد لمرحلة جديدة من التطبيع مع إسرائيل، وهو الأمر الذي وقفت ضده نقابة الصحافيين لفترات طويلة.

وكان مكرم محمد أحمد، نقيب الصحافيين السابق، قد أكد أن قرار إحالة هالة مصطفى إلى التحقيق جاء بناءً على توصيات الجمعية العمومية التي تحظر جميع أشكال التطبيع المهني والنقابي. كما أكد وقتها حاتم زكريا نفسه، سكرتير نقابة الصحافيين، أنه لا يمكن قبول أي مبررات بشأن مسألة التطبيع، وقال إن هالة تجاوزت قرارات الجمعية العمومية، بالإضافة إلى استضافتها السفير الإسرائيلي في مكتبها دون موافقة مؤسسة الأهرام.


المساهمون