إدارة الأتراك للحرب الإعلامية مع "داعش" ليست كغيرها

24 ديسمبر 2016
لم تخضع تركيا لرغبة "داعش" (يوتيوب)
+ الخط -
لم يكن المقطع المصوَّر الذي نشره تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حول قيامه بحرق جنديين تركيين على قيد الحياة، مانشيتاً لأي من الصحف التركية. كما لم يقم الإعلام التركي التقليدي سواء الإذاعات أو التلفزيونات بتغطيته في العناوين، رغم ما يحمله من أهمية لناحية الحشد ومنح الشرعية للحرب التي تديرها عملياً القوات المسلحة التركية ضد التنظيم في ريف حلب.

قد يبرّر البعض ذلك بأن الإعلام مُسيطَر عليه من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبالتالي لم تتم تغطيته، لما قد يسببه للأخير من إحراج. لكن حتى أعتى الصحف الكمالية أو تلك المعارضة مثل صحيفة "جمهورييت" التركية الداعمة للأسد والرافضة للتدخل التركي في سورية، لم تغطه في مانشيتاتها، بل جعلت من خبر إزالة أحد تماثيل أتاتورك من ولاية ريزة، التي ينحدر منها أردوغان، قلب الحدث.

جميع الأتراك، بمن فيهم الموالون للحكومة أو المعارضون لها، مؤمنون تماماً بأن بلادهم في حالة حرب شاملة، الأمر الذي تسمعه من الجميع، بدءاً من سائق سيارة الأجرة مروراً بأصغر موظف في الدولة وانتهاءً بأي مواطن تركي عادي.

إنها حرب شاملة إذاً، وضد أعداء كثر. سواء الأعداء المباشرين ممثلين بـ"العمال الكردستاني" و"داعش" أو ضد "المتآمرين الكبار"، وبالذات الولايات المتحدة الأميركية الداعمة لجناح الكردستاني في سورية، وحركة الخدمة التي يقيم زعيمها في ولاية بنسلفانيا أو بالأوروبيين... لذلك لا بد من إدارة هذه الحرب على المستوى الإعلامي، لينجح الإعلام التركي التقليدي بتركيزه على تأبين "الشهداء الأتراك في مدينة الباب"، بدل تغطية مقطع حرق الجنديين التركيين... بحرمان "داعش" من الهدف الرئيس من نشر الفيديو وهو بثّ الرعب، وكذلك تحييد ماكينات التنظيم الإعلامية الحربية.

كان من الممكن أن تستثمر الحكومة المقطع المصور لتزج بالمزيد من القوات في سورية. ففرقة مدرعة واحدة من الجيش التركي قادرة خلال أسبوعين، بحسب خبراء عسكريين، على إقامة المنطقة الآمنة التي لطالما بحث عنها الأتراك. لكنّ ذلك كان سيكون مكلفاً من ناحية الخسائر في أرواح المدنيين، رغم أن التصعيد التركي ضد التنظيم، خلال الأيام الأخيرة، كلف مجازر بحق العشرات من المدنيين الذين يمنعهم التنظيم من مغادرة مدينة الباب.

وعلى عكس ما تمّ في حادثة قتل الطيار الأردني على يد "داعش"، لم يكن لحرق الجنديين التركيين صدىً كبيرٌ في الوكالات العالمية والصحف الغربية. تماماً كما لا تقوم هذه الوكالات بتغطية أعداد قتلى المعارضة السورية المعتدلة في حربهم ضد "داعش"، لأن هذا من شأنه أن ينسف بروباغندا "الحلفاء الأعداء"، أي الغرب الذي تتهمه تركيا بالاستمرار بدعم (داعش)، وتصر على أن جناح "الكردستاني" السوري، أي "الاتحاد الديمقراطي" هو الحليف الوحيد في الحرب على التنظيم في سورية.


المساهمون