هل انتهى زمن الإعلام الرسمي في تونس؟

01 اغسطس 2018
خصّ السبسي محطات خاصّة بلقاء منذ أسبوعين (نيكولاس فوقو/كوربس)
+ الخط -
يعيش الإعلام الرسمي التونسي (10 محطات إذاعية وقناتان تلفزيونيتان وصحيفتان ووكالة أنباء) أياماً صعبة، إذ تحوم الشكوك حول نوايا الحكومة التونسية تجاه هذه المؤسسات والعاملين فيها، فقد بدا واضحاً أنّ السياسيين التونسيين، حكومة ومعارضة، يفضّلون تلبية دعوات الإعلام الخاص للمشاركة في برامجهم في حين يتجاهلون دعوات وسائل الإعلام الرسمية

يرى مختصّون أنّ تفسير ذلك يعود إلى ارتفاع نسب المشاهدة والاستماع للقنوات التلفزيونية الخاصة، فالمراتب الأولى تحتلها القنوات الخاصة من قبل "الحوار التونسي" و"نسمة تي في"، في حين يحتل التلفزيون الرسمي التونسي المرتبة الثالثة بنسب مشاهدة ضعيفة مقارنة بهاتين القناتين. أما على مستوى المحطات الإذاعية فتحتل المراتب الأولى إذاعات "موزاييك أف أم" وإذاعة "الزيتونة" وإذاعة "جوهرة أف أم" وإذاعة "شمس أف أم" لتحتل الإذاعة الوطنية، وهي أول إذاعة رسمية، من حيث نسب الاستماع، المرتبة الخامسة، بنسب استماع لا تتعدى الخمسة في المائة.

هذه المعطيات الإحصائية، ربّما دفعت السياسيين التونسيين إلى تفضيل الظهور الإعلامي في الإعلام الخاص، مثلما فعل الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي منذ أسبوعين تقريباً، عندما خصّ قناتين تلفزيونيتين خاصتين ومحطة إذاعية خاصة بحوار، في حين غاب الإعلام العمومي (الرسمي) الأمر الذي اعتبره الكثيرون ومنهم العاملون في مؤسسات الإعلام العمومي مؤشرًا على أنّ هناك رغبة في الاستفادة من جماهيرية الإعلام الخاص حتى وإن كان ذلك على حساب الإعلام العمومي (الرسمي).

كما اتّهم البعض ومنهم عاملون في صحيفة "الصحافة اليوم" الرسمية الحكومة، بالسعي إلى ضرب الإعلام الرسمي والرغبة في التخلص منه من خلال تقديم مشاريع لإصلاحه الغاية منها تفريغه من كل الطاقات التي فيه حتى يسهل بيعه لمستثمرين من القطاع الخاصّ. وهو الأمر الذي أشار إليه رئيس تحرير ومدير صحيفة "الصحافة اليوم" الهاشمي نويرة الذي اتهم الحكومة بالرغبة في التخلص من أكثر من 26 صحافياً في المؤسسة التي يديرها بحجّة "تشييب الإطار البشري" في الصحيفة، في حين تم تعيين المنوبي المروكي مسؤولاً عن دار "سنيب لابراس" التي تصدر الصحيفة، هو وقد تجاوز سن التقاعد بسبع سنوات، ما اعتُبر نية مبيتة من الحكومة للتخلص من الصحيفة التي تعارض بعض اختيارات الحكومة، لا رغبةً في ضخ دماء جديدة فيها كما يدعي البعض.



والسبت الماضي، وجّه النائب المنتمي إلى الكتلة المعارضة في البرلمان التونسي، ياسين العياري، سؤالاً كتابياً إلى رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، حول وضع العاملين في مؤسستي الإذاعة والتلفزيون الرسميتين.

وتمحور السؤال حول تقرير دائرة المحاسبات الأخير الذي ورد فيه أن المؤسستين دفعتا ملايين الدنانير التونسية لأشخاص لا ينتمون إليهما، وتم اللجوء إليهما في إنتاج بعض البرامج، بينما هناك المئات من الموظفين الذين لا يؤدون أي عمل. واعتبر العياري في كتابه أن ما يحصل داخل المؤسستين الرسميتين إهدار للمال العام، خاصة أن من يتم تشغيلهم يُختارون لا لكفاءتهم بل لاعتبارات شخصية.

يبدو أنّ سياسة الخصخصة الإعلامية في تونس تسير بسرعة أكثر من عادية، فهناك رغبة في التخلص من الأعباء المالية لمؤسسات الإعلام العمومي (الرسمي) التي تكلف الحكومة التونسية اكثر من 170 مليون دينار سنوياً أي ما يعادل 80 مليون دولار أميركي، لكنّ هذه المؤسسات هي المشغل الأكبر للصحافيين والتقنيين التونسيين، وهو ما قد يضع أكثر من 1500 من العاملين في هذه المؤسسات في مهبّ الريح. فهل تواصل الحكومة التونسية السير على نفس المنهج حتى وإن كان ثمن ذلك باهظاً اجتماعياً؟ أم أنّ مؤسسات الإعلام العمومي (الرسمي) مطالبةٌ بأن تكون ذات قدرة تنافسية عالية تمكنها من حضور جيد في ظل مشهد إعلامي تونسي بات أكثر تنافسية؟
المساهمون