هل أحرجت "نسمة تي في" الرئيس التونسي؟

21 يوليو 2018
علاقات تربط الرئيس التونسي بمالك "نسمة" (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
بعد يومٍ واحد من إعلان "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (الهايكا)، في 13 يوليو/ تموز الحالي، عن إيقافها كل إجراءات التسوية القانونية في ملف قناة "نسمة تي في" الذي انطلق منذ عام 2014، معللةً ذلك بسياسة المماطلة التي تعتمدها إدارة القناة التي لم تبد استعداداً جدياً لتسوية وضعيتها القانونية، أعلنت "مصالح الإعلام والاتصال" في رئاسة الجمهورية التونسية عن إجراء الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، حواراً تلفزيونياً وإذاعياً مع إذاعة "موزاييك أف أم" وقناتي "الحوار التونسي" و"نسمة تي في"، ثم تراجعت المنصتان الأولى والثانية. ماذا حصل فعلاً؟

أثار موجة من ردود الفعل تتعلق باختيار قناة "نسمة تي في" رغم قرار "الهايكا" بإيقاف تسوية ملفها القانوني. وهو ما اعتبره البعض من المتابعين للشأن الإعلامي والسياسي في تونس انتصاراً من الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي لقناة "نسمة تي في" الذي تربطه بواحد من مالكيها والمسؤول الأول عنها، نبيل القروي، علاقة ودية وحزبية.

العلاقة الودية انعكست في مساهمة نبيل القروي الكبيرة والفاعلة في حملة الباجي قايد السبسي، خلال الانتخابات الرئاسية عام 2014، وتسخيره قناة "نسمة" لخدمة حملته ومهاجمة منافسه حينها الرئيس التونسي السابق، محمد المنصف المرزوقي. أما العلاقة الحزبية فهي نابعة من أن نبيل القروي واحد من المؤسسين لحزب "نداء تونس" الذي كان الرئيس التونسي الحالي يتولى رئاسته الفعلية قبل توليه رئاسة الدولة ويتولى الآن رئاسته الشرفية.

هذه الوضعية دفعت نقيب الصحافيين التونسيين، ناجي البغوري، إلى التعليق ساخراً على اختيار الرئيس التونسي لقناة "نسمة" أن "رئيس الجمهورية يوفّر الحماية السياسية لصاحب قناة خارج عن القانون... خيبة الدولة ". رأي البغوري شاركته فيه "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" التي اعتبرت إعطاء الرئيس التونسي حواراً للقناة المذكورة "يؤسس لثقافة الانفلات والفوضى وعدم احترام مؤسسات الدولة وقراراتها ويتناقض والدور الموكول له باعتباره الضامن لاحترام الدستور والقانون".



الكثير من الصحافيين حملوا المسؤولية لمستشاري الرئيس التونسي في الجوانب الإعلامية والاتصالية، وخاصة مستشارته والناطقة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية، سعيدة قراش. لكن قراش فاجأت الجميع بتصريح مقتضب، عند حضورها احتفالات السفارة الفرنسية في تونس بمناسبة العيد الوطني الفرنسي، بأن لا علم لها بحوار الرئيس التونسي، وهو ما زاد في غموض الأمر والتباسه لدى الكثير من المتابعين للشأن الإعلامي في تونس. لكنها استدركت الأمر، وأعلنت، عبر صفحتها على موقع "فيسبوك"، عن حوار الرئيس التونسي، مؤكدة أن تصريحها عن عدم علمها بالحوار كان صادقاً، زاعمة أن الإعلان عن إجراء الحوار جاء بعد تصريحها.

كما أن اختيار إجراء حوار مع الرئيس التونسي عبر إذاعة "موزاييك أف أم" وقناتي "الحوار التونسي" و"نسمة تي في" الخاصة كلها أثار الاستغراب إزاء تهميش وتغييب الإعلام الرسمي الذي يُمول من أموال دافعي الضرائب. ولا يقتصر الأمر على "نسمة تي في"، إذ إن قناة "الحوار التونسي" لا يخلو ملفها من شبهات فساد تتعلق بسامي الفهري، مالكها الفعلي لا القانوني، علماً أن ملكيتها القانونية تعود لزوجته.

وهو ما أشار إليه الإعلامي محمد وليد الجموسي عندما قال "أعتقد أن رئيس الجمهورية اختار التوقيت الخطأ لمخاطبة الناس والمكان الخطأ. فالتوقيت يتزامن مع نهائي المونديال، وهو حدث الأرجح أن يستولي على كامل الاهتمام، أما المكان فلا أحد ينكر الوضعية القانونية التي عليها قناة نسمة وعلاقتها المتوترة جدا مع الهايكا، هذا إن لم نتحدث أيضا عن قناة الحوار التونسي والشبهات التي تحوم حولها".

هذا الانتصار لقناة "نسمة" تحول إلى إحراج كبير لمؤسسة رئاسة الجمهورية التونسية وللرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، فدقائق قبل بث الحوار المبرمج لسهرة الأحد الماضي، أعلنت إذاعة "موزاييك أف أم" في بيان رسمي عن قرارها عدم بث الحوار مع الرئيس، وقد عللت ذلك بقيام "نسمة تي في" بعملية مونتاج للحوار من دون استشارة هيئة تحرير الإذاعة أو إشراكها في ذلك.



وجاء في البيان "تعتذر إذاعة موزاييك لمستمعيها عن عدم بث الحوار الذي أجري مع رئيس الجمهورية بالاشتراك بين موزاييك وقناة نسمة بسبب عدم تمكنها من الحصول على النسخة الأصلية للحوار حسب ما تقتضيه قواعد وأخلاقيات العمل الصحافي المهنية ومعايير الحوارات الصحافية وما هو معمول به في الحوارات المشتركة بين مؤسستين إعلاميتين أو أكثر وذلك بالاطلاع على مادة الحوار كاملة ومعالجتها صحافياً وتقنياً والمحافظة على كامل مكوناتها"، وأضاف "ولذلك واحتراماً لجمهور مستمعيها الأوفياء واحتراماً لرئيس الجمهورية وعملا بميثاقها التحريري، فإن الإذاعة تمتنع عن بث الحوار وتتحمل مسؤولياتها كاملة في ذلك".
موقف إذاعة "موزاييك أف أم" ساندتها فيه قناة "الحوار التونسي" التي أعلنت هي الأخرى عن عدم بثها لحوار الرئيس التونسي رفضاً منها لطريقة إدارة "نسمة تي في" لملف الحوار وطريقتها في التعامل مع الحوار المشترك. ما حصل يوم الأحد 15 يوليو/ تموز الحالي يعتبر سابقة في تاريخ الحوارات الرئاسية، حيث لم يسبق أن شهد حوار أجري مع أحد رؤساء تونس ما قبل الثورة وما بعدها مثل هذه "اللخبطة" وعدم الوضوح.

وبدت سياسة الرئيس الحالي الإعلامية والاتصالية فاشلة، وتعرضت لهزة كبرى أظهرتها كأنها رهينة لاختيارات قناة "نسمة تي في" دون غيرها. هذا الأمر قد يعجل بدفع الباجي قايد السبسي إلى اتخاذ خطوات عملية من شأنها أن تطيح ببعض مستشاريه المقربين، وخاصة مستشاره السياسي نورالدين بن تيشه، الذي تتهمه النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين بمحاولة التدخل في الشأن الإعلامي وفرض بعض الأجندات خدمة لأطراف معينة، كما يمكن أن تطيح بمستشارة الرئيس المكلفة بالإعلام والناطقة الرسمية باسم رئاسة الجمهورية، سعيدة قراش، التي يحملها البعض المسؤولية عما حصل.