مرّت قرابة قرن على تتويج أحمد شوقي أميراً للشعراء (1927). ورغم أن الأمر مجرّد بروتوكول ثقافي ابتدعته البيئة الثقافية وقتها، وأن آخرين حصلوا على ذات اللقب (بعضهم منذ سنوات لا غير!)، وأن تحوّلات عميقة طرأت على الذائقة الشعرية، فإن تعبير "أمير الشعراء" لا يزال يحيل حصرًا على صاحب قصيدة "وُلد الهدى"، وكأنه حافظ على شرعية امتلاكها إلى اليوم.
لا يعني ذلك أن شوقي قد حافظ على موقعه المركزي في الذائقة الشعرية العربية. على العكس تماماً، فالقصيدة العربية التي تُنتج اليوم لا تشبهه تماماً، وقد رمته سهام النقد بقسوة منذ العشرينيات ولا تزال، وقد قيل إنه فضّل أن يعيش في مناخ قصيدة المدح وعطاياها، ولم تشفع له حتى وطنياته التي كانت "تجمع الأمة"، فيما اعتبرت غزلياته ووجدنياته مجرّد تمارين لغوية-فنية.
وُلد أحمد شوقي في مثل هذا اليوم من عام 1868، وقد كانت هويته مختلطة بين أب من أصول شركسية وأم ذات أصول يونانية، وقد كان قريباً منذ صباه من البلاط الخديوي، فوجدت موهبته الشعرية من البداية أفق انتظار ملائما، منذ أن عرف حاجة القصر إلى صوت يمجّد بعض النجاحات السياسية أو الحربية، أو يوجّه - بطلاوته - النخب نحو اتجاه بعينه.
لكن شوقي لم يترك شعره خاصاً بهذا التوجّه، فتجوّل في أروقة أخرى. كان قريبا من الضمير المصري، فعبّر عن هموم شعبية بكلمات جزلة، وهو أمر نادر، كما أدخل المادة التاريخية بفروعها العربية - التراثية والحديثة - والفرعونية واليونانية والغربية إلى نص القصيدة العربية. ولعله تأثّر في ذلك أيما تأثر بدراسته في فرنسا، زمن البعثات، ولا شكّ أنه تعرّف هناك على تجربة فيكتور هيغو التي قامت هي الأخرى على تغذية الشعر بالتاريخ.
وظّف شوقي هذه التركيبة في قضية التحرّر الوطني ضد الاحتلال البريطاني، وكان مقرّباً من الزعيمين مصطفى كامل وسعد زغلول، وبدا كهمزة وصل بين هذه النخبة الوطنية والبلاط والشعب. كان هذا الدور، إضافة إلى منطوق شعره، سبباً في نقمة السلطة الاستعمارية، فجرى نفيه عام 1915 إلى إسبانيا، وهي فترة استفاد فيها الشاعر المصري من الهدوء والنوستالجيا الأندلسية، ليقدّم عناية فنية لقصائده، جعلتها من أجود نصوص الشعر العربي في تاريخه الطويل.