المتة... مشروب أبطال كأس العالم

حرص منتخب الأرجنتين على جلب 1100 رطل من مشروب المتّة خلال رحلته إلى قطر للمشاركة في بطولة كأس العالم لكرة القدم التي انتهت فعالياتها في 18 ديسمبر/كانون الأول الحالي. وتوج المنتخب الأرجنتيني باللقب على حساب فرنسا.

يحظى الشاي العشبي، أو المتة، بشعبية متزايدة، ويعود الفضل في ذلك جزئياً إلى نجوم كرة القدم: الأرجنتيني ليونيل ميسي، والفرنسي أنطوان غريزمان، والبرازيلي نيمار، والإنكليزي هاري كين. إذ ما تزال مشاهدة لاعبي كرة القدم الذين يدخلون أرض الملعب وهم يحتسون من قرعة المتة تثير الاهتمام لفوائدها الصحية.

لكن ما الذي يميّز المتة عن نظيراتها المشهورة مثل مشروبات الطاقة المطروحة في السوق؟ وما سبب الاهتمام المتزايد بها؟ المتة، أو كما تسمى أيضا "يربا ماتي"، هي شاي عشبي من أميركا الجنوبية يجري تحضيره من الأوراق المجففة لنبات المتّة (Ilex paraguariensis) الذي يُزرع في مناطق صغيرة من الأرجنتين وباراغواي والبرازيل. وتشمل عملية إنتاج المتة مجموعة من الخطوات، تتضمن تحميص الأوراق والسيقان الطازجة عند درجة حرارة عالية تصل إلى 500 درجة مئوية وتعتيقها ونخلها. ويحضر المشروب عادة عن طريق نقع الأوراق المجففة في الماء الساخن بدرجة حرارة 65-80 درجة مئوية لبضع دقائق، ثم يحتسى من قرعٍ مجوف باستخدام قش "مصفاة" من الفولاذ المقاوم للصدأ يعرف باسم "بومبيلا".

وتحظى المتة برواجٍ في سورية وأجزاء من لبنان. ويكتسب استهلاك هذا المشروب حالياً زخماً متزايداً في مختلف أنحاء العالم، وقد سُجّل أول استهلاكٍ له في وقت مبكر من القرن السادس عشر. وزُرعَت نبتة المتة واستُهلكت كمشروب لأول مرة من قبل السكان الأصليين لغواراني الذين سكنوا أجزاء من باراغواي الحالية والأرجنتين والبرازيل وأوروغواي وبوليفيا، وفقاً للأستاذ المساعد في كلية العلوم الصحية والحيوية في جامعة حمد بن خليفة في قطر، كبير بيسواس.

وأوضح بيسواس، في بيان صحافي لجامعة حمد بن خليفة، أن الجزء الأكبر من مشروب المتة يتكون من الكربوهيدرات بنسبة 81 في المائة، والبروتينات بنسبة 4 في المائة، والدهون بنسبة 1 في المائة، بالإضافة إلى عناصر غذائية أخرى. ومع ذلك، فإن المكوّنات الرئيسية المفيدة للصحة تشمل مجموعة متنوعة من المستقلبات الثانوية، مثل قلويدات البيورين، والبوليفينول، والتربينات، والمعادن، والفيتامينات، والتي يمكن إيجاد أغلبها في مشروبات أخرى مثل الشاي الأسود العادي.

نبتة المتة غنية بقلويدات البيورين الرئيسية مثل الكافيين، بنسبة تتراوح بين 1 و2 في المائة من الوزن الجاف، والثيوبرومين بنسبة أقل من 1 في المائة من الوزن الجاف. ويحتوي فنجان شاي المتة على نحو 80 مليغراماً من الكافيين، وهي نفس الكمية الموجودة في فنجان القهوة. كما تحتوي المتة على حمض الكلوروجينيك باعتباره البوليفينول المهيمن، وهي فئة من المكونات المعروفة بأنها توفر العديد من الفوائد الصحية بما في ذلك خصائصها المضادة للأكسدة. ويأتي طعم المرارة لنبتة المتة من مادة السابونين الكيميائية التي تحتوي على معادن رئيسية مثل البوتاسيوم والكالسيوم والمغنيسيوم والفوسفور والفيتامينات سي وبي1 وبي2 وبي6.

التأثير المنبّه لمشروب المتة أحد الأسباب الرئيسية وراء زيادة شعبيته، إذ كان معروفًا لسكان أميركا الجنوبية الأصليين الذين استهلكوا المشروب لأول مرة. ويُعزى الجزء الكبير من هذا التأثير المنبّه إلى وجود مادة الكافيين القابلة للذوبان في الماء، والمعروفة بتخفيف الإجهاد النفسي والجسدي وتقوية الذاكرة وتحسين التركيز الذهني، وتقليص مدة الاستجابة واليقظة، من خلال مفعولها على القشرة الدماغية للإنسان. وعلى وجه التحديد، تمنع مادة الكافيين ارتباط الأدينوزين بمستقبلاته، مما يؤدي إلى زيادة إطلاق الأسيتيل كولين، وهو ناقل عصبي نشط في عدة مواقع في الجهاز العصبي المركزي، بالإضافة إلى الوصلات العصبية العضلية، وفقاً لبيسواس. ومن المعروف أن مادة الكافيين تحفز القلب والعضلات، وتعزز الأيض وامتصاص الأكسجين. ويؤدي ذلك بدوره إلى تأثيرات أيضية مختلفة بما في ذلك الشبع، وفقدان الطاقة على التوليد الحراري، والتخلّص من الدهون بعملية الأكسدة.

وقال بيسواس: "من المهم التنويه بأن التركيبة الكيميائية النهائية لمشروب المتة قد تختلف بحسب طريقة تجهيز الأوراق والسيقان المحصودة وإعدادها. ويمكن أن يؤدي تحضير المشروب بعد الإضافة المتكررة للماء إلى زيادة تركيز الكافيين حتى 260 مليغراماً لكل مشروب مقدّم، مما قد يؤدي إلى آثار سلبية. ومع ذلك، يُنصح باستهلاك مشروب المتة بانتظام كمادة منبّهة من دون التعرّض للتوتّر الذي قد يترتّب عن استهلاك القهوة في بعض الحالات".

يُعزى التأثير المضاد للأكسدة لشرب المتة إلى وجود العديد من مركبات البوليفينوليك، مع تأثيرات مشابهة لتلك الخاصة بمضادات الأكسدة الاصطناعية مثل بوتيل هيدروكسي تولوين، أو مستخلصات الشاي الأخضر. وقد ثبت أن الخصائص المضادة للأكسدة تساهم في حماية القلب عن طريق تأخير تطور تصلب الشرايين، وتعزيز استرخاء الأوعية الدموية.

وثبت تأثير مشروب المتة الإيجابي على إنقاص الوزن والمساعدة في التحكم في السمنة، من خلال زيادة الأيض، وأكسدة الدهون، وفقدان الطاقة الناتج عن المواد الكيميائية مثل الميثيل زانثين. وفي ذات الوقت، يمكن أن يكون لها تأثيرات مضادة لمرض السكري عن طريق خفض مستويات السكر في الدم، والتصاق جزيئات السكر بالأجسام البروتينية، أو عن طريق التخفيف من مضاعفات الأوعية الدموية المرتبطة بمرض السكري، وفقاً لبيسواس.