You People وفاتورة "الضريبة البيضاء"

09 فبراير 2023
هل نضحك مع جونا هِل، أم نضحك عليه؟ (نتفليكس)
+ الخط -

روجت منصة نتفليكس لفيلم You People من إخراج كينيا باريس بوصفه رائعة كوميدية جديدة، خصوصاً أنه يضم نجوماً كجونا هِل، وإيدي ميرفي، وجوليا لوي درايفوس. لكن، لا يمكن وصف الرداءة التي ظهرت على الشاشة، وكمية الابتذال، ومقاربة موضوع العنصرية، ضمن حبكة أقل ما يقال عنها إنها تنتمي إلى زمن كانت فيه العنصرية أوضح وأكثر تأثيراً على الحياة اليوميّة، ناهيك عن محاولات غسل الضمير الأبيض، والتأكيد على "الأخوة" الإنسانية في الولايات المتحدة الأميركية، في رسالة مفادها أن البيض لن يشعروا أبداً بألم ومعاناة السود.

حكاية الفيلم تقليديّة، تتلخّص في شاب يهوديّ أبيض يقع في حب فتاة سوداء من أسرة مسلمة. كلتا العائلتين ثريتان. نلاحظ هذا عبر إشارات عديدة، أبرزها القدرة الاستهلاكية التي يتميز بها الشاب والشابة؛ إذ يذهبان إلى التسوّق لشراء ملابس غريبة فاقعة الألوان، تنتمي إلى ما هو دارج في مدينة مثل نيويورك. وبالطبع، كلتا الأسرتين تحاولان تقبل هذه العلاقة على مضض، لنكتشف خلال ذلك كله خطاب الضحايا، وأيهما مظلوم أكثر، فاليهود البيض يحاولون استكشاف "الآخر" الأسود، والأسود يرى في البيض متنفّعين، ويتجاهلون ما مر به السود.

تتدفق الحكاية بين بعض النكات الموفقة، والمواقف الغريبة عن الذنب الأبيض والعجز عن إدراك الانحيازات والامتيازات التي يتمتع بها البيض، إلى جانب أداء جونا هل المبتذل، ذاك الذي يخلط فيه شخصيته الكوميديّة قبل العمل مع مارتن سكورسيزي، وشخصيته الجدية بعد العمل معه في فيلم "ذئب وول ستريت"، لنرى أنفسنا أمام أداء يثير الحيرة، ويدفعنا إلى التساؤل: هل نضحك مع جونا هِل؟ أم نضحك على جونا هِل؟

ينتهي الفيلم بانفصال الحبيبين المختلفين بعد زواجهما. وبعد عدة أشهر، يشعر الأهل الذين ساهموا بتخريب العلاقة بالذنب، ليخلقا فخاً يعود إثره الحبيبان إلى بعضهما بعضاً، بعد يقين مفاده أن ما يمر به السود في الولايات المتحدة شأن لا يمكن للبيض فهمه، لكن على الطرفين أن يتعاملا كأميركيين ومواطنين، وأن يروا الإنسان ما وراء اللون ودلالاته.

لا جديد في الفيلم يختلف عما نراه عادة في البودكاستات التي تناقش موضوع العرق في الولايات المتحدة، بل يمكن القول إنها أعمق، كونها غير محكومة بضوابط الشاشة، وما يجوز ولا يجوز قوله، إذ يمر عنف الشرطة مثلاً كنكتة، وتناقل الثروة كجزء من موضوع على طاولة العشاء، ليبدو الفيلم سطحياً وبعيداً عن مشكلات اللون في الولايات المتحدة التي لا تتجلى بالطبع ضمن زواج مختلط، بل بهرمية انتقال الثروة، والعنصرية البنيوية في النظام المالي، وتاريخ الميراث الأبيض القائم على العبوديّة... كل هذا لا يهم، المهم أن تكون الأسرتان سعيدتين بالعلاقة القائمة على الحبّ فقط.

سينما ودراما
التحديثات الحية

وصف الفيلم بأنه "مخيب للأمل" و"غير مضحك" و"متكلف". كما أنه لا يقارن بأعمال كوميدية مشابهة، مثل Guess Who's Coming to Dinner الصادر عام 1967، من بطولة الممثل الأفروأميركي سيدني بواتييه. حينها، كانت العنصرية بأوجها، أما اليوم، فـ "الأسود أصبح ملكاً" حسب تعبير المغنية بيونسيه، وطبقة الأغنياء السود الجديدة لم تعد مهمشة، بل هي تمثّل جزءاً مهمّاً من الاقتصاد الأميركي، خصوصاً في ما يتعلق بصناعة الترفيه. وهذا بالضبط الفخ الذي وقع فيه فيلم You People، إذ يحاول أن يشير إلى أزمة السود الأقل حظاً وقدرتهم الاقتصاديّة، وليس عبر الإضاءة على أزماتهم، بل عبر ترسيخ عجز البيض عن مساعدتهم وعن تحريرهم من الذنب الذي هم فيه.

يمكن ببساطة ساخرة أن يفترض الفيلم ما يسمى "الضريبة البيضاء"، أي على كل مواطن أبيض دفع ضريبة أعلى من ذاك الأسود للتعويض عن الظلم التاريخيّ. لكن نكات كهذه لا محلّ لها في فيلم عن علاقة حب عشوائيّة بين اليهود والسود الذين يتنافسون داخل الفيلم على موقع الضحيّة الأشد تعرّضاً للظلم في التاريخ.

المساهمون