Inside job... عودة الدولة العميقة ومنافسيها

09 ديسمبر 2022
كوميديا تتهكم على الصوابية السياسية وتسخر من أميركا ذاتها (نتفليكس)
+ الخط -

بثت "نتفليكس"، أخيراً، الموسم الثاني من مسلسل الكرتون Inside Job الذي يقدم صورة ساتيرية عن منظمة سرية حكومية تدير مؤامرات العالم، أي الشكل الكوميدي لمفهوم الدولة العميقة، تلك المسؤولة عن إخفاء الكائنات الفضائيّة، أو استخدام المشاهير للسيطرة على عقول الناس، لنرى أنفسنا أمام كوميديا شديدة السخرية، تتهكم على الصوابية السياسية في بعض الأحيان، وتسخر من أميركا ذاتها، تلك التي أعاد الرئيس السابق دونالد ترامب فيها ترشيح نفسه، واعداً إيانا بكوميديا ستتفوق على المخيّلة الساتيرية.

يستمر في هذا الموسم صراع ريغان ريدلي مع والدها راندل ريدلي، الذي أصبح رئيس منظمة Cognito Inc، معيداً إياها إلى شكلها الأشد سخرية وقسوة. في الوقت نفسه، يحاول التقرب من زوجته السابقة، وكسب حبها عبر سلسلة من المغامرات (تعديلات جينية، واقع افتراضي... إلخ). لا يقتصر السعي نحو الحب هنا على راندل، إذ التقت ريغان أيضاً بآدم سكوت، عضو من "المتنورين" الذي يتعاون مع راندل لإسقاط هذه التنظيمات التي تستغل موظفيها والبشرية بأكملها، لنكتشف لاحقاً أن أهدافهما أشد أنانية، إذ يريدان السلطة لنفسهما فقط بحجة "إنقاذ العالم".

اللافت في هذا الموسم أننا نتعرف إلى منظمات سرية أخرى، كالمتنورين، والمهرجين، والسحالي، وغيرهم من شخوص نظريات المؤامرة، لتبدو الدولة العميقة أشبه بجزء من مجموعة منظمات متناحرة، تحاول كل منها أن تفرض سيطرتها وألقها. وهنا تظهر المفارقات فالمتنورون الماسونيون، هم الأشهر (رغم أنهم جماعة سريّة)، أعضاؤهم من المشاهير، كجاي زي وبيونسيه. في حين أن المهرجين غير مبالين ومنفيون من الصراع بسبب عدميتهم المفرطة. هذا الصراع بين أفرع المنظمات السرية، يقدم لنا كوميديا تسخر من المخيلة المؤامراتية المنتشرة في الولايات المتحدة، والقادرة على تفسير كل شيء، ابتداءً من نظرية من الأرض المسطحة، والكائنات الفضائية، وصولاً إلى التنويم المغناطيسي، بوصفها بأكملها تقنيات للهيمنة على العقول.

تتحول قصص الحب في المسلسل إلى محاولة لتحقيق الذات. هل المنظمة وقوانينها و"سخافاتها" ستنتصر على الفرد ورغباته؟ أم عليه الانصياع لها؟ كونها العمل الذي لا يمكن التفريط فيه بسبب ارتباطها بمصير العالم. هذه المقاربة الرومانسية تحرك الصراع في المسلسل. في كل محاولة وخديعة من أجل الوصول إلى الحبيب، هناك فشل، بسبب غياب الصدق. وهذا بالضبط ما يراهن عليه المسلسل تحت كل طبقات السخرية والساتيرية والكذب والمؤامرات، وغيرها من وسائل تلاعب تسلب الفرد قدرته على تحقيق ذاته، أو حتى التواصل مع الآخر. هناك نوع من العمى الذي يصيب الجميع بسبب الكذب، فمن يؤمن بالأرض المسطحة كيف يمكن له التواصل مع غريب، أو مع شخص أحبه، إن لم يكونا متفقين على الكذبة نفسها؟

أكثر ما هو مضحك في المسلسل يكمن في محاكاة المشاهير، إذ يظهر نيكولاس كيج وليوناردو ديكابريو وكيانو ريفز بوصفهم مصاصي دماء، مهمتهم السيطرة على عقول الناس، مقابل أن تتغاضى الحكومة عن ممارساتهم للحفاظ على شبابهم الدائم. والمقصود هنا خطفهم للشباب والشابات لأجل امتصاص دمائهم. النظرية التي روج لها كثيراً بأن مشاهير هوليوود والطبقة السياسية يقتاتون على دماء الناس، وخصوصاً الأطفال، ليحافظوا على شبابهم، والراعي لهذه الممارسات جيفري إبستين الذي انتحر بشكل مريب في زنزانته.

يقدم المسلسل أيضاً موضوعات من الخيال العلمي، فنتعرف على مجتمع الكائنات الفضائية، ونسافر في مجموعة من العوالم الموازية المشابهة لعالمنا هذا. كل هذه المغامرات هي محاولة للقول إن العالم الذي نعيشه ليس كما يبدو، هو بناء اصطناعي، محكوم بمجموعات سريّة، لا تهدف إلى تكديس الثروة، بعكس الأشكال التقليدية للسلطة ورأس المال، بل حماية البشرية من الفناء، وكأن الشكل الحالي هو الاحتمال الأقل ضرراً، وما نظنه حالياً سيئاً أو استغلاليا، ليس إلا صمام أمان يحمينا من فظائع خفيّة، تحاول المجموعات السرية ضبطها وتحجيمها.

صحيح أن هذه المقاربة ساخرة، لكنها في ذات الوقت نقدية وما بعد حداثية. وهنا يكتسب المسلسل قيمته الكوميدية أيضاً. هو يعلق على الشكل القائم ونسخه المتعددة، ويسخر منها ومن قدرتها على توليد نسخ للحفاظ على نفسها، أشبه بـ"ماتريكس" بصورة أو بأخرى. لكن، في المسلسل، نحن أمام نسخة ساخرة، غير جديّة، تستخف حتى بذاتها وبالواقع الذي تبنيه.

المساهمون