4000 صوت... سجّاد كويش يفتح نافذة لحكايات مشابهة

07 فبراير 2021
كويش: تناولت القضية من جانب إنساني ولم أرد أن ألعب دور المخرج فقط (العربي الجديد)
+ الخط -

في فيلمه الوثائقي الأول "4000 صوت"، يعود المخرج العراقي الشاب سجّاد كويش إلى مجزرة "سبايكر" التي ارتكبها تنظيم داعش في العراق سنة 2014؛ ليكون الفيلم رحلة بحث في الماضي للتنقيب عن الوثائق والدلائل التي تم إغفالها في المجزرة التي راح ضحيتها 4000 ضحية. التقت "العربي الجديد" بالمخرج سجّاد كويش، ودار الحوار التالي:

- لماذا اخترت مجزرة "سبايكر" لتكون موضوع مشروعك السينمائي الأول؟ وما الجديد الذي تقدمه في الفيلم حول الحادثة؟ وهل هناك رواية جديدة تختلف عما تم تداوله سابقاً في الإعلام؟
أريد أن أشير في البداية إلى أن الفيلم جاء نتيجةً لورشة سينمائية في المركز المستقل الذي درست فيه السينما في العراق، حيث يتوجب على كل طالب في المركز أن يقدم فيلمًا ليكون نتيجة ما تعلمه بالكتابة والإخراج والتصوير. وعندما بدأت العمل على مشروعي، كان الرأي العام مشغولاً بقضية مقتل الجنود في "سبايكر"، وحينها كانت الحكومة العراقية قد صرحت بأن 1700 جندي مفقود في تلك العملية. ولكن بعد رحلة بحثي في الفيلم والتقائي ببعض الناجين وأهالي المفقودين، اكتشفت أن العدد الحقيقي للمفقودين هو 4000 جندي، ولكن الحكومة أرادت أن تخفض الرقم لتخفف من وطأة الحادثة. لذلك الفيلم يختلف عما هو سائد في العراق، ففي العراق الجميع تحت وطأة السلاح، والحكومة تسيطر على الرأي العام من خلال مؤسساتها وأحزابها وماكيناتها الإعلامية، فأغلب صناع الأعمال الفنية لا يتطرقون إلى الشهادات والوثائق الحية على الأرض في صناعة المحتوى، وإنما يستندون إلى ما تصدره الحكومة وإعلامها من روايات عما حدث ويطرحون أعمالهم على هذا الأساس. لذلك تم اختصار الحادثة لديهم بعبارة أن "1700 شخص قتلوا بواسطة تنظيم داعش"، وتنتهي الحكاية هنا. وكذلك نلاحظ أن القصة لم يكن لها أي صدى عالمي أو عربي، فحتى في دول الجوار لا يعلمون بتلك الحادثة، على الرغم من فظاعة الحادثة والأرقام الكبيرة للضحايا، إلا أن الحكومة العراقية نجحت في تضليل الرأي العام وتصدير روايات لتبرر مقتل جنودها، لتدعي أن هناك العديد من المدن في العراق سقطت، وتتلاعب بذلك بأرقام الضحايا، لتجرد نفسها من أي مسؤولية تجاه ضحايا "سبايكر". التقينا بأحد الناجين الذي أكد أنه خلال الحادثة كان يوجد 4000 شخص، وخلال الهجوم لم تتدخل أي طائرات أو دفاعات حكومية لإنقاذهم، وإنما كان هناك تواطؤ حكومي مع ما حدث.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

- كيف تمكنت من الوصول إلى المعلومات المغايرة في فيلمك؟ وكيف كانت رحلة البحث؟ ومن أين بدأت؟
بدأت الفيلم بلقاء إحدى أمهات المفقودين في الحادثة، كانت لا تزال حينها تنتظر عودة ابنها بشكل يومي، فهي كانت مؤمنة بأن ابنها حي وسيعود في يوم من الأيام. هذه المقابلة كانت كفيلة بتوجيه مشروعي، ووضعتني أمام اتجاهين، الأول تمثّل بالمساحة التي رأيتها أمامي بإمكانية صناعة فيلم عن قصتها، باعتبارها وثيقة حية عن تلك الحادثة، والاتجاه الثاني كان أكثر إنسانية، إذ إن احتكاكي المباشر بهذه الأم غير أهدافي، ولم أعد فقط مخرج الفيلم، بل هي ورطتني لأشاركها في رحلة البحث عن ابنها، وأصبحت بذلك جزءاً من القصة وأحد شخصياتها. هذا الجانب جعل الفيلم يمثل طرحاً مغايراً لكل ما تم تداوله عن الحادثة مسبقاً، لأنه أصبح يمتلك جانباً شخصياً مني، بالإضافة لكون الفيلم يختلف بنتائجه عن البيانات المخادعة التي أصدرتها الحكومة العراقية. فمن خلال حكايات الشهود الذين كانوا على اتصال إنساني مع الحدث، تبين لنا أن تقصير الحكومة كان له دور في المجزرة، وبالأخص القادة الأمنيين المسؤولين عن محافظة صلاح الدين في مدينة تكريت، التي توجد فيها قاعدة "سبايكر".

- الأسلوب الذي تبنيته في الفيلم يبدو وكأنه انتفاضة على المعضلة الأخلاقية التي تلازم السينما الوثائقية المرتبطة بالمجازر والكوارث، والتي تجعل من المصير المأساوي لشخصيات الفيلم مجرد مادة دسمة للسينما. كيف تصف ذلك؟ 
ربما لأنني تناولت القضية من جانب إنساني، فأنا لم أرد أن ألعب دور المخرج فقط، وأن أستغل الشهادات والوثائق التي حصلت عليها للحصول على عمل فني، وإنما حاولت أن أساعد على إيجاد ابنها وأن تلتقي به. إلا أن نهاية الفيلم جاءت للأسف على عكس ما طرحته وما توقعته، فكان ابنها من بين الأشخاص الذين قتلوا في الحادثة. إن ما أجبرني على أن أكون شخصية من شخصيات الفيلم هو الدعوة الإنسانية التي تلقيتها من الأم لمساعدتها في إيجاد ابنها، فالجملة التي قالتها لي: "أنا مؤمنة بأن ابني حي، ممكن تساعدني بأني لاقيه"، وضعت على عاتقي مهمة أسمى، وجعلت علاقتي بالفيلم تأخذ طابعاً مختلفاً وبعيداً عن كوني مخرجه، فلم أرتبط فقط بشخصية الأم لكوني المخرج الذي يوثق معاناتها باعتبارها إحدى شخصيات الفيلم، وإنما ارتبطت بها إنسانياً.

- الفيلم يبدأ بحكاية خاصة ويتمكن من خلال رحلة البحث التي تليها أن يصل لنتائج عامة. كيف تمكنت من تطويع هذه الحكاية الشخصية للخروج بهذه النتائج؟ وهل هناك جانب ذاتي آخر في الفيلم إلى جانب رحلة البحث؟
نعم، هذه الحكاية تشبه إلى حد بعيد حكاية شخصية عشتها أنا في طفولتي ضمن عائلتي، إذ إنه عندما سقطت بغداد، تحول منزلنا إلى مجلس عزاء، وعلمت حينها أن عمي قد قتل، حيث كان من المناهضين لحكم صدام حسين، وبعد 2003 كان هناك حديث حول المقابر الجماعية، فكانت حالة والدي آنذاك مشابهة لحالة "أم عاصي"، (الأم في فيلمي)، فهو كان دائم البحث في المقابر الجماعية للعثور على جثة عمي، إلا أنه في النهاية لم يستطع العثور عليها. كانت مأساة والدي التي شاهدتها وأنا طفل مشابهة لمأساة "أم عاصي"، وذلك زودني بإدراك خاص. فهنا يجب ألا ننسى أن "أم عاصي" هي من الشهود الكثيرين الموجودين في العراق، فتقريباً هناك 4000 عائلة منكوبة بالقدر نفسه، وتعيش معاناة مشابهة لمعاناة "أم عاصي". هذا الأمر جعلني أنجح بجعل حكاية "أم عاصي" نافذة لحكايات الآخرين ورواية عامة، فهي كانت على الأقل نافذة لحكايتي الخاصة، وكان لها الدور الأكبر بمسار الفيلم، فهي التي عرضت علي أن أبحث معها عن ابنها، ربما لو لم تطلب مني هذا الطلب لكان الفيلم مجرد حكاية تتحدث عنها وكيف فقدت ابنها، فسؤالها بنى خطاً جديداً للفيلم وهو رحلة البحث المبنية على إيمان أم عاصي، وبالتالي أنا خضت رحلة بحث في المحافظات العراقية لالتقاء الشهود الذين كانوا نافذة حية للوثيقة التي صنعناها في النهاية.

المساهمون