"14"... آلام الشعب السوري في بث ترفيهي مباشر

15 ابريل 2023
البرنامج تقدمه شكران مرتجى (Getty)
+ الخط -

مع بداية رمضان الحالي، بثت قناة لنا السورية برنامجاً ترفيهياً من تقديم الممثلة شكران مرتجى، تحت عنوان "14". برنامج مسابقات تعتمد فكرته على استضافة نجم أو ممثل سوري، يشارك في عملية التقديم رفقة مرتجى، من خلال طرح مجموعة من الأسئلة على المتصلين، مقابل جوائز نقدية. خلال متابعة حلقات البرنامج اليومية، سنلاحظ بعض السلوكيات والمواقف المتكررة التي تدور أمام الكاميرا، كاشفةً عن عقلية عمل البرامج الترفيهية على الشاشات السورية.

مع اندلاع الثورة في سورية عام 2011، دخلت البرامج الترفيهية مرحلة جديدة في خط إنتاجاتها، وبدأت تعمل على طرح مكونات فكرية وثقافية مستنسخة عن برامج عربية أخرى، من دون أن يكون لهذه المكونات هدف تنويري أو تطويري، وإنما ظهرت كمحاكاة لمرحلة حرجة وضعت الحرب أطرها، إذ جعلت نظام الأسد يتماهى معها، ليعيد ترتيب أيديولوجياته، ويستثمر من خلالها عزلته الدولية من بوابة الفن والثقافة.

وقد يبدو ذلك جلياً من خلال نمط الأسئلة المطروحة على المتسابقين في البرنامج، والتي تدور حول خطاب توجيهي يجاهر بالإنجازات التاريخية للجيش السوري في حربه مع العدوان الإسرائيلي (تحرير القنيطرة عام 1974)، وهو خطاب تقليدي لطالما عرفناه في مختلف شبكات الإعلام المحلية. ومع الأحداث الحالية في البلاد، أصبحت لهذا الخطاب غاية "أخلاقية"، تتمثل بـ"رفع آمال الشعب وإقناعه بالمؤامرة الكونية التي أحبطها الجيش السوري". هذا البرنامج، كغيره، يُنتج مفاهيم السلطة وأدبياتها. لذا، كل ما يتم تمريره وعرضه ما هو إلا رافد لتاريخ آل الأسد ومنجزاتهم باسم العروبة والوطن. وبالتالي، لن يكون مفاجئاً تجاهل مرتجى للجرائم التي ارتكبها هذا النظام بحق شعبه، ليبدو الاستدلال بهذه المنجزات والاحتفاء بها ليس إلا تحصيل حاصل، تستطيع إدارة البرنامج الاستفادة منها لتكون أسئلة فخرية تعزف لأجلها بعض الموسيقى الحماسية.

في المقابل، فإن أي معلومات أو أفكار أخرى مغلوطة، من قبل المتصلين، تخرج عن هذه المفاهيم، في بث مباشر، لن يسع مقدمة البرنامج سوى أن تظهر ابتسامة ساخرة محفوفة بعصبية دفينة وقلق، مثلما حصل مع إحدى المشتركات حين سألتها مرتجى عن اسم محافظة حررها الجيش العربي السوري، ليكون جواب المشتركة "القرداحة"، وهو واحد من أسئلة كثيرة لا تشذ في مضمونها عن الأخرى، تظهر ببث مباشر علاقة الشعب مع التلفاز والسلطة، وشكل هذه العلاقة التي تعكس واقعاً بوليسياً عماده القمع والترهيب وزرع الخوف والجهل لدى عامة الشعب. ولعلنا لن نجد مثالاً ساخراً يوضح هذه العقلية أكبر من تعليق مرتجى المقتضب على إجابة أحد المشتركين حين أخبرها بأنه "لا يملك تلفازاً" ليتابع من خلاله البرنامج، لتقول له "أفضل".

نجوم وفن
التحديثات الحية

وتتعالى هذه البرامج على مشكلات الشعب وهمومه. وإن طفت على الشاشة، فإنما بحكم الإنتاج وأدواته التي لم تعد تملك وسائل أخرى لإحداث تغييرات في شكل التواصل إلا أن تسخر من واقع الشعب وحياته المريرة التي يعاني منها طوال سنوات الحرب، لتغدو وسائل الترفيه والتسلية نموذجاً تشريحياً لحياة العامة، يشاركها البرنامج ومقدموه بأسلوب ساخر يفتقر، كما هو معتاد، إلى آليات مناسبة في طرح مواضيعها ومعالجتها. والمقاربات التي تطرح داخل الاستديوهات لا تعدو كونها ملينات حسية وعاطفية لا تستطيع تقديم حلول غير الاستهزاء بحياة المواطنين، عندما نستمع إلى المشتركين الذين يظهر من خلالهم حجم المشكلات اليومية التي يعانيها المواطن السوري، كالانقطاع الدائم للتيار الكهربائي وغلاء المعيشة وانقطاع الإنترنت والاتصالات.

لن تخلو أي مكالمة بين المتصل ومقدمة البرنامج من أي مظاهر يومية يعيشها الشعب السوري، وسيتخلل هذه المكالمات تقطيع في الصوت وضعف الإنترنت وانقطاع الاتصال المتكرر، ضمن برنامج يفترض أنه لترفيه الناس، ولكن ما تظهره مرتجى من استهزاءٍ وعنجهيةٍ كفيل بمعرفة واقع السوريين أمام سلطةٍ عابثة غير مكترثة بأحوال الناس، بل جل ما يعنيها أن يكتفي المواطن بالاهتمام بأمجاد حزب البعث وتاريخ سورية الحديثة وعدد محافظاتها الـ14.

المساهمون