ياسر البحر: الدراما السورية عبرت موجة نجاح انتهت

07 مايو 2022
ياسر البحر: الدراما المشتركة تقدم مادة ترفيهية قادرة على المنافسة (سيلين داغر)
+ الخط -

بقيت الدراما السورية لسنوات طويلة عاجزة عن صناعة جيل جديد من النجوم، إذ يؤدي فيها الممثلون الذين اكتسبوا مكانتهم قبل عام 2011 أدوار البطولة حتى ولو لم تكن تناسب أعمارهم وأوصافهم. لكن بعد أن فتحت المنصات الرقمية سوقاً جديداً للدراما، تمكنت بعض الأسماء الشابة من تلمس طريقها نحو النجومية والشهرة، مثل ياسر البحر الذي شارك خلال السنوات الماضية في مسلسلات سورية محلية، قبل أن يلعب دور البطل المضاد في مسلسل "8 أيام" قبل أشهر.

في لقاء أجرته "العربي الجديد" مع البحر، سألته عن الفوارق بين الدراما السورية المحلية وتلك المشتركة، فقال إن "شركات إنتاج الدراما المشتركة لديها خطة عمل واضحة، وتتعاطى مع المسلسلات التي تنتجها بجدية أكبر، فلا نجد فيها مناخ العمل العشوائي السائد في المسلسلات المحلية. ساعات العمل في الدراما المشتركة أقل وبفاعلية أكبر، فكل شخص في الفريق يعرف مهامه جيداً. بالتالي، لا يوجد شخص في مواقع التصوير إذا لم يكن لديه عمل يقوم به. حضور عدد كبير من الأشخاص في مواقع التصوير من دون جدوى يؤثر على تركيز الممثلين ويجعلهم يشعرون بعدم جدية العمل. تجربتي مع شركة الإنتاج اللبنانية كانت مختلفة وأكثر جدية، والفرق يكمن في الهدف الأساسي من العمل، بغض النظر عن النتائج؛ فشركات الإنتاج المحلية تهدف للربح فقط، وتنتج مسلسلات بأقل التكاليف من دون أي اهتمام بالمحتوى، أما شركات الإنتاج التي تتعدى مستوى الدراما المحلية، فتعمل في أجواء تنافسية، وتقدم مسلسلاتها بهدف الربح، ولكنها تهتم أيضاً بتقديم مادة شيقة جيدة وترفيهية قادرة على المنافسة؛ وهو الأمر المفقود تماماً في الإنتاج الفني السوري".

العشوائية تحكم الإنتاج السوري المحلي في تفاصيله كافة

وأضاف البحر: "الاهتمام فقط بالكسب المادي في الدراما المحلية يجعل العمل الفني تحصيل حاصل، وينعكس ذلك على شخصية المخرج وتعاطيه مع العمل. يمكن أن أشرح الفرق من خلال ما حصل معي في تجربتي الجديدة مع المخرجة كاملة أبو ذكري التي بدت مهمومة وتبذل كل طاقتها في العمل؛ فأنا خضعت لتجارب أداء للمشاركة في دور صغير؛ دور قد يؤديه في سورية أحد منفذي الديكور أو أحد فنيي التصوير أو أي شخص موجود في موقع التصوير. الدور نفسه خاض تجارب الأداء فيه أكثر من عشرة ممثلين، وجرى التواصل معي من أجله قبل شهرين، وأشرفت المخرجة على كل شيء. في سورية، الحال مختلف تماماً. فمثلاً، اقترحت مرة على أحد المخرجين في سورية أن نعيد مشهداً لأنني شعرت بأنه من الممكن تقديم نتيجة أفضل، فوافق على مضض، وطلب أن يتم الأمر بسرعة، فالمهم بالنسبة له هو إنجاز المشاهد بسرعة، حتى لو كان فيها. فعلياً كل شيء يتم عشوائياً في الدراما المحلية، بما في ذلك الإكسسوارات والملابس، فغالباً ما يرتدي الممثل أي قطعة موجودة، ولا يتم التدرب على الشخصية فيها، أو يستخدم ملابسه الشخصية، فأنا مثلاً استخدمت الرداء نفسه في أربعة مسلسلات، ذلك لأن إنتاجات القطاع العام تهدف للكسب فقط، وفي الشركات الخاصة لا توجد معايير، فمن الممكن أن يقوم بالإنتاج أي شخص لديه مال أو يريد غسيل الأموال، وأن يتم الإشراف على كل شيء من خلال موظفين غير مؤهلين".

وعن الأسباب التي جعلت الدراما السورية تدخل في نفق مظلم، يكثر الندب على الأمجاد الضائعة والحنين للحقبة التي تسمى بالدراما الذهبية، قال البحر: "إن تضييق الخناق على السينما في سورية ومحاولة تعويضها من خلال الدراما، جعلها تكتسب قيمة إضافية في وقت من الأوقات، لكن ليس من مهام التلفزيون أن يقدّم دراما ذات وزن وقيمة ثقافية، كما هو الحال في بعض الأعمال التي قُدمت ما بين عامي 2000 و2010، علماً أنه خلال الفترة الفترة نفسها قدمت الكثير من المسلسلات الرديئة، فعدد المسلسلات الجيدة فعلياً لم يكن يتجاوز اثنين أو ثلاثة كل سنة، بين عدد كبير من المسلسلات تصل إلى 40 أو 50 مسلسلاً. بعد الحرب، عادت الدراما التلفزيونية لتأخذ حجمها الطبيعي في سورية، لتقدم أعمالاً محدودة أو رديئة، ذلك ولّد حالة النوستالجيا والوقوف على الأطلال التي نعايشها اليوم".

قبل عام 2010، كانت الدراما السورية تساهم في صناعة نجوم على المستوى العربي، معظمهم من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية. الأمر لم يعد كذلك اليوم، فخريجو المعهد المسرحي في سورية تضاءلت فرصهم بالنجومية في السنوات الأخيرة، وباتت حدود شهرتهم تتوقف عند أعتاب الجمهور المحلي إذا ما تحققت. 

وقال البحر: "أنا لا أتفق مع هذه الأفكار السائدة لدى الجيل الشاب من الممثلين، وفي بعض الأحيان، أصطدم مع هذا الجيل، خائب الرجاء، في الحوارات والنقاشات التي تدور بيننا، فالكثيرون من أبناء هذا الجيل يبدون لي أنهم لم يفهموا بعد الظرف، ولم يدركوا أن القصة غير متعمدة، وأن الأمر بكل بساطة يتعلق بطبيعة هذه الدراما غير الأصيلة التي مرت بموجة نجاح وانتهت". وأضاف: "خيبة أمل هذا الجيل لها العديد من الأسباب، منها اختلاف معايير الزمن بسبب التقدم التقني، ففي التسعينيات وبداية الألفية، كانت صور النجوم تباع في المكتبات وتعلّق في غرف النوم على الخزانة أو إلى جانب السرير. اليوم، لم يعد النجوم يعيشون في خيال الجمهور، فصارت صورهم متوفرة على الهواتف المحمولة، ويمكنهم أن يشاهدوا يومياتهم من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. ذلك أدى إلى تضاءل هامش المتخيل في العلاقة بين الجمهور والنجوم، ليزول الغموض المحيط بشخصية النجم، ويزول سحره بالتالي. بل إن وجود منصات مثل يوتيوب وإنستغرام وتيك توك جعلت مسألة صناعة النجم غير مرتبطة بالتلفزيون كما كان الحال من قبل؛ ففي هذا الزمن، الذي يمكن أن نقول بأن سمته الأساسية هي التفاهة، والذي تخلو فيه المنتجات الترفيهية من المحتوى الهادف، ضاعت الدراما المحلية ولم تعد قادرة على تقديم أعمال تنافسية ولم تعد تهتم بالمحتوى. أما الدراما المشتركة، فإنها تصيغ أعمالها وفقاً للقالب الذي تفرضه الموضة في كل فترة، وفي آخر فترة، نجد أن المسلسلات البوليسية العاطفية هي المسيطرة، علماً أنَّ بعض التجارب في الدراما المشتركة تحاول اليوم الدخول في سوق الدراما الاجتماعية الذي قد ينعكس بشكل جيد عليها، لأنها أقرب من حياة المشاهد".

الدراما المحلية ضاعت ولم تعد قادرة على تقديم أعمال تنافسية، أما الدراما المشتركة فإنها تصيغ أعمالها وفقاً للقالب الذي تفرضه الموضة في كل فترة

وعن الأسباب التي جعلت حظوظ الخريجين تتضاءل في الدراما المحلية في الأعوام الأخيرة، بعد أن كانت الدراما السورية تعتمد قبل الحرب بشكل كبير على أبناء المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان معظم نجوم الصف الأول من الخريجين، قال ياسر البحر: "هناك عدة أسباب جعلت حضور الخريجين يتضاءل في الدراما المحلية، أولها الهجرة؛ ففي كل سنة يتخرج حوالي 15 ممثلاً من المعهد، معظمهم هاجروا خارج البلد، لذلك من الطبيعي أن يتضاءل حضورهم في الدراما المحلية. وكذلك، فإن شركات الإنتاج، المهتمة بالربح المادي فقط، ليست مهتمة إطلاقاً بسوية الممثلين المشاركين في الأعمال التي تقدمها، فلا تعطي مساحة كافية للخريجين، بل إنها تفضل عدم تكريس نجوم قد تصبح أسماؤهم أهم من اسم الشركة، ليكون الجميع على ذات السوية، ولتصنع جواً من المنافسة بين الممثلين لنيل رضاهم، وليكون أمامهم الكثير من الخيارات المتشابهة من دون أن تكون بينها فوارق كبيرة على المستوى المادي. ومن الأسباب أيضاً انحدار مستوى المعهد العالي للفنون المسرحية نفسه الذي فقد جزءاً كبيراً من كادره التعليمي الجيد، والذي تزامن مع افتتاح معاهد وجامعات خاصة لتعليم التمثيل، ليست لديها أي معايير. بعضها يبدو كارثياً، فمثلاً يوجد معهد في دمشق أعلن عن دورة لتأهيل الممثلين مدتها 3 أسابيع فقط، وادعى بأنها تختزل منهاج المعهد كاملاً وتكثفه! وهذه المعاهد تجذب الشباب لأنها تعدهم بفرص عمل في الدراما، وتحقق لهم ذلك بأدوار صغيرة. أما المعهد المسرحي فهو لا يهتم إطلاقاً بزج خريجيه في سوق العمل".

المساهمون