في عالم السينما الساحر قليل من المخرجين يمتلكون القدرة على نقل الجماهير إلى عوالم مصممة بدقة وممتعة من الناحية الجمالية، مثل المخرج الأميركي ويس أندرسون. يشتهر هذا الأخير بأسلوبه البصري المتميز بألوانه الزاهية وتناسق عناصره، كواجهات المباني المطلية بدرجات لونية تشبه ألوان الباستيل، والطرز العتيقة الساحرة.
في هذه الأفلام ذات الطبيعة الغرائبية ثمة لمسة جمالية لا تخطئها العين، سواء في ترتيب عناصر المشهد السينمائي، اعتماداً على التناظر بين جانبي الشاشة، أو في الاعتناء البالغ بالتفاصيل والعلاقات اللونية.
هذه السمات الجمالية التي تتمتع بها أفلام أندرسون، كانت سبباً في اكتسابه قاعدة جماهيرية خاصة تمتد إلى ما هو أبعد من حدود الشاشة الفضية، حين تحولت مشاهد أفلامه إلى ظاهرة على الإنترنت معروفة باسم Accidentally Wes Anderson (ويس أندرسون مصادفةً).
في هذه المنصات المُخصصة على الفضاء الإلكتروني، يتشارك الأفراد في جميع أنحاء العالم مشاهد من الحياة الواقعية تتشابه مع جمالية الصورة في أفلام ويس أندرسون. من بين أهم هذه المنصات، وأكثرها تفاعلاً، تبرز صفحة "ويس أندرسون مصادفةً" على "إنستغرام"، التي تجمع ما يقارب مليوني متابع، وتحظى بشعبية واسعة بين جمهور المخرج الأميركي.
هذه الصور نفسها كانت موضوعاً لأحد الكتب الأكثر مبيعاً بين إصدارات نيويورك تايمز في عام 2020.
"ويس أندرسون مصادفةً" في سبع غرف
أما أحدث الأنشطة التي تعكس الاهتمام المتزايد بتلك الظاهرة في الفضاء الرقمي؛ فهو معرض "ويس أندرسون مصادفةً" المقام في لندن حتى 17 من فبراير/ شباط الحالي. وهو معرض مثير يأخذ الزوار في رحلة حول العالم عبر أكثر من 200 موقع تتشابه في تفاصيلها مع عوالم أندرسون المدهشة.
والمعرض من تنظيم "فيفر"، وهي شركة ترفيهية معروفة باستضافة سلسلة من المعارض الفنية غير التقليدية، آخرها حول عالم فان غوخ، وفيه تُستدعى أجواء لوحات الفنان الفلمنكي الشهير عبر محاكاتها بدقة في الواقع.
وينظم معرض "ويس أندرسون مصادفةً" في لندن بعد أن حطّ في طوكيو وسيول، واجتذب الآلاف من محبي أعمال المخرج الأميركي.
الصور التي يضمها المعرض تُحوّل ما هو مألوف إلى غير مألوف، وتُسلط الضوء على القصص والحكايات المثيرة لمواقع تبدو عادية، عبر تشابهها اللافت مع أجواء أفلام أندرسون.
وتُعرض الصور في سبع غرف لكل منها موضوع منفصل، بينها غرفة مخصصة مثلاً لوسائل النقل، وأخرى للفنادق المميزة، وغرفة ثالثة للمباني والواجهات ذات الطرز الغريبة والألوان المتناسقة. وقد خُصصت واحدة من بين هذه الغرف لمدينة لندن، تضم صوراً لأماكن مألوفة لسكان المدينة، مثل قصر باكنغهام وعدد من المتاجر والمباني الشهيرة.
وتلتقط الصور تفاصيل غير متوقعة لعين المشاهد الذي ألف هذه الأماكن؛ وهي تفاصيل يمكن ربطها بسهولة بأسلوب المخرج الأميركي ومشاهد أفلامه النابضة بالألوان. وكثير من الصور المعروضة هنا قد لا تكون لها علاقة مُباشرة بمشاهد أفلام أندرسون، غير أنها تتشارك معها في الروح والتناسق اللوني.
ما يميز المعرض أيضاً أن جانباً كبيراً من الصور التي يضمها التقطتها هواتف محمولة لمصورين غير محترفين، ما يضفي طابعاً جماهيرياً على العرض.
كما يسلط كثير من الصور الضوء على مشاعر الحنين التي تغلف أعمال عدة للمخرج الأميركي. وقد تتجسد هذه المشاعر في مكتب بريد على الطراز القديم، أو واجهة مبنى عتيقة في لندن، أو مشاهد بحرية خلابة، وأبواب خشبية مصممة بأسلوب مختلف، أو حتى سيارة قديمة الطراز.
ويجمع بين كل هذه الصور الاهتمام بالتفاصيل وتناسق الألوان، ما يجعل كل صورة من الصور المعروضة بوابةً إلى الخيال السينمائي الخاص بويس أندرسون.
وفي عالم يتميز بالسرعة والتغير الدائم، يدعونا معرض "ويس أندرسون مصادفةً" إلى التمهل قليلاً، ومحاولة اكتشاف مظاهر الجمال الكامنة من حولنا. كما يعكس المعرض أيضاً، وعلى نحو مثير، التأثير المتبادل بين الخيال السينمائي.