وسائل التواصل الاجتماعي تصعّب دراسة العدوان على غزة

23 ديسمبر 2023
يتواصل العدوان الإسرائيلي على غزة (Getty)
+ الخط -

دراسة حرب المعلومات المتنامية التي تدور رحاها عبر الإنترنت مع استمرار العدوان على قطاع غزة، تحتاج إلى تحليل بيانات وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الأخيرة تقيّد عمل الباحثين.

وفي الولايات المتحدة، يتعرض الباحثون في مجال وسائل التواصل الاجتماعي لانتقادات من اتجاهات عدة، بما في ذلك السياسيون المعادون ومشغلو المنصات. وتتصاعد الضغوط على الباحثين المستقلين في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024، حتى مع وصول المخاوف بشأن وسائل التواصل الاجتماعي والانتخابات إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. ويُضاف إلى كل ذلك أن مواقع التواصل الاجتماعي نفسها تعيق عمل الباحثين، وفقاً لمهندس الأبحاث في معهد أبحاث الذكاء الاصطناعي الموزع، ديلان بيكر.

وقال بيكر، في مقال نشره موقع تِك بوليسي، إن معظم شركات التواصل الاجتماعي الكبيرة لديها أدوات يمكن للباحثين استخدامها لدراستها، تُعرف باسم واجهة برمجة التطبيقات (API)، تسمح للباحثين بالبحث وتنزيل كميات محدودة من البيانات من منصاتهم. مثلاً، يمكن للباحثين الاستفادة منها لتنزيل كل منشور يحوي وسم "فلسطين" أو "إسرائيل". لكن للوصول إلى واجهات برمجة التطبيقات البحثية هذه في المقام الأول، تجب على الباحثين كتابة طلبات مطولة ومتعمّقة للشركات المالكة لمواقع التواصل الاجتماعي.

هذه الخطوة، في ظاهرها، تبدو معقولة، لكن ما يثير القلق هو توازن القوى، يقول الباحث، فالشركات هي التي تتولى الحكم على الأبحاث التي تُعتَبر مقبولة. هذا يمنح الشركات قدراً هائلاً من التحكم في عمل الباحثين في وسائل التواصل الاجتماعي.

وللوصول إلى البيانات عبر واجهات برمجة التطبيقات البحثية هذه، تتعين على الباحث غالباً الموافقة على شروط مثل إرسال بحثه مباشرةً إلى الشركة قبل نشره، ومنح الشركة الحق في الوصول إلى عمله، واستخدامه إلى الأبد.

علاوة على ذلك، تسمح بعض المنصات، مثل "تيك توك"، للباحثين في الولايات المتحدة وأوروبا فقط بالتقدم بطلب للوصول إلى واجهة برمجة التطبيقات الخاصة بها. يعني هذا أن الباحث العربي سيجد صعوبة أكبر في دراسة المعلومات الخاطئة حول العدوان على غزة مقارنة بالأميركي، الذي يعيش على بعد آلاف الأميال من الحرب.

وبالنسبة للباحثين الذين يمكنهم الوصول إلى واجهات برمجة التطبيقات البحثية هذه، ليس هناك ضمان للوصول الكامل إلى البيانات المتاحة للجمهور على المنصة. كشفت الأدلة المتناقلة من مجتمع البحث عن حالات لا حصر لها، تبدو فيها البيانات مفقودة أو غير مكتملة، فقد يحصل المرء على شرائح مختلفة من البيانات في أيام مختلفة لنفس السؤال، أو ستشير المنصة إلى أنها تحتوي على 10 آلاف منشور بكلمة رئيسية معينة، ولكنها ستتيح رؤية ستة آلاف منها فقط.

ونظراً لكيفية عمل الوصول إلى واجهة برمجة التطبيقات، من خلال منح الباحثين "مفاتيح" تعمل مثل بطاقة الهوية، يمكن للشركة أن تسجل بالضبط أي باحث يصل إلى البيانات. يدرس باحثون موضوعات قد تكون حسّاسة أو غير محببة للمنصة، ولا شيء يمنع الشركات من منع وصوله تماماً.

قبل استحواذ إيلون ماسك على "إكس"، أتاحت الشركة للباحثين إمكانية تنزيل ما يصل إلى 10 ملايين تغريدة شهرياً. كان هذا يساعد في الحصول على لمحات عن الحركات الاجتماعية والميول اللغوية والاستجابات الجماعية للأحداث العالمية وغير ذلك. وقد أصبح الحديث عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على المجتمع ممكناً، بفضل توفير الشركة إمكانية الوصول إلى البيانات.

ولكن، بعد ذلك، قُطع الوصول إلى الأبحاث، ما أجبر باحثين عديدين على تغيير عملهم بشكل جذري، أو التخلي عنه تماماً. فلا عجب أن باحثين وصحافيين يخالفون قوانين المنصات من أجل القيام بعملهم، أو التحايل على واجهات برمجة التطبيقات الرسمية تماماً. ويلجأ كثيرون إلى أدوات رقمية لتنزيل البيانات من مواقع الويب، وهي عملية هشّة وتتطلب عمالة مكثفة.

يحتاج الباحثون والصحافيون والكيانات غير الربحية في مجال المصلحة العامة إلى الوصول إلى بيانات وسائل التواصل الاجتماعي. إذا تُركت شركات التكنولوجيا من دون رادع، فقد تغلق الباب أمام ذلك تماماً، وفقاً لما أكده الباحث.

واقترح تشريعاً فعّالاً يمنح كياناً خارجياً إمكانية الوصول الكامل والشفّاف والقابل للتدقيق إلى بيانات شركات التكنولوجيا، ويمنحه القدرة على فرض عقوبات حقيقية على الشركات التي لا تمتثل له.

ورأى الباحث أن وجود هيئة مستقلة تحكم الوصول إلى هذه البيانات، يعني منع البيع العشوائي للبيانات الشخصية، وتسهيل مراجعة النظراء والتحقق من الحقائق، وليس حماية مصالح الشركات.

وأظهرت التشريعات من هذا النوع في الاتحاد الأوروبي بالفعل إمكانيات هذا التغيير. دفع قانون الخدمات الرقمية "إكس" إلى تحديث شروطها، على ما يبدو استعداداً لمنح الباحثين الأوروبيين إمكانية الوصول إلى واجهة برمجة التطبيقات. وفي الوقت نفسه، فإن التشريعات الأميركية مثل قانون المساءلة والشفافية، الذي يمكن أن يبشّر بجعل بيانات وسائل التواصل الاجتماعي أكثر سهولة للباحثين الأميركيين، تذبل في مجلس الشيوخ.

وأشار بيكر إلى أن هذا النوع من التشريع لن يحدث من دون دعم قوي. ويبدأ ذلك بالتأكد من أن شفافية أبحاث وسائل التواصل الاجتماعي جزء من النقاش حول تشريعات التكنولوجيا في الولايات المتحدة.

المساهمون