في يوليو/تموز الماضي، أجرى المخرج الهولندي بول فيرهوفن مقابلة مع مجلة "فرايتي"، قبل العرض العالمي الأول لفيلمه "بينيديتّا" Benedetta، في "مهرجان كانّ السينمائي الدولي". سئل حينها عن سبب غياب أفلام كفيلمه "بيسك إنستنكت" Basic Instinct (1992) عن هوليوود خلال السنوات الماضية. ومَن شاهد Basic Instinct يعلم أنه من النوع الإيروسي، وفيه تباعد الممثلة شارون ستون بين ساقيها ثم تضع ساقاً فوق ساق، في مشهد من الأشهر والأكثر إثارة سينمائياً.
رد بول فيرهوفن قائلاً إن "هناك توجها عام نحو التزمت أو التطهر. أعتقد أن هناك سوء فهم حول الجنس في الولايات المتحدة. الجنسانية هي العنصر الأهم في الطبيعة. تدهشني دائماً صدمة الناس من الجنس في الأفلام".
فيرهوفن ساعد في تحديد معنى الفيلم الإيروسي في التسعينيات، واهتمامه بالجنس واضح في أعماله، إن كان في "بيسك إنستنكت" أو "شوغيرلز" Showgirls عام 1995 أو "إيل" Elle في 2017. في "مهرجان نيويورك السينمائي" هذا العام، احتجت مجموعة كاثوليكية على تصويره راهبات مثليات في فيلمه "بينيديتّا".
لكن هل كان فيرهوفن محقاً في القول إن هوليوود تتجه نحو التزمت أو التطهر؟ في تقرير نشرته "بي بي سي" الشهر الحالي، سلطت الصحافية كريستينا نيولاند الضوء على هذه المسألة، واستشهدت بتقرير أعدته الكاتبة كيت هيغن عام 2019.
استندت كيت هيغن في تقريرها إلى بيانات الموقع السينمائي "آي إم دي بي"، ووجدت أن عدد المشاهد الجنسية في الأفلام السائدة حالياً أقل مما كان عليه في أي وقت خلال الخمسين عاماً الماضية. وكتبت أن "1.21 في المائة فقط من الأفلام الـ148012 الروائية الطويلة الصادرة منذ عام 2010 فيها لقطات جنسية. وهذه النسبة هي الأدنى منذ الستينيات". وأوضحت أن "اللقطات الجنسية بلغت ذروتها في التسعينيات، حين عرضتها 1.79 في المائة من الأفلام"، وأن "هذا الانخفاض الضئيل يعتبر ضخماً من الناحية النسبية، مع الأخذ في الاعتبار أن عدد الأفلام الصادرة منذ عام 2010 هو نحو أربعة أضعاف ما طرح في التسعينيات".
لكن، ما أسباب هذا التوجه الجديد؟ وفقاً لكريستينا نيولاند، فإن السبب الأكثر شيوعاً هو إتاحة المحتوى الإباحي على نطاق واسع على شبكة الإنترنت. لكن فيرهوفن لا يوافق على هذه الفرضية، إذ قال إن "المواد الإباحية كانت في كل مكان حين كنت صغيراً. إذا كان هناك تغيير في كيفية رؤيتنا للجنس في الأفلام، فأنا لا أعتقد أن الأمر يتعلق بالإباحية على الإنترنت".
الكاتبة هيلين لويس عزت هذا التحول إلى "ازدهار التلفزيون كشكل فني معروف بالصراحة الجنسية". وأوضحت في حديث لـ"بي بي سي": "نحن نقارن الأفلام بمسلسلات أنتجتها منصات البث، مثل (الجنس والمدينة) Sex and the City و(الشيطان) The Deuce" الخاصين بـ"إتش بي أو".
هذه التجربة خاضتها أيضاً منصة البث العملاقة "نتفليكس" في مسلسلها الذي شوهد على نطاق واسع "بريدجرتون" Bridgerton. وكررت المنصة الأميركية التجربة في سلسلة "سكس/لايف" Sex/Life.
وبعيداً من تأثير التلفزيون، رأى كثيرون أن الروح الحقيقية لللاجنسية غرست في هوليوود. الكاتبة راكيل إس بنديكت أشارت في مقالة لها إلى أن الأجسام المفتولة التي تهيمن على أفلام الأبطال الخارقين وأفلام الحركة تلعب دوراً. وكتبت أن هذه الأجسام المنحوتة تجسد نوعاً جديداً من "الورع"، وأن الرسائل المبطنة التي توجهها مفادها بأن "المتعة تجعلك ضعيفاً، وتدفعك إلى التخلي عن أصدقائك ومنح العدو فرصة للفوز، كما فعل (ثور) حين أصبح سميناً في فيلم (أفنجزر: إندغيم) Avengers: Endgame".
لفتت بنديكت إلى أن هذه الجمالية غير الجنسية سارت جنباً إلى جنب تغيير واسع حول مقدار ما يتوقعه الجمهور من مشاهد الجنس في السينما السائدة. وكتبت "غالباً ما يشعر مشاهدو جيل الألفية وجيل زِد (مواليد منتصف التسعينيات إلى منتصف العقد الأول من الألفية الثانية) بالذهول عند مواجهة محتوى جنسي منسي مرّ عليه الزمن... هذه المشاهد لم تصدمنا عندما رأيناها لأول مرة. كنا نظن: بالطبع هناك جنس في الفيلم. ألا يوجد دائماً؟".
لكن الشركات الكبرى مثل "ديزني" اليوم لا تريد المخاطرة بخسارة المستهلكين. وصرح الرئيس التنفيذي لـ"جمعية السينما البريطانية"، فيل كلاب، أخيراً لصحيفة "آي" بأن عدد الأفلام المصنفة لأعمار أكثر من 15 و18 عاماً انخفض خلال العقد الماضي مع الاستوديوهات "التي تستهدف بشكل متزايد الجماهير العائلية، لتحقيق أقصى قدر من عائدات شباك التذاكر".
وعلى الرغم من هذا التوجه بعيداً عن الجنس في السينما، فإن أصواتاً كثيرة تعلو عبر منصات التواصل الاجتماعي، تعبر عن انزعاجها من ما تقول إنه مبالغة في هذه المشاهد على الشاشة. من المحتمل أيضاً أن يكون هذا الانزعاج الجديد مرتبطاً بحركة #MeToo المناهضة للعنف والتحرش الجنسي. إذ كشفت عن عمليات استغلال واعتداء واغتصاب في هوليوود، وسارعت إلى محاولة محاسبة المتورطين، وأشهرهم المنتج هارفي وينستين. هذه الحملة أحدثت تغييراً كبيراً في الصناعة، ودفعت السينمائيين إلى إعادة النظر في كيفية تصوير هذه المشاهد والاستعانة بمشرفين لتنظيمها. ومع ذلك، أصبحت هذه المشاهد تؤرق صنّاع السينما الذين يتخوفون من عواصف الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي.