يتصدّر الأميركي مارك روفالو (1967) واجهة مشهدٍ سينمائيّ هوليووديّ، يواجِه جرماً إسرائيلياً جديداً، يُرتَكب بحقّ الفلسطينيين والفلسطينيات منذ إبريل/ نيسان 2021. ينتفض الممثل والمخرج والمنتج، فيكتب: "مُعالجة أوضاع الشعب الفلسطيني وصمة عار في ضمير العالم. آن الأوان لكي يقف العالم ويتحرّك، ويفرض عقوبات على الصناعات الإسرائيلية الرئيسية، إلى أنْ يُمنَح الفلسطينيون حقوقاً مدنية كاملة ومتساوية". يتوجّه إلى القيادات السياسية في بلده، مناشداً إياهم ضرورة أنْ تكون قيادتهم أخلاقية "والعمل على إنقاذ الأرواح".
مواقف ونزاعات
لسوزان ساراندون (1946) موقفٌ آخر. تتوجّه إلى متابعيها عبر وسائل تواصل مختلفة، مُشدّدة على أنّ الحاصل في فلسطين اليوم "ليس اشتباكات". تقول إنّ هناك "جيشاً متقدّماً تكنولوجياً (بمعنى آخر: "جيش فائق التسلّح") يقتل المدنيين لسرقة منازلهم". تحسم الأمر: "هذا هو الاستعمار". تُعلن تضامنها مع الشعب الفلسطيني "الذي يواجِه تطهيراً عرقياً وترهيباً من الحكومة الإسرائيلية ومنظّمات المستوطنين اليهود". تُنهي أحد تعليقاتها بجملة مكتوبة بأحرف إنكليزية كبيرة: "العالم يُراقب". تختم تعليقاتها بوسمَي "أنقذوا الشيخ جرّاح" و"أوقفوا عمليات الطرد في القدس" (باللغة الإنكليزية).
تختلف فيولا ديفيس (1965) قليلاً عنهما. تريد مشاركةً أوسع وأعمق. تميل إلى المعلومات، كأنّها تشير إلى أنّ المعطيات الموثّقة أصدق من كلّ كلامٍ يُمكن أنْ يكون عاطفياً. أسلوبها هذا غير متناقضٍ مع كتابات روفالو وسارندون ونشاطاتهما، لكنّه عمليٌّ أكثر. روفالو يجهد في جمع مليونَي توقيع على عريضته هذه. ديفيس تنشر معلومات عمّا يحصل واقعياً. ناتالي بورتمان (1981) تكتفي بإعادة نشر منشورات ديفيس. بورتمان أميركية - إسرائيلية. لديها سجل عسكريّ، لتأديتها الخدمة العسكرية في "جيش بلدها".
هذا (الخدمة العسكرية) تفعله غال غادوت (1985) أيضاً، المُقيمة في إسرائيل. تحاول إيجاد توازنٍ بين شعبين، فتدعو إلى سلامٍ بينهما. تخاف على بلدها وعلى ناس بلدها. بالنسبة إليها، لا شيء آخر. أحد تعليقاتها خبيثٌ، إذْ يُساوي بين قاتلٍ ومقتول. تُثير مشاعر تعاطفٍ بتعابير تريدها انعكاساً لقلقٍ وخوفٍ ورغبات إيجابية. "قلبي مكسور"، فـ"بلدي في حرب". قلقة هي على عائلتها وأصدقائها وشعبها. تستكمل خطاباً ممجوجاً عن تساوٍ وأولويات، غير متوافقة البتّة مع وقائع ووثائق. تقول إنّ الحاصل "حلقة مفرغة" مستمرة منذ زمن طويل: "تستحق إسرائيل أنْ تعيش كأمة حرّة وآمنة. جيراننا يستحقّون هذا أيضاً". أيّ وقاحة هذه؟ الفلسطينيون والفلسطينيات "جيران" فقط، يحقّ لهم حرية وأمنٌ؟ أهم يعتدون على مستوطنين ومستوطنات، يسرقون منازل أناسٍ هم أبناء البلد؟ هل تتذكّرون قول يعقوب للعجوز الفلسطينية في حيّ الشيخ جرّاح؟ أيّ خديعة يعيشها إسرائيليون صهاينة؟ أيّ افتراء وكذب وتزوير؟
الكذب؟ لعلّ غادوت وأمثالها غير مُنتبهين إلى قول العميلة الاستخباراتية الأميركية كاري ماثيسون (كلير دانس، 1979)، في "هوملاند" (الحلقة 5، الموسم 2): "الأكاذيب ستقضي علينا. تلك الأكاذيب التي نظنّ أنّنا نحتاج إليها للنجاة". إيراد قولٍ للصحافي والكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي (1953)، في هذا السياق، تأكيدٌ لمعنى الكذب في العقل الإسرائيلي: "يُمكننا أنْ نستمرّ في خداع أنفسنا، والاستمتاع بالحياة، وأنْ نكذب كما نراه مناسباً. لكنْ، عندما تتراكم تقارير (لـ"هيومن رايتس واتش" و"بتسليم"، تصف إسرائيل بالدولة العنصرية)، لا يُمكننا الاستمرار في التظاهر بأنّ البُصاق الذي يُبصَق في وجوهنا هو مطر. البُصاق بُصاق. هذا يُجبر الإسرائيليين الواعين (أو ذوي الضمير الحيّ) على التفكير في البلد الذي يعيشون فيه، ويُجبر الحكومات المختلفة على التساؤل عمّا إذا كانت ستستمر في قبول بلدٍ ذي نظامٍ كهذا" (A L’encontre في 30 إبريل/ نيسان 2021).
جرائم إسرائيل
لكنْ، أيكون الصراع داخليّاً؟ ألن يتحوّل الفلسطيني في أقوال كهذه إلى حجّة للإسرائيليّ في مواجهته حكومة بلده، غير الراضي عنها وعن سياساتها؟
رغم تساؤلات كهذه، يُستعاد موقف لليفي نفسه مع تجديد المعركة ضد "جنين جنين" (2002) لمحمد بكري. يكتب ("هآرتس"، 14 يناير/ كانون الثاني 2021) أنّ منع عرض الفيلم في إسرائيل "يجب" أنْ يترافق مع منع بثّ كلّ نشرات الأخبار التلفزيونية أيضاً: "في كلّ بثّ تقريباً، هناك بروباغاندا وتشهير (افتراء) ومُبالغة وقمع نفسي وكذب، أكثر مما في فيلم بكري، الرائع والصادق (الأصيل)، الذي يوجع القلب". يُضيف، بعد مشاهدته إياه مرة أخرى: "ذكريات مخيّم جنين للاجئين تطفو مجدّداً على السطح، مع الأعمال الوحشية (الفظائع) والدموع والألم والكارثة، بالقدر نفسه الذي تطفو فيه، مجدّداً، جرائم الجيش الإسرائيلي".
المشترك بين غادوت وبورتمان قليلٌ: اليهودية، إسرائيل، تأدية الخدمة العسكرية. التشاوف الإسرائيلي لا حدود له. بمفهوم غادوت، المُقيمة في إسرائيل، يحقّ لها الكلام. بورتمان غير مُقيمة، لذا، تستدعي تصرّفاتها سحب الجنسية الإسرائيلية منها. أيّ خواء هذا؟ أيّ بؤس وخراب؟ "نضالات" بورتمان لـ"دولتها" معروفة. عام 2018، ترفض تكريماً لها في القدس. قيل يومها إنّ السبب كامنٌ في موقفها الرافض أفعالاً جُرمية إسرائيلية ضد الفلسطينيين. لكنّها توضح المسألة: "عدم حضوري حفلة توزيع جوائز "جينيسيس" متأتٍّ من رفضي الظهور كأنّي أؤيد بنيامن نتنياهو". تُتَّهَم حينها بالتعاطف مع BDS (مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات)، التي يصفها نتنياهو بأنّها تعمل على إنهاء الدولة اليهودية: "لستُ جزءاً من (هذه) الحركة. لا أؤيدها. لكنّي، مثل إسرائيليين ويهود عديدين في أنحاء العالم، يمكنني انتقاد القيادة في إسرائيل، من دون الرغبة في مقاطعة الأمّة بأكملها" (نيويورك تايمز"، 20 إبريل/ نيسان 2018).
الخلاف إسرائيلي داخلي. موقف بورتمان، بإعادة نشرها ما تجمعه فيولا ديفيس من معلومات موثّقة عن جُرمٍ إسرائيلي، قد ينصبّ في هذا الإطار. الخلاف مع قيادات لا مع مشروع. مارك روفالو ينتقد الإدارة السياسية في بلده من أجل فلسطين. استخدام مفردات محدّدة يدلّ على وعيّ بوقائع تحدث، وهذا مهمّ للغاية (سارندون وديفيس مثلان أساسيّان على ذلك). لكنّ النزاع الأبرز "داخليّ"، وإنْ أمكن الاستفادة منه فلسطينياً، فحركة كالتي يقوم بها أناسٌ ذوو شهرة وتأثير جماهيريين كبيرين، كهؤلاء، يُتوقّع أنْ تُحدِث فرقاً، ولو صغيراً في الوعي، الفردي أو الجماعي، في أميركا وخارجها.
هذا مطلوبٌ. هذا ضروري. الشخصيات العربية العامة صامتةٌ، وإنْ كانت ترغب في موقف علني، فخيار غالبيتها الساحقة يميل إلى سلطات قامعة وقاتلة. الأسماء كثيرة. أصواتٌ نادرة لقلّة منها تقول شيئاً بخصوص الجُرم الإسرائيلي الجديد. أساساً، هذه الغالبية غير معنية بأهوالٍ تحصل في بلادها، بسبب بطش السلطات الحاكمة. لذا، يُصبح الجُرم الإسرائيلي، بالنسبة إليها، خبراً عابراً.
تريفور نواه (1948، جنوب أفريقيا)، الفكاهي والممثل والمنشِّط التلفزيونيّ، العامل في الولايات المتحدّة الأميركية، يقول كلاماً أوضح. في شريط مُسجَّل، منشور في "فيسبوك"، يُقارن بين قتلى الفلسطينيين والإسرائيليين. يورد أرقاماً ترتفع يومياً، يختار المُؤكّد منها عند تسجيله الشريط قبل أيام. يُشير إلى أنّ عدد الأولين أكثر بكثير من عدد الإسرائيليين. يقول إنّ تبادل النيران بين إسرائيل و"حماس" حاصلٌ بعد هجوم الإسرائيليين على المسجد الأقصى، الذي يجرح نحو 600 فلسطيني، وبعض الجنود الإسرائيليين: "شخصياً، لا يُمكنني مُشاهدة هذه الصُّور وقراءة تلك الأعداد، وأعتبر ـ في الوقت نفسه ـ أنّ هذا قتال عادل".
فروقات سينمائية
أقوالٌ كثيرة يصعب نشرها كلّها. النزاع بين غال غادوت وناتالي بورتمان يُثير حشرية مُقارنة سينمائية بينهما. للثانية حضورٌ أهمّ، وأدوارٌ أجمل وأعمق، واشتغالاتٌ مهنيّة تقول تطوّراً في أسلوب التمثيل وكيفية الأداء. للأولى تكرار مملّ لتمثيلٍ عاديّ. ملكة جمال إسرائيل عام 2004 (غادوت) تُتقن أدواراً خيالية بحتة، تغلب عليها بطولات خارقة، ومشاركة في "سريع وغاضب".
يُحيل هذا قليلاً إلى دورين اثنين في سيرة روفالو، يعثران في موقفه الراهن على بعض حضورٍ: التحرّي فانينغ في Collateral لمايكل مان (2004)، والصحافي مايكل رِزِنْدس في Spotlight لتوماس ماكارثي (2015). يشكّ التحرّي في أمر "المتّهم". هناك قاتل يُكلَّف بتصفية 5 شهود في ليلة واحدة. سائق سيارة الأجرة يتورّط في الرحلة الجهنمية تلك. حيوية فانينغ وحماسته وشكوكه ورغبته في العثور على وقائع وتأكيدات، سمات تحرّكه في بحثه عما يبغيه. لكنّ الموت قدرٌ، فالقاتل يُريد "إنقاذ" سائقه لإكمال مهمّته.
المحقِّق الصحافي مليء بحماسةٍ يُحسَد عليها. يتأثّر بمسألة الاعتداءات الجنسية لكهنة كاثوليكيين على مُراهقين في بوسطن (تحصل الاعتداءات في سبعينيات القرن الـ20، وصحيفة "بوسطن غلوب" تفضحها عام 2001)، فيجهد في كشف المخبّأ ونشره. زملاء وزميلات له في القسم نفسه يتساوون معه في رغبته تلك، لكنّ تفاصيل قليلة تحول، وإنْ لبعض الوقت، دون الذهاب بعيداً في تغليب الشخصيّ على المهنيّ. أداؤه رائع، وحماسته جميلة، وانغماسه في مهنته مؤثّر.
له أدوار بطولات خارقة أيضاً. له تنويعاتٍ كثيرة. هذان الدوران يبدوان أقرب إلى صورته في موقفه إزاء الجُرم الإسرائيلي. ربما لن يذهب بعيداً في تحدّي مشروعٍ، لن يتردّد أصحابه في ارتكاب مزيدٍ من القتل والتهجير والتغييب والإقصاء لتحقيقه. غادوت غير سينمائية. أدوارها مبعثرة في أفلامٍ استهلاكية، يعرف بعضها نجاحاً تجارياً، لكنْ لا قيمة سينمائية ودرامية وفنية له. بورتمان تُنوّع في أدوارها وخياراتها، منذ مشاركتها في "ليون" (1994) للوك بوسّون و"حرارة" (2005) لمايكل مان. في سيرتها المهنية، مخرجون فاعلون في السينما، وبعضهم مُجدِّدٌ ومختلفٌ: وودي آلن، تيم بورتون، أنتوني مانغيلّا، ميلوش فورمان، وونغ كار ـ واي، وس أندرسن، جورج لوكاس، آموس غيتاي، تيرينس ماليك. لها تجربة الأبطال الخارقين أيضاً، لكنّ سيرتها المهنية تتضمّن روائع في النتاج السينمائيّ، تبقى (الروائع) غائبة في سيرة غادوت.
يُعلِّق عاملون وعاملات في الصناعة السينمائية على أحداثٍ جُرمية إسرائيلية، ولبعض التعليقات صدى، وإنْ كان قليلاً، لكنّه مهمّ. قراءة شيء من حالةٍ، تحصل الآن في فلسطين المحتلّة وهوليوود، محاولة لتبيان جزءٍ من وقائع وتفاصيل. الأخطر يكمن في أنّ الجُرم الإسرائيليّ مستمرّ، والمواجهة الفلسطينية مستمرّة، وتعليقات المشاهير أيضاً.