هل يمكن تشخيص السرطان قبل الإصابة به؟ السرّ في اللعاب

29 مارس 2023
يعدّ تحليل اللعاب مجالاً جديداً نسبياً لكنه يتطور بسرعة (Getty)
+ الخط -

يكتسب تحليل اللعاب أهمية متصاعدةً علمياً باعتباره طريقة غير جراحية للكشف عن أنواع مختلفة من مرض السرطان، بل وإمكانية تشخيصه قبل الإصابة به.

يحتوي اللعاب على آثار من الحمض النووي، والحمض النووي الريبي، والبروتينات، وبتحليله يمكن اكتشاف المؤشرات الحيوية التي تشير إلى وجود السرطان، وتكمن جاذبية تحليله في أنّه بديل سهل لـ"خزعة الأنسجة"، التي تتطلب من الأطباء المدربين أخذ عينات من الجسم.

ويعدّ تحليل اللعاب مجالاً جديداً نسبياً، لكنّه يتطوّر بسرعة بسبب تقدم "علوم النطاقات" التي تحلّل مجموعات كبيرة من الجزيئات المشاركة في عمل الكائن الحي، وزاد عدد الأوراق العلمية التي تحتوي على الكلمات الرئيسية: "تشخيص" و"سرطان" و"لعاب" بأكثر من 10 أضعاف خلال العقدين الماضيين، وفقاً لقاعدة بيانات البحوث الطبية (Pub Med).

ويعود أصل الفكرة إلى عام 1995، عندما قامت مجموعة من الباحثين في ولاية إلينوي الأميركية بتحليل لعاب أكثر من 200 مريض بسرطان البروستاتا، ووجدوا أن لعابهم يحتوي على مستويات أعلى بكثير من إنزيمات "الفوسفاتاز الحمضي" مقارنة بغيرهم، ممّا دفع الباحثين آنذاك إلى التفكير في قيمة ملاحظة التغيرات الكيميائية الحيوية في الأنسجة البعيدة عن موقع أصل الورم السرطاني بدلاً من أساليب تشخيص المرض، التي تستدعي النقب في جسم المريض وأخذ عينات منه، حسب ما أوردته ورقة نشروها في دورية السرطان الأكاديمية (Cancer).

لكن ثمار هذا النهج لم تبدأ في الظهور النسبي سوى في عام 2021، عندما اعتمدت إدارة الغذاء والدواء الأميركية جهازاً ابتكرته شركة فيوم لتشخيص السرطان بشكل مسبق عن طريق الفم والحنجرة، عبر اللعاب.

وبناء على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، يحلّل هذا الجهاز عينة من اللعاب، ويركّز على نشاط الحمض النووي الريبوزي المرسال، الذي‏ يرمز له بالرمز mRNA، وينتمي إلى المجتمع البكتيري الموجود في الفم.

تغيرات الأورام

لأسباب غير معروفة علمياً حتّى الآن، تحدث تغيّرات في هذا الحمض عندما يتطوّر الورم السرطاني على الشفتين أو اللسان أو الحلق أو المناطق المحيطة.

وتقول الكيميائية، تشاميندي بونياديرا، التي أمضت عقداً من الزمن في العمل على اختبار تشخيص اللعاب في "فيوم": "لعقود من الزمن، كان اللعاب يُعتبر من بنات الدم"، في إشارة إلى أن النتائج التي يقدمها تحليل اللعاب غالباً ما يكون أثرها ملحوظاً في الدم أيضاً.

وتعمل بونياديرا حاليا في جامعة غريفيث في أستراليا، وهي مؤلفة رئيسية لدراسة 2021 التي تصف تطور اختبار اللعاب في الطب الجيني، حسب ما أوردته مجلة نيتشر.

ويمكن لهذا التطور أن يسهم في تغيير كبير بتشخيص مرض السرطان في السنوات القادمة مع تقدّم تقنيات تحليل اللعاب وفهم معلوماته، وهو ما تنبأت به بونياديرا، قائلة: "نظراً لأنّه يمكن جمع اللعاب بدون تدخل جراحي، يمكن للمريض المتمكن أن يأخذ عينات متعددة ويصبح مشرفاً على اختبارات التشخيص الخاصة به".

معلومات اللعاب

تنتج الغدد اللعابية للإنسان البالغ ما بين 500 و1500 ملليلتر من اللعاب للمساعدة في الهضم والحفاظ على صحة الفم، ويحتوي هذا اللعاب، بالإضافة إلى الإنزيمات والهرمونات والأجسام المضادة وبقايا الطعام والكائنات الحية الدقيقة، على آثار من الحمض النووي والحمض النووي الريبي أو البروتينات الناشئة عن وجود الأورام.

وبحسب عالمي طبّ الأسنان: تايتشيرو نوناكا، من جامعة ولاية لويزيانا، وديفيد تي. وونغ، من جامعة كاليفورنيا، فإنّ تحليل اللعاب يتطوّر بسرعة بسبب تقدم أساليب تحليل البيانات الجينومية، ممّا أتاح القدرة على تحليل مجموعات كبيرة من الجزيئات المشاركة في عمل الكائن الحي، حسب ما أوردته المجلة السنوية للكيمياء التحليلية لعام 2022.

ويقول نوناكا إنّ دراسة تشخيص السرطان من خلال اللعاب لم تكن معروفة حتى العقد الماضي، مشيراً إلى أنّ تحليل الغدد اللعابية والنكفية جعل مناطق ما تحت الفك السفلي واللسان، بالإضافة إلى الغدد الصغرى الأخرى، على مقربة من الأوعية الدموية، بمثابة ناقل للمعلومات الجزيئية.

وإزاء ذلك، بدأ العلماء في البحث عن الحمض النووي (ctDNA) في تحليل اللعاب، وهو الحمض الذي يتم إطلاقه من الخلايا السرطانية عندما يكون الورم موجوداً في الجسم، وحدّدت دراسات متعددة المؤشرات الحيوية التي يتم إنتاجها بكميات أكبر في حال وجود خلايا سرطانية، مثل البروتينات أو التغيرات الجينية التي يمكن استخدامها للكشف عن أورام الرأس والرقبة والثدي والمريء والرئة والبنكرياس، وكذلك لمراقبة استجابة المريض للعلاجات.

ووجد العلماء أن اللعاب قد يحتوي على إشارات كيميائية حيوية (مؤشرات حيوية) تقدم "تنبيهات" بأن الشخص مصاب بسرطان الرئة، ممّا يسمح بالكشف المبكر عن المرض، وبالتالي تحقيق نسبة أكبر في علاجه، حسب ما أوردته مجلة نوبل العلمية.

اكتشاف مبكر

وكان باحثون صينيون قد نشروا، في عام 2015، أن تحديد جزأين من الحمض النووي الريبي (microRNA) في اللعاب سمح باكتشاف سرطان البنكرياس الخبيث في 7 من كل 10 مرضى مصابين بالمرض، حسب ما أورده موقع المكتبة الوطنية الأميركية للطب.

ووفق مراجعة، أوردها موقع مكتبة وايلي أونلاين، لـ14 دراسة، شملت أكثر من 8000 مشارك، فإن مريضات سرطان الثدي كن أكثر عرضة 2.58 مرة لوجود بعض المؤشرات الحيوية التي يمكن اكتشافها باللعاب.

لذا يؤكد نوناكا أن البحث في هذا المجال واعد، "لكنه سيتطلب مزيداً من الدراسات المستقبلية لتحديد قابليته للتطبيق السريري"، حسب قوله.

ويشير أستاذ طب الأسنان بجامعة ولاية لويزيانا إلى أن تشخيص السرطان قبل الإصابة به بات أمراً مرجحاً عبر اختبارات اللعاب والدم، التي ستكون هي "القاعدة في المستقبل"، حسب رأيه.

المساهمون