هل يتحيّز الذكاء الاصطناعي ضد المحافظين؟

29 مارس 2023
عالم البيانات النيوزيلندي ديفيد روزادو (Getty)
+ الخط -

 

بعدما حقق برنامج الدردشة الآلي تشات جي بي تي ChatGPT شعبية كبيرة حول العالم بقدرته على صياغة نصوص معقدة، قرر عالم البيانات النيوزيلندي ديفيد روزادو اختبار احتمالات وقوعه في التحيز. أخضع روزادو البرنامج لسلسلة من الاختبارات، بحثاً عن توجهه السياسي. وجاءت النتائج كالآتي: ليبرالي، وتقدمي، وديمقراطي.

وطوّر روزادو نسخته الخاصة من برامج الدردشة الآلية، ودربها على الإجابة عن الأسئلة بطريقة متحيزة للمحافظين. وأطلق على تجربته هذه اسم "تشات جي بي تي الجناح اليميني" RightWingGPT. وطبعاً، لم يجعلها متاحة للعامّة.

ما فعله روزادو عكس تحول الذكاء الاصطناعي إلى جبهة في الحروب السياسية والثقافية التي تخوضها الولايات المتحدة ودول أخرى. فوسط إقبال عمالقة التكنولوجيا على خوض المجال، متأثرين بالنجاح الكبير الذي حققه ChatGPT، فإنهم يواجهون نقاشاً مقلقاً في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي واحتمال استغلاله في أهداف خبيثة.

قدرة برامج المحادثة الآلية على ابتكار محتوى يتماشى مع أيديولوجيات معينة أو حتى تعزيز المعلومات المضللة، يسلط الضوء على الأخطار التي بدأ المسؤولون التنفيذيون في شركات التكنولوجيا الكبرى يقرون بها، ومنها أن هذه البرامج المتنافسة في ما بينها يمكن أن تخلق نشازاً إعلامياً يقوّض الثقة في المجتمع وفي جدوى الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية.

وفي هذا السياق، قال المستشار وعضو مجلس إدارة معهد ألين للذكاء الاصطناعي، أورين إيتزيوني، في حديثه لصحيفة نيويورك تايمز، الأسبوع الماضي إن "هذا التهديد ليس افتراضياً. هذا التهديد وشيك".

المحافظون اتهموا فعلاً الشركة الناشئة التي طورت ChatGPT، أوبن إيه آي، بطرح أداة تعكس التوجهات الليبرالية لمصمميها. فالبرنامج ابتكر قصيدة موجهة للرئيس الأميركي جو بايدن على سبيل المثال، لكنه رفض كتابة قصيدة مماثلة عن الرئيس السابق دونالد ترامب، مشيراً إلى "رغبته في أن يكون محايداً". البرنامج نفسه أكد لأحد مستخدميه أن "من غير المقبول أخلاقياً إطلاقاً" استخدام الإهانات العنصرية، ولو في حالة افتراضية يمكن أن يؤدي فيها استخدام مثل هذه الإهانات إلى إيقاف قنبلة نووية مدمرة. رداً على ذلك، دعا بعض منتقدي ChatGPT إلى إنشاء روبوتات محادثة خاصة بهم أو أدوات أخرى تعكس قيمهم.

تكنولوجيا
التحديثات الحية

الملياردير الأميركي إيلون ماسك الذي ساهم في إنشاء "أوبن إيه آي" عام 2015، قبل أن يغادرها بعد ثلاث سنوات، اتهم ChatGPT بأنه Woke (هناك خلاف على تفسير هذه الكلمة، ويمكن القول إنها الأيديولوجيا التي باتت مرادفاً للأفكار اليسارية التي بنيت على أساس سياسات الهوية)، وتعهد بتطوير نسخته الخاصة من برامج المحادثة الآلية.

كذلك، وعدت منصة غاب Gap ذات النزعة القومية المسيحية التي أصبحت ملاذاً للمتطرفين واليمينيين، بإطلاق برنامج للذكاء الاصطناعي "قادر على ابتكار المحتوى بحرية، من دون قيود الدعاية الليبرالية". وقال مؤسس "غاب"، أندرو توربا، لـ"نيويورك تايمز"، إن "وادي السيليكون يستثمر المليارات في بناء حواجز ليبرالية في تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تجبر المستخدمين على الاطلاع فقط على نظرتهم هم للعالم، إذ تقدمها كأنها حقائق لا شك فيها". وساوى توربا بين الذكاء الاصطناعي وسباق التسلح المعلوماتي الجديد، مثل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وقال: "لا نعتزم السماح لأعدائنا بالحصول على مفاتيح المملكة هذه المرة".

أشارت "نيويورك تايمز" إلى أن ثراء البيانات الأساسية لـChatGPT يمكن أن يعطي انطباعاً خاطئاً بأنه تجميع غير متحيز للإنترنت بالكامل. إذ دُرّب إصدار العام الماضي على 496 مليار "رمز مميز"، وهي أجزاء من الكلمات مصدرها بشكل أساسي مواقع الويب ومنشورات المدونات والكتب ومقالات "ويكيبيديا" وغيرها. ومع ذلك، يمكن أن يتسلل التحيز إلى نماذج لغوية كبيرة في أي مرحلة: يختار البشر المصادر، ويطورون عملية التدريب، ويعدلون ردود النماذج. كل خطوة تدفع النموذج وتوجهه السياسي في اتجاه معين، بوعي أو بغير وعي.

وقد أشارت دراسات وتحقيقات ودعاوى قضائية إلى أن الأدوات التي تستند إلى الذكاء الاصطناعي لها تظهر تحيزاً ضد النساء، وتخلق تباينات في مجال تقديم الرعاية الصحية، وتميز ضد المتقدمين للوظائف من كبار السن أو السود أو المعوقين أو حتى من يرتدون النظارات الطبية.

في تقرير صدر العام الماضي، لفت المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا الذي يتبع لوزارة التجارة الأميركية إلى أن "التحيز ليس جديداً ولا فريداً بالنسبة إلى الذكاء الاصطناعي"، وخلص إلى أنّ "من غير الممكن الوصول إلى مستوى صفر من التحيز في الذكاء الاصطناعي".

وكانت الصين قد حظرت استخدام أداة شبيهة بـChatGPT خوفاً من أنها قد تعرّض المواطنين لحقائق أو أفكار مخالفة للحزب الشيوعي.

المساهمون