هل فشلت الحكومة التونسية في إدارة ملف الإعلام؟

18 مارس 2021
محاولة تحريك الملفات العالقة في ظلّ صمت الحكومة وعدم تفاعلها (وسيم جديدي/Getty)
+ الخط -

تعيش الساحة الإعلامية التونسية حالة من التوتر، نتيجة تعاطي حكومة هشام المشيشي مع ملف الإعلام. فالعديد من المؤسسات الإعلامية، خصوصاً الرسمية منها، تشهد تحركات احتجاجية وتهديدات بإضرابات في مؤسسات تعتبر الأكثر تشغيلاً للصحافيين في البلاد؛ وهي مؤسسات وكالة "تونس إفريقيا للأنباء" الرسمية الوحيدة، التي يعمل فيها أكثر من 130 صحافياً، ومؤسسة "الإذاعة التونسية" بمحطاتها الإذاعية الإحدى عشرة، والتي تشغّل 1180 عاملاً، ومؤسسة التلفزيون التونسي، وفيه أكثر من 1200 عامل. أسباب الاحتقان تعود إلى عدم وضوح رؤية الحكومة في إدارة ملفات هذه المؤسسات، في ما يتعلق بتسوية الأوضاع الهشة لبعض العاملين فيها، وغياب قانون يؤطر عملها، وعجز الحكومة عن تعيين مدير عام للإذاعة التونسية منذ نحو سنتين، إذ يتولى المدير العام للتلفزيون إدارة الإذاعة التونسية بالنيابة. هذه الملفات العالقة خلقت نوعاً من التوتر داخل هذه المؤسسات، جرى التعبير عنه من خلال وقفات احتجاجية متكررة، وتهديد بالدخول في إضرابات دعت إليها النقابة العامة للإعلام (المنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل).

دعوات إلى الإضراب في مؤسسات هي الأكثر تشغيلاً للصحافيين

تعاطي الحكومة مع الملف الإعلامي زاد تعكراً بعد رفض العاملين في إذاعة "شمس أف أم" المصادرة، قرار الحكومة تعيين مديرة عامة جديدة للإذاعة، وهو ما دفعهم، وفقاً للكاتبة العامة لفرع النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، خولة السليتي، إلى الدخول في اعتصام مفتوح حتى تستجيب الحكومة إلى مطالبهم. ومنها التسريع في التفويت (الخصخصة) في الإذاعة إلى مستثمرين، وفقاً لكراس (دفتر) الشروط الذي تمّ الاتفاق عليه مع الأطراف النقابية، والتي تنص على المحافظة على خط التحرير المستقل للإذاعة، وضمان ديمومة العمل بها، وعدم المس بحقوق العاملين فيها، لمدة لا تقل عن خمس سنوات.

هذه الملفات دفعت "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (الهايكا)، مساء الإثنين الماضي، إلى نشر رسالة مفتوحة وجّهتها إلى رئيس الحكومة، هشام المشيشي، أكدت فيها تفّهمها "لتحركات صحافيات وصحافيي إذاعة شمس أف أم، من أجل وضع حد للقرارات المسقطة وغير المدروسة، والتعيينات التي لا تستند إلى معايير موضوعية وشفافة"، والتي تؤثر بشكل مباشر في حسن تسيير المؤسسة وحوكمتها، وفي استقلالية خطها التحريري.

وأكدت الهيئة، موجّهة خطابها إلى رئيس الحكومة، على ضرورة احترام حرية الصحافة وعدم الزجّ بها في أيّ أجندات سياسية، واحترام استقلالية المؤسسات الإعلامية. كذلك، طالبته بضرورة استشارتها باعتبارها هيئة دستورية في القرارات المتعلقة بالإعلام السمعي البصري، ومنها تسمية مديرة عامة على رأس إذاعة "شمس أف أم". ونادت بضرورة التسريع بإلحاق "إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم" المصادرة، بمؤسسة الإذاعة التونسية، ضماناً لاستقلالية خطها التحريري وحماية لها من رغبة بعض الأطراف السياسية في السيطرة على الإذاعة وتوظيفها لخدمة أجنداتها السياسية.

سياسة اللامبالاة التي تنتهجها الحكومة في هذا المجال قد تؤدي إلى انحرافات خطيرة بالمشهد الإعلامي

"العربي الجديد" كان لها اتصال مع رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، النوري اللجمي، الذي أكد أنّ "نشر هذه الرسالة يدخل في إطار محاولة الهايكا تحريك الملفات العالقة وإعلام الرأي العام بالمساعي التي تقوم بها الهيئة، خصوصاً في ظلّ صمت الحكومة وعدم تفاعلها مع كلّ المراسلات التي توجّهنا بها إليها. وهو ما جعل البعض يتهمنا بالتقصير في أداء مهامنا، في الوقت الذي نحاول فيه العمل على ضمان استقلالية المشهد الإعلامي السمعي البصري، وضمان تعدديته، حتى يكون واحداً من أعمدة البناء الديمقراطي في تونس".

هذه الملفات الإعلامية يعتبرها بعض المتابعين ملفات مستعجلة، على الحكومة التعامل معها وإيجاد حلول لها في أسرع الأوقات، مؤكدين أنّ سياسة اللامبالاة التي تنتهجها الحكومة في هذا المجال قد تؤدي إلى انحرافات خطيرة بالمشهد الإعلامي، تجعله رهينة لسيطرة لوبيات المال والسياسة التي تحاول السيطرة عليه بكلّ الوسائل الممكنة. ومع تواصل اللامبالاة فإنّ هذا يعلن عن الفشل الكبير للحكومة في إدارة واحد من أهم ملفاتها.

المساهمون