قدّم وزير الاتصالات والتحوّل الرقمي في فرنسا، مشروع قانون يهدف إلى "حماية وتنظيم" الفضاء الرقمي. مشروع قانون، سيُضاف على الأرجح إلى سلسلة قوانين أخرى خاصة في هذا المجال تحاول التأقلم مع التحولات والتحدّيات التي تفرضها مساحة افتراضية لم تأخذ إلى اليوم شكلاً نهائياً، ما يجعل الموقف أكثر تعقيداً.
يُركّز مشروع القانون الجديد على مجموعة من القضايا الحساسة، التي تحتاج تنظيماً قانونياً لحماية المستخدمين، ومنها: وصول القاصرين إلى المواقع الإباحية، عمليات الاحتيال عبر الإنترنت، المضايقات والإساءات الإلكترونية وعمليات الترويج للأخبار الكاذبة لا سيما تلك الصادرة من مواقع إعلامية مدعومة من قوى خارجية.
في دراسة بحثية أجرتها "كاسبرسكي" عن تعرّض المراهقين من عُمر 11 إلى 15 عاماً (في أوروبا) لعمليات احتيال عبر الإنترنت، لا سيما التصيّد الاحتيالي، وهو أحد أنواع الجرائم الإلكترونية القائمة على انتحال صفة مصادر موثوقة لخديعة الأشخاص وسرقة بياناتهم الشخصية الحساسة، تبيّن أن ثقة المراهقين المُفرطة بقدراتهم الرقمية أو قلّة معرفتهم بالأمن السيبراني، كلاهما طريق قد يؤدي بهم ليكونوا ضحايا عمليات الاحتيال عبر الإنترنت.
حسب الدراسة، غالبية المراهقين في أوروبا يملكون ثقة عالية في قدراتهم الإلكترونية، وهو ما يجعلهم ضعفاء أمام الهجمات المُحتملة لأنهم أقل يقظةً وتنبّهاً. قاصران من أصل خمسة في أوروبا اعتبروا أنهم يملكون ما يكفي من معلومات عن الأمن السيبراني، لكنهم وقعوا ضحايا لجرائم التصيد الاحتيالي. وتوصّلت الدراسة إلى أن المراهقين الفرنسيين هم الأقلّ معرفة بالأمن السيبراني مقارنة بأقرانهم الأوروبيين؛ وعن مصطلح التصيد الاحتيالي، بيّنت الأرقام أن 85 في المائة من المراهقين في اليونان يعرفون المصطلح، مقابل 84 في المائة في ألمانيا وفقط 45 في المائة في فرنسا.
وفي الوقت الذي تتزايد فيه المشكلات التي من المُمكن مواجهتها عبر الإنترنت، توضح الدراسة أن 72 في المائة من الشباب الأوروبي غير قادر على تحديد ومعرفة هجمات التصيد الاحتيالي عبر الإنترنت. فكيف تنوي الحكومة الفرنسية حماية مستخدمي الإنترنت، لا سيما وأن الأرقام في ارتفاع متصاعد، والتهديد يأتي من كل حدب وصوب ومع كثير من الإبداع والتجديد في كل مرة؟ حسب إحصاءات الحكومة الفرنسية، يشكل التصيد الاحتيالي التهديد رقم 1 في فرنسا، وهذا التهديد ارتفع بنسبة 54 في المائة ما بين عامي 2021 و2022. أمّا عملية قرصنة الحسابات فارتفعت 97,4 في المائة في عام 2022.
في تفاصيل مشروع القانون تأتي حماية الأطفال والمراهقين كواحدة من الأولويات الأساسية. تأمل الحكومة الفرنسية، تسهيل حجب المواقع الإباحية التي لا تعتمد إجراءات واضحة وحاسمة للتأكد من أعمار زوار الموقع، وتالياً منع القاصرين من مشاهدة محتواها.
هذا الحجب مُمكن قانونياً اليوم، ولكنه يتمّ عبر آلية قضائية، أي أن الأمر يحتاج وقتاً طويلاً للبتّ به. ما تحاول الحكومة إقراره عبر المشروع الجديد هو تسهيل وتسريع عملية الحجب، عبر وضعها بيد هيئة تنظيم وسائل الإعلام المرئية والرقمية، لتصير الأخيرة مخوّلة بشكل مباشر إبلاغ شركات الإنترنت بعناوين تلك المواقع وتالياً حجبها في اللحظة عينها. مع إبقاء الحقّ لهذه المواقع بالعودة إلى القضاء للاعتراض على الحجب.
وفي سياق حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي، تنوي الحكومة الفرنسية فرض عقوبات على المواقع والمنصات التي يتمّ من خلالها عرض محتوى إباحي يستغلّ الأطفال. يقترح مشروع القانون الجديد محاسبة المنصات التي يُعرض من خلالها هذا النوع من المحتوى، حتى لو لم تكن على دراية به، وفي حال عدم تجاوبها مع السلطات خلال مدة 24 ساعة من تبليغها بالأمر، ستكون عرضة لحكم يصل إلى سنة حبسا وغرامة مالية قدرها 250 ألف يورو.
مشروع القانون سيطاول أيضاً وسائل الإعلام، خاصة المنصات العاملة لصالح قوى أجنبية أو تابعة لحكومات بمعنى آخر. تنوي الحكومة الفرنسية استهداف المنصات والمواقع الإعلامية التي تروّج للإشاعات، أو تلك التي تسعى الى تضليل الرأي العام بمعلومات خاطئة. ينصّ مشروع القانون على توسيع صلاحيات هيئة تنظيم وسائل الإعلام المرئية والرقمية، وتمكينها من منع أي محتوى مضلل يتعارض مع التشريعات الأوروبية. خطوة سبق وحصلت، مع بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث حظرت دول الاتحاد الأوروبي مواقع إعلامية تابعة لروسيا (RT وسبوتنيك).