نقابة الموسيقيين المصريين: موجز حاضر المؤسسة وأخلاقها

31 اغسطس 2023
لم تدافع النقابة عن أحمد سعد خلال أزمته في تونس (راين ليم/ فرانس برس)
+ الخط -

ارتبط مصطلح "الأزمات" بنقابة الموسيقيين في مصر منذ تولي هاني شاكر مقعد رئاسة النقابة في الدورتين الماضيتين. وازدادت هذه الأزمات بعد وصول مصطفى كامل إلى رئاسة النقابة، ليتحوّل هذا الكيان إلى مصدر تهديد وتخويف للموسيقيين. فعند إدخال عبارة "نقابة الموسيقيين" على محرك البحث "غوغل"، الأخبار الوحيدة التي تظهر تختصر الدور الذي باتت تلعبه هذه المؤسسة.

الأخلاق والرسوم

كانت الأزمة الكبرى في نقابة الموسيقيين في مرحلة هاني شاكر هي رغبته في فرض الوصاية الأخلاقية على الوسط الموسيقي في مصر. إذ انحصرت اهتماماته بمراقبة ملابس المطربين/ات في الحفلات، ووضع كود أخلاقي يحاصر أعضاء النقابة. ووصل هذا الهوس إلى رغبته في تغيير أسماء مطربي المهرجانات حتى تتماشى مع قيمه الشخصية، لتتحوّل نقابة الموسيقيين بعهده، إلى جهة أخلاقية تفرض وصايتها على الموسيقيين.
وتفاءل البعض بعد مجيء مصطفى كامل خلفاً له، إذ بدا وكأنه أقل اهتماماً بـ"الأخلاق" وفرض الوصاية، فعقد اجتماعات عدة مع نجوم الراب والمهرجانات من أجل الوصول إلى اتفاقية تسمح لهم بالعمل مقابل شروط ورسوم. لكن هذه الخطوة لم تكن سوى مقدمة لموجة جديدة من فرض الوصاية على هؤلاء الشباب وجميع الموسيقيين في مصر، فازدادت قبضة النقابة على الحفلات، حتى جاء موسم الصيف الحالي باهتاً من دون حفلات جماهيرية كبيرة لنجوم الغناء، سواء في القاهرة، أو في الساحل الشمالي، الذي كان يعجّ بالفعاليات المتنوعة في المواسم الماضية.

الجميع متهم

أخطر ما تفعله نقابة الموسيقيين في الوقت الحالي، تعاملها مع جميع الموسيقيين بصفتهم متهمين حتى تثبت براءتهم. وقد أعطت لنفسها صفات أمنية وتخلت تماماً عن الأدوار الفنية أو حتى الاجتماعية. هكذا باتت تقتحم الحفلات وتوقفها لمراجعة التصاريح والحصول على رسوم إضافية. حصل ذلك في أكثر من حفل، ومنها احتفالية في اليوم العالمي لموسيقى الجاز في الجامعة الأميركية في القاهرة. تكرر ذلك عشرات المرات في الأشهر الأخيرة، إذ جاء تدخّل النقابة ضد مصلحة الفنانين في مختلف أزماتهم (أزمة أحمد سعد ونقابة الفنانين التونسيين على سبيل المثال)، ووصل الأمر إلى حد التدخّل في ملابس الموسيقيين في الحفلات، وتعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. وهو ما حصل مع مغني المهرجانات عمر كمال، بسبب فيديو على حسابه الشخصي، إلى جانب التحقيق مع المغني "كزبرة" لاستخدامه صورة للراحل أحمد زويل في فيديو كليب له، علماً أن كل ما سبق من خارج اختصاص النقابة أساساً.
تضع طريقة نقابة الموسيقيين القاسية والجافة، الفنانين المصريين في موضع تهديد دائم، إذ يرون أنفسهم معرضين للإيقاف عن العمل والتحقيق في أي وقت ولأي سبب، إلى جانب فتح شاشات الفضائيات للهجوم عليهم من قبل النقيب أو أعضاء النقابة. حتى إن مصطفى كامل أنشأ أخيراً لجنة جديدة للتحري والبحث عن تاريخ المطربين الأجانب قبل السماح لهم بالغناء، ما أدى إلى إلغاء سلسلة من الحفلات لفنانين وموسيقيين عالميين.

الأرباح للنقابة والخسائر للفنانين والنقابة

يفاخر أعضاء نقابة الموسيقيين بزيادة أرباحها وإيراداتها في الفترة الأخيرة، يحصل ذلك في ظل انكماش سوق الحفلات في مصر بسبب زيادة الرسوم والضرائب، ما قد يزيد الضغوط على النقابة مستقبلاً ويجعلها تخسر ما حققته في حال توقف الحفلات في مصر.
تلجأ النقابة إلى طرق مختلفة لزيادة الإيرادات خارج الحفلات، مثل فرض رسوم على نشاط الفنانين خارج مصر. حدث ذلك مع المغني عمر كمال أيضاً الذي اضطر إلى دفع مبلغ 50 ألف جنيه مقابل حفلاته في الخارج، أو فرض غرامات على تصرفات الفنانين، مثل فرض غرامة 50 ألف جنيه على مغني الراب عفروتو ومروان موسى وغيرهما، وأخيراً إجبار الفنانين على التبرع للنقابة. وقد اعترف مصطفى كامل بإجباره مطربي المهرجانات على التبرع من أجل تجديد مبنى النقابة، فاستطاع جمع ما يقارب نصف مليون جنيه منهم.
على الضفة الأخرى، يعاني سوق الحفلات في مصر من خسائر بالجملة، منها ما كشفته الشركة المنظمة لحفل مغني الراب الأميركي ترافيس سكوت، الملغى بقرار النقابة. إذ كشفت أنها تكبدت خسائر تصل إلى 300 مليون جنيه، بالإضافة إلى إلغاء ما يقارب 10 حفلات مستقبلية بسبب قرارات النقابة، ويأتي ذلك بالتزامن مع الضرائب المتزايدة على أسعار تذاكر الحفلات ــ خارج رسوم النقابة التي قد تزيد على 200 ألف جنيه عن الحفل الواحد ــ وتفقد التذكرة ما يقارب 40 في المائة من قيمتها لصالح الضرائب، وهو ما يفسر سبب ارتفاع أسعار التذاكر الجنوني للحفلات وقلة عددها في الفترة الأخيرة.

نتيجة لكل ذلك، بات النشاط الموسيقي في مصر محصوراً بالمهرجانات التي تنظمها الدولة ووزارة الثقافة، وتحصل على ميزة الإعفاء الضريبي وعدم قدرة نقابة الموسيقيين على التحكم بها، مثل مهرجان مدينة العلمين أخيراً، المهرجان الوحيد الذي استطاع إقامة حفلات لنجوم كبار في الساحل الشمالي، مثل إليسا ونانسي عجرم وراغب علامة وويجز، ومثل مهرجان القلعة للموسيقى والغناء السنوي، الذي يأتي بتذاكر مدعومة موجهة للجمهور العام في القاهرة، وارتفعت أيضاً تذاكره من 20 جنيهاً للفرد، العام الماضي، إلى 60 جنيهاً في 2023، ما حوّل نشاط حضور الحفلات في مصر إلى حدث نادر ومقتصر على طبقة معيّنة.

المساهمون