نظرة على أهم الأفلام الفائزة في ختام أيام قرطاج السينمائية بدورتها الـ35

22 ديسمبر 2024
من فيلم "الذراري الحمر" للمخرج التونسي لطفي عاشور (يوتيوب)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت الدورة الـ35 لأيام قرطاج السينمائية تألقاً للسينما التونسية، حيث فاز فيلم "الذراري الحمر" للطفي عاشور بالتانيت الذهبي، و"اللعنة" لبثينة علولو بجائزة أفضل فيلم للسينما الواعدة، و"ثنية عيشة" لسالمة الهبي كأفضل فيلم تونسي قصير.

- فيلم "الذراري الحمر" يعالج مأساة إنسانية في جبال المغيلة بتونس، مسلطاً الضوء على العنف وتأثيره النفسي، مع نقد لإهمال السلطات للمناطق المهمشة، من خلال أسلوب يجمع بين الواقعية والشاعرية.

- فيلم "عايشة" للمخرج مهدي برصاوي يستكشف قضايا الهوية والتحرر في تونس ما بعد الثورة، من خلال قصة آية التي تتحول إلى "أميرة"، ويعكس التوترات بين هويتها القديمة وآمالها الجديدة، وفاز بجائزة أفضل تركيب.

حصدت السينما التونسية جوائز بارزة عدة في حفل ختام الدورة الـ35 لأيام قرطاج السينمائية، التي استمرت ثمانية أيام عُرِضت خلالها 218 فيلماً من 21 دولة، إذ فاز فيلم "قاعة الانتظار" للمخرج معتصم طه (فلسطين) بجائزة الجمهور، بينما تقاسم "سلمى" لجود سعيد (سورية) و"الذراري الحمر" للطفي عاشور (تونس) جائزة الجمهور للفيلم الروائي الطويل.

المتوّجون في أيام قرطاج السينمائية

في فئة أفضل الأفلام السينمائية ضمن مسابقة أيام قرطاج السينمائية، حصل فيلم "اللعنة" لبثينة علولو (تونس) على جائزة أفضل فيلم للسينما الواعدة، وفاز "ثنية عيشة" لسالمة الهبي بجائزة أفضل فيلم تونسي قصير، بينما حصل "لون الفسفاط" لرضا التليلي على جائزة أفضل فيلم وثائقي طويل تونسي. وفي مسابقة الأفلام الوثائقية القصيرة، نال "الأيام الأخيرة مع إليان" لمهدي الحجري (تونس) جائزة التانيت الذهبي، فيما حصل "فريحة" لبدر يوسف (اليمن) على التانيت الفضي. أما في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، فاز "عمل فدائي" للمخرج كمال الجعفري (فلسطين) بجائزة التانيت الذهبي.

على صعيد الأفلام الروائية، حصل "بعد ذلك لن يحدث شيء" لإبراهيم عمر (السودان) على التانيت الذهبي في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، بينما نال فيلم "أحلى من الأرض" لشريف البنداري (مصر) التانيت الفضي. وفي مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، حصل "الذراري الحمر" للطفي عاشور (تونس) على التانيت الذهبي، في حين حصل "البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو" لخالد منصور (مصر) على تنويه خاص من لجنة التحكيم.

بالنسبة لجوائز أيام قرطاج السينمائية للأداء الفني، فاز سامي لشعة بجائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم "الاختفاء" (الجزائر)، وحصلت سولاف فواخرجي على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في "سلمى" (سورية). وجائزة أفضل سيناريو كانت من نصيب بودي أسيانبي عن فيلم "الرجل مات" (نيجيريا)، بينما حصل هاني عادل على جائزة أفضل موسيقى عن فيلم "أرزة" (لبنان)، ونال مصطفى الكاشف جائزة أفضل صورة عن فيلم "القرية المجاورة للجنة" (الصومال). وفي الجوائز الخاصة، حصل فيلم "هانامي" لدنيس فرنانديز (الرأس الأخضر) على جائزة العمل الأول، بينما نال فيلم "دمبا" (السنغال) التانيت البرونزي.

الذراري الحمر.. الإرهاب يسكن الجبل

فيلم "الذراري الحمر" للمخرج التونسي لطفي عاشور يسلّط الضوء على مأساة إنسانية قاسية، تجمع بين العنف المروع والصمود الإنساني. تدور أحداث الفيلم في جبال المغيلة بتونس، حيث يجد الفتى الراعي أشرف (علي هلالي) نفسه في مواجهة مباشرة مع إرهاب لا يرحم. تبدأ القصة حين يذهب أشرف مع ابن عمه نزار في رحلة عادية لرعي الأغنام، ولكن حياتهما تنقلب رأساً على عقب عندما يتعرضان لهجوم من قبل مجموعة جهادية. يُقتَل نزار بوحشية، ويُترَك أشرف حاملاً رأس ابن عمه المقطوع ليعود به إلى القرية في رسالة تهديد مروعة.

يعتمد عاشور في فيلمه، الذي حصل في أيام قرطاج السينمائية على جائزتي الجمهور للفيلم الروائي الطويل والتانيث الذهبي في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، على أسلوب سينمائي يوازن بين الواقعية القاسية والشاعرية المؤثرة. المشاهد الأولى التي تصور البراءة والهدوء سرعان ما تتحول إلى لحظات صادمة مليئة بالرعب. المخرج لا يتجنب عرض العنف بصورته الحقيقية، لكنه في الوقت نفسه يحافظ على حساسية تجاه الشخصيات ومعاناتها، مما يجعل المشاهد يعيش التجربة النفسية لأشرف بشكل عميق. الفيلم لا يقتصر على توثيق العنف فقط، بل يتعمّق في الأثر النفسي لهذا العنف على أشرف، الذي يجد نفسه وحيداً في مواجهة صدمة تفوق عمره الصغير. يُظهِر الفيلم كيف تتعامل المجتمعات الريفية مع مثل هذه المآسي، وسط غياب الدعم المؤسسي وتجاهل السلطات. يعاني أشرف من العزلة النفسية، حيث يجد صعوبة في التعبير عن ما شهده، وهو ما يعكس حالة من الضياع والانفصال عن المحيطين به.

ويمزج عاشور بين المشاهد الواقعية والتصورات الحلمية التي تجسد الصراع الداخلي لأشرف. يعود نزار في ذكريات وأوهام أشرف، مما يضيف أبعاداً نفسية معقدة لشخصيته. تصميم المشاهد البصرية وتصوير الطبيعة التونسية القاسية يعكس التناقض بين جمال الطبيعة ووحشية الأحداث التي وقعت فيها، بينما يعزز تصميم الصوت من التأثير النفسي والتوتر الدرامي في الفيلم.
ولا يكتفي الفيلم بسرد القصة الفردية لأشرف، بل يقدم نقداً واضحاً لإهمال السلطات للمناطق المهمشة في تونس وتجاهل معاناة ضحايا الإرهاب. يظهر الفيلم كيف تعيش هذه المجتمعات تحت وطأة التهديدات المستمرة، بينما يكافح السكان من أجل البقاء وسط غياب الدعم والعدالة.

"عايشة": رحلة تحرر وهوية في مواجهة مجتمع متغير

فيلم "عايشة" للمخرج مهدي برصاوي يستكشف قضايا الهوية، والحرية، والتحولات الاجتماعية في تونس ما بعد الثورة. الفيلم يعكس الصراعات الداخلية والخارجية لشابة تُدعى آية، تتحوّل قصتها من حياة مليئة بالقيود والواجبات العائلية في مدينة توزر، إلى رحلة لإعادة اكتشاف الذات وسط التعقيدات الحضرية في العاصمة تونس. آية، التي تعمل خادمة في فندق فاخر لدعم أسرتها، تجد نفسها عالقة في دائرة من الروتين الممل والمطالب العائلية المتزايدة. حياتها تنقلب رأساً على عقب بعد حادث سير مروع يتيح لها فرصة الهروب من ماضيها والانطلاق بهوية جديدة تُسمى "أميرة". تتحوّل رحلتها إلى مسار معقد بين التحرّر الشخصي، واكتشاف تحديات جديدة في المدينة الكبيرة، حيث تصبح شاهدة على جريمة بوليسية تهدد بتعريض حياتها للخطر.

يلتقط
برصاوي ببراعة التوترات التي تعيشها آية بين هويتها القديمة والآمال التي تحملها هويتها الجديدة. من خلال عدسة سينمائية تجمع بين الواقعية والشاعرية، ينقل الفيلم إحساس العزلة والصراع النفسي في مدينة توزر، والتي تتحوّل إلى مشهد منفتح ومليء بالحيوية عندما تنتقل القصة إلى تونس العاصمة. هناك، تتغير ديناميكية الكاميرا لتمنح مساحة أكبر لاكتشاف بيئتها الجديدة، مما يعكس التباين بين عالمها القديم والمستقبل الذي تطمح إليه. الأداء التمثيلي لفاطمة صفر، التي تؤدي دور آية/أميرة، هو قلب الفيلم. تنقل من خلال تفاصيل دقيقة في تعبيراتها وتحركاتها التحولات التي تمر بها الشخصية. تحوّلها من فتاة مقيدة بقيود اجتماعية صارمة إلى امرأة تسعى لتحقيق حريتها ما يعكس بصدق تعقيدات الرحلة الإنسانية.

ويتميز الفيلم باختيار بصري مدروس يعزّز القصة. الألوان الدافئة التي تميز المشاهد في مدينة توزر، مع التركيز على الألوان الرملية والصفراء، التي تعكس الإحساس بالقيود والخمول الذي يحيط بحياة آية هناك. وعندما تنتقل القصة إلى تونس، تتحول الألوان إلى نغمات باردة ومظلمة، مع سيطرة اللونين الأزرق والأخضر، مما يعكس الغموض والمخاطر التي تكتنف حياتها الجديدة. وعلى الرغم من عمق القضايا التي يتناولها الفيلم، يعاني "عايشة" أحياناً من تشتت في السرد، خاصة في التحوّل بين كونه دراما شخصية وقصة إثارة بوليسية. بعض اللحظات الدرامية تفقد قوتها بسبب غياب السياق الكافي، مثل المشهد المؤثر الذي تلتقي فيه آية بعائلتها بعد غياب. هو فيلم يطرح تساؤلات حول معاني الحرية والهوية في ظل التغيرات السياسية والاجتماعية. رغم العيوب البسيطة في السرد، فاز بجائزة أفضل تركيب في ختام أيام قرطاج السينمائية.

"إلى أرض مجهولة.. حكايات اللاجئ الفلسطيني بين الواقع والخيال

في فيلم "إلى أرض مجهولة"، ينقل المخرج مهدي فليفل تجربة المنفى بتفاصيلها النفسية والاجتماعية، مستخدماً لغة سينمائية تستند إلى التناقضات بين الواقع والرمزية، الحلم واليأس. الفيلم، الذي يُعتبر نقلة نوعية في مسيرة فليفل، يتناول حكاية شاتيلا ورضا، شابين فلسطينيين من مخيمات اللاجئين في لبنان، يجدان نفسيهما في متاهة حضرية في أثينا، حيث يصبح البحث عن وطن بديل تجربة شخصية عميقة ومؤلمة. يقدم الفيلم، الذي حاز على التانيت الفضي في الدورة الـ35 لأيام قرطاج السينمائية، تجربة سردية تُثقلها المشاعر؛ فالمنفى هنا ليس مجرد واقع مكاني بل حالة ذهنية تستنزف الشخصيات، تتجسد في أزقة أثينا الضيقة وأضوائها الخافتة، التي تعكس ضيق الأفق. شاتيلا الجاد والغاضب يمثل الالتزام وسط الفوضى، بينما رضا الحالم والمتردد يعبر عن الانكسار الذي يصاحب رحلة البحث عن الأمل. العلاقة بين الشخصيتين ترسم ثنائية التحدي والاستسلام، ما يضفي على العمل طابعاً إنسانياً يتجاوز البعد السياسي.

يعتمد فليفل في تصويره على كاميرا 16 ملم لتقديم نسيج بصري يحمل خشونة الحياة اليومية. أثينا تتحول إلى شخصية صامتة، مدينة تضيق بالشخصيات كما تضيق أحلامهم؛ المباني المهجورة والأزقة المهترئة تصبح امتداداً لعالم نفسي مثقل بالخيبات. الإضاءة الطبيعية والتصوير البسيط يمنحان الفيلم شعوراً حقيقياً، يجعل المُشاهد يعيش داخل التجربة لا أمامها فقط. كما يعكس الفيلم أسلوب فليفل الذي يجمع بين السيرة الذاتية والخيال. شاتيلا ورضا ليسا مجرد شخصيات، بل هما مرايا لتجربة جماعية ولحكايات آلاف اللاجئين الذين صادفهم المخرج في رحلته الفنية. يضيف المزج بين عناصر الخيال والواقع بُعداً تأملياً على الفيلم، يجعل المشاهد يتساءل عن الحدود بين الحقيقة والمجاز، وعن الدور الذي يلعبه الفن في توثيق التجارب الإنسانية.

وساهم الأداء التمثيلي القوي لكل من محمود بكري وآرام صباح في تعزيز واقعية الفيلم. شخصياتهما تبدو حقيقية بتناقضاتها وانفعالاتها، في حين أن اختيار الممثلين من دول مختلفة يعكس تفاني فليفل في تقديم تمثيل أصيل لقضية اللاجئين. الديناميكية بين شاتيلا ورضا تلقي الضوء على التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهانها، وتمنح الفيلم عمقاً درامياً نادراً. ويتأثر أسلوب فليفل بأعمال أدبية مثل "رجال في الشمس" لغسان كنفاني و"من الفئران والرجال" لجون شتاينبك. الرمزية التي استعملها كنفاني في تصوير معاناة الفلسطينيين بعد النكبة تتردد في رمزية أثينا كمدينة تمثل الضياع. أما ديناميكية العلاقة بين شاتيلا ورضا فتستدعي إلى الأذهان العلاقة بين جورج وليني في رواية شتاينبك، حيث يتجلى الصراع بين القوة والهشاشة في رحلة البحث عن الحلم.

المساهمون