ناشرون مصريون خلف القضبان

21 نوفمبر 2021
ألقي القبض في السنوات الأخيرة على أبرز الناشرين المصريين (ماركو لونغاري/فرانس برس)
+ الخط -

منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، جددت الدائرة السابعة جنايات الجيزة حبس الناشر المصري يحيى خلف الله محمد، مؤسس دار يقين للإنتاج والتوزيع، مدة 45 يوماً جديدة بتهم "الانضمام إلى جماعة إرهابية وترويج أفكارها" و"نشر أخبار كاذبة". لتكون هذه هي المرة الثالثة التي توجّه الاتهامات نفسها لمدير مؤسسة يقين الإعلامية للإنتاج والتوزيع منذ القبض عليه للمرة الأولى عام 2015.

هذه المرة جاء في اتهام النيابة العامة المصرية أن محمد "انضم إلى جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها. ونشر أخبار كاذبة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد بقصد تكدير السلم العام في إطار أهداف جماعة الإخوان والترويج لأغراض الجماعة، التي تستهدف زعزعة الثقة في الدولة المصرية ومؤسساتها".

ما يحصل مع يحيى خلف الله محمد يشبه حال باقي الناشرين المحتجزين في السجون المصرية. فهذا ما يحصل مع  الناشط المصري والاقتصادي المخضرم عمر الشنيطي، صاحب سلسلة مكتبات "ألف"، التي أغلقت فروعها بالكامل عام 2019، (37 مكتبة) في 10 محافظات في جمهورية مصر، وتمتلك فرعاً في المملكة المتحدة.

ولم يكتفِ القضاء بقرار التحفظ على المكتبات وإغلاقها فقط، بل ألقي القبض على عمر الشنيطي، المحلل الاقتصادي البارز وصاحب المكتبة، من منزله يوم 25 يونيو/حزيران 2019، وسجن على ذمة التحقيقات التي تجريها نيابة أمن الدولة العليا في القضية رقم 930 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، والمعروفة إعلامياً بـ"تحالف الأمل".

كانت مكتبات "ألف" منارة علمية حقيقة في مصر، ومنصة ثقافية مستقلة غير تابعة لأي حزب ديني أو سياسي، وتتميز بالتنوع الثقافي حيث تمتلك العديد من الكتب الأدبية والتاريخية والدينية والسياسية، وتتعامل مع أكثر من 400 دار نشر وتوظف عدداً كبيراً من المصريين.

في الإطار نفسه، لدينا قضية الناشر المصري خالد لطفي، مؤسس دار تنمية، المحكوم عليه عسكريًا بالسجن خمس سنوات مع الشغل والنفاذ بتهمتي "إفشاء أسرار عسكرية، وإذاعة أخبار وبيانات ومعلومات كاذبة"، وذلك لنشره طبعة مصرية من كتاب المؤرخ الإسرائيلي يوري بار جوزيف، والمعنون في ترجمته للعربية بـ"الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل".

وتعود وقائع القضية إلى سبتمبر/أيلول عام 2017، حين اقتحمت قوة من المصنفات الفنية دار تنمية، وألقت القبض على أحد العاملين بالدار بحجة مخالفة معايير النشر بنشرها وتوزيعها الكتاب المذكور. وعلى أثر الواقعة، أتلف مسؤولو تنمية 2000 نسخة، وهي مجمل المطبوع من الكتاب محل الخلاف. وكانت "دار تنمية" قد طبعت بالاتفاق مع الدار العربية للعلوم في لبنان، صاحبة امتياز ترجمة الكتاب للعربية، نسخة منه في مصر، ليكون سعرها في متناول القارئ المصري، وهو الاتجاه الذي لجأت إليه العديد من دور النشر في مصر بعد ارتفاع أسعار الدولار.

ولا يمكن الحديث عن ناشرين دفعوا ثمن المعرفة في مصر من دون الإشارة إلى فترة حبس الناشر والباحث والصحافي هشام جعفر، رئيس مجلس أمناء مؤسسة مدى للتنمية الإعلامية، الذي بقي في السجن أكثر من أربع سنوات، وتحديداً منذ القبض عليه في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2015 حتى إخلاء سبيله في 27 مارس/آذار 2019، بعد اتهامه بـ"الانضمام لجماعة محظورة وتلقي رشوة دولية".

قضى هشام جعفر فترة حبسه في سجن العقرب وسط ظروف بائسة، وأمضى الأشهر الأخيرة من حبسه رهن الحبس الانفرادي، حيث لم يسمح له بالتريض خارج زنزانته. وبين الحين والآخر، كان يسمح له حراسه بالمشي في الممر داخل الجناح الذي يحتجز فيه فترة تتراوح بين 30 و60 دقيقة.

الوحيد الذي نجا من دوامات الحبس المطول والأحكام الجائرة، والتدوير على ذمة أكثر من قضية، هو الناشر المصري والصحافي الاقتصادي مصطفى صقر، مؤسس شركة "بيزنس نيوز" ورئيس تحرير جريدة "البورصة" الخاصة. لكنّ قراراً صادراً عن القضاء في 5 ديسمبر/كانون الأول 2016 أمر بالتحفظ وتجميد أرصدته وحساباته وممتلكاته مع آخرين بدعوى انتمائهم إلى جماعة الإخوان المسلمين. وأوكلت لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان ملف إدارة صحيفتي "البورصة" وDaily News Egypt إلى مؤسسة "أخبار اليوم". ولم تكتفِ السلطات المصرية بمصادرة الأموال والتحفظ على الممتلكات ونقل تبعيتها إلى مؤسسة حكومية مصرية، بل عادت وقررت إلقاء القبض عليه في 12 إبريل/نيسان 2020، واقتياده إلى أحد مقار الأمن الوطني، ثم نقله إلى مقر نيابة أمن الدولة العليا في اليوم نفسه، حيث قررت حبسه على ذمة القضية رقم 1530 حصر أمن دولة عليا، بعدما وجهت إليه اتهامات بالانضمام إلى جماعة لم يتم تحديد هويتها.

وظل الناشر مصطفى صقر في السجن نحو عام، قبل أن يخلى سبيله في مارس/آذار 2021، قبيل انتخابات مجلس إدارة نقابة الصحافيين المصرية.

المساهمون