"مِعزَف"... أغنيات فلسطينية تُكمل المعنى

12 ديسمبر 2023
تضمّن البرنامج أغنيات شعبية فلسطينية يعود تاريخها إلى ما قبل النكبة (ملتقى السفير)
+ الخط -

تخطّى العدوان الصهيوني على غزّة شهره الثاني، مكملاً جريمته بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، ليتجاوز عداد الشهداء الـ18 ألفاً، فيما يبقى عشرات الآلاف مجهولي المصير. تلك الإبادة الجماعية، لا تلحق بالبشر فحسب، فالتدمير طاول معالم غزّة الأثرية والثقافية، في سعي واضح إلى طمس الهوية التاريخية والحضارية لقطاع غزّة. وفي إطار مقاومة هذا المحو الثقافي الممنهج، وتكريس فعل ثقافي دائم يسعى إلى حفظ الذاكرة الفلسطينية وإرث شعبها، أطلقت مبادرة "مِعزَف"، بالشراكة مع ملتقى السفير في بيروت، فعالية بعنوان "فلسطينيّ - فلسطين حرّة تكمل المعنى".
حول الفعالية، تقول أريج أبو حرب؛ العضو المؤسس في "مِعْزَفْ": "هدف الفعالية هو طرح أسئلة للنقاش وتحفيز التفكير والخيال الجمعي حول المفاهيم الثقافية والموسيقية المرتبطة بفلسطين، التي تكمل المعنى كجزء من المنطقة ككل، ومن بلاد الشام بشكل خاص". يتوافق هذا الطرح والتوجّه العام لأنشطة "مِعزَف" كمبادرة موسيقية ثقافية تهتم، بحسب أبو حرب، بتعريف "ماهية الأصيل في الموسيقى المشرقية والإضاءة على التغييرات التي طرأت عليها تاريخياً، وارتباطها بالهوية الثقافية، إضافةً إلى البحث عن كيفية تقديم الموروث الموسيقي بتوظيفه ضمن الحياة المعاصرة، وتطويره خارج المنظور المتحفي".
في السابع عشر من الشهر الماضي، ووفق فعالية "فلسطيني"، نظّمت "مِعزَف" في فضاء ملتقى السفير، أمسية موسيقية من الموروث الشعبي الفلسطيني، وأتبعتها بعد أيام بنقاش حول الموروث الموسيقي في فلسطين. الأمسية الموسيقية كانت الأولى في سلسلة بعنوان "جلسات"، تضمّ مجموعة من الموسيقيين الشباب، هم حسن حميّة (كمنجة)، وأسامة العلي ورنيم البزري (ايقاع)، ورنا زيدان (غناء)، وحمزة حميّة (قانون)، ومحمد العاصي (عود وغناء)، وبهاء الجمعة (ناي)، ووائل فرغاوي (عود)، والثلاثة الأخيرون هم أعضاء في "مِعزَف".
تضمّن برنامج الأمسية أغنيات شعبية فلسطينية، يعود تاريخها إلى ما قبل النكبة، مروراً بتطوّراتها حتى يومنا. حول خيارات الأغنيات، يقول بهاء الجمعة: "قبل السابع من أكتوبر، كنّا كمجموعة في مسار موسيقي ضمن القوالب المشرقية التقليدية من سماعيات وبشارف وموشحات وطقاطيق. اليوم، تحوّلنا إلى تقديم أغنيات من التراث الفلسطيني بما يعبّرعن هذه المرحلة". يضيف: "نواجه تحديّات في عملية البحث عن الأغنيات بسبب تنوّع التسجيلات الموسيقية الغنائية بأنماط بعيدة عن أصالتها، وبسبب قلّة المصادر التي توثّق بدقّة تاريخ تلك الأغنيات، إضافة لتنوّع القصص من مصدر إلى آخر".


ولأن الموروث الشعبي يحمل إمكانية تعديل كلماته بحسب مجريات التاريخ، وضعت المجموعة بعض التعديلات بما يتناسب أكثر مع الواقع الفلسطيني اليوم. فتغنّي رنا زيدان "الحريّة بدها كفاح بالحجر والسلاح؛ شعبي بيعلا عالجراح لينال الحريّة/ اجمع جيشك جند وعسكر، عزيمتنا ما بتتكسّر؛ خلّي عينك على المنظر من بعد العملية/ شعبي إيده عالزناد؛ بيكتب للعزّة أمجاد، بدنا تتحرّر البلاد من الميّه للميّه". ويشاركها زملاؤها بترداد اللازمة "يا حلالي ويا مالي"، وفق القالب المعروف لدى التراث الفلسطيني المغنّى. كلمات هذه الأغنية، مثلاً، كتبها وائل فرغاوي كتحية للمقاومة في غزّة.
ويشدّد فرغاوي، في الوقت نفسه، على أهمية الاشتباك الثقافي قائلاً: "جزء من الاشتباك الثقافي هو أن نشارك في الحدث بحد ذاته، أو أن نساهم به من زاوية موازية، إنما في سياق التحرر من الاحتلال، سواء بالموسيقى أو بغيرها".
ليست هذه المرّة الأولى التي يعمل بها أفراد المجموعة على جمع الأغنيات التراثية الفلسطينية. فقد سبق أن عملوا على توثيق أغنيات عن لسان معمّرات عاصرن النكبة وأعادوا تسجيلها في مشروع يرى النور قريبا. المشروع التوثيقي ذلك كان بالتعاون مع "مِعزَف" بإشراف فني من أحد أعضائها المؤسسين، وهو المؤلف والباحث الموسيقي غسان سحّاب، الذي بدوره أجرى جلسة النقاش ضمن فعالية "فلسطيني" بتاريخ العشرين من الشهر الماضي.

موسيقى
التحديثات الحية

قدّم سحّاب الجلسة بتعريف الموروث الشعبي، "فهو مرتبط برصيد موسيقي ليس بالضرورة أن يحمل فرديّة معينة إذ يتمّ تناقله بشكل جماعي شفهيا من جيل إلى جيل". وتطرق سحّاب إلى الموروث الشعبي الفلسطيني، باعتباره ليس منفصلاً عن الموروث الشعبي في بلاد الشام.
تبع ذلك نقاش استمرّ لساعتين. جزء منه جاء بتحفيز من أعضاء "مِعزَف"، وهي نقاشات خاضوها داخلياً تتعلق بتغيرات الموروث، ما يبقى منه ويتمّ توثيقه، واحتمالات ضياعه، ومن يحفظ الموروث ومن ينقله، وغيرها من الطروحات.
تجدر الإشارة إلى أن أنشطة "مِعزَف" العامة تشمل أيضاً ورش تدريب وتمكين موسيقية، ودروس موسيقى، وتشبيكاً مع صنّاع آلات التخت الشرقي ومع الباحثين في مجال الموسيقى المشرقية.

أمّا المحطة القادمة من فعالية "فلسطيني"، فستكون أمسية موسيقية جديدة مع "جلسات" في مدينة طرابلس شمالي لبنان، بتاريخ الجمعة 15 ديسمبر/كانون الأول الحالي، عند السابعة مساءً في "ستيريو كواليس"، وبالشراكة مع "رمّان"، على أن يتبعها المزيد من الأمسيات والنقاشات التي ستحدد مواعيدها لاحقاً.

المساهمون