ميسي ورونالدو: صراع الصورة والإعلان

09 يناير 2023
يتفوق رونالدو على ميسي في مواقع التواصل الاجتماعي (خوسيب لاغو/فرانس برس)
+ الخط -

خلال أكثر من 15 عاماً، عاش عالم كرة القدم صراعاً واحداً، بدت خلفه كل الصراعات ثانوية: مَن أفضل لاعب في العالم، الأرجنتيني ليونيل ميسي، أم البرتغالي كريستيانو رونالدو؟ انقسمت الجماهير بين معسكرَين، وبينما يعتبر نقاد ومعلقون أن المعركة حُسمت أخيراً بفوز ميسي بكأس العالم مع منتخب الأرجنتين خلال المونديال الذي أقيم في قطر الشهر الماضي، يبدو أن معركة أخرى لا تزال نتائجها تنتظر الحسم: مَن النجم التجاري الأكثر تأثيراً بين اللاعبَين؟ هنا يبدو الجواب أكثر تعقيداً.
نبدأ من "إنستغرام" التي تعتبر حتى اليوم المنصة الأساسية للترويج لصورة المشاهير وسمعتهم وأعمالهم، وخصوصاً الفنانين والرياضيين. هنا يتربّع رونالدو على عرشه منفرداً، ليكون صاحب الحساب الأكثر متابعة في العالم مع 529 مليون متابع، مقابل 415 مليوناً يتابعون ميسي. هذا الفارق الكبير يترجم بفارق كبير أيضاً بالمدخول المالي الذي تؤمنه المنصة للاعبين، وبحجم التأثير في المتابعين، والقدرة على جذب المعلنين. 
لماذا هذا الفرق الشاسع بين اللاعبين؟ يحلل موقع ذا أثليت التابع لصحيفة نيويورك تايمز ذلك، وينقل عن الخبير في التسويق الرياضي قوله إن "المهارة في لعب كرة القدم ليست العامل الوحيد الذي يؤخذ بالاعتبار لبناء علامة تجارية عالمية، بل إن الشركات (المعلنين) والمستهلكين يريدون تكوين فكرة عن اللاعب بصفته الشخصية بعيداً عن الملعب". ويشرح الفرق بين اللاعبين: "ميسي غزا العالم الناطق بالإسبانية... لكن مع العالم الناطق باللغة الإنكليزية، فإنّ أغلب المتابعين سيقولون إنهم لا يعرفون ميسي الإنسان، لا ميسي لاعب كرة القدم". وهو ما يمكن أن يبدو منطقياً، وخصوصاً إذا ما أخذنا بالاعتبار أن اللاعب الأرجنتيني لا يتكلم الإنكليزية، على عكس منافسه البرتغالي الذي ينشر الكثير من صوره وفيديوهاته مع تعليقات بالإنكليزية، التي اكتسبها بعد سنوات أمضاها في نادي مانشستر يونايتد الإنكليزي، فأتقن جيداً اللغة التي تعتبر اللغة العالمية للتسويق والإعلان والتجارة حالياً.


في حديثه مع "ذا أثليت"، يقارن أستاذ الرياضة والاقتصاد الجيوسياسي في كلية SKEMA للأعمال في فرنسا بين مسيرة اللاعبين في عالم الأعمال والإعلان، قائلاً: "رونالدو بدأ بالبحث عن كسب الأموال بعيداً عن الملعب قبل سنوات من دخول ميسي هذا المجال التجاري". ويعطي مثالاً واضحاً على العمل الذي قام به اللاعب البرتغالي وفريقه الإعلاني لخلق صورة شعبية وتجارية له بأنه "في صيف عام 2009 عندما تأكد خبر انتقال رونالدو بمبلغ كبير من مانشستر يونايتد الإنكليزي إلى ريال مدريد الإسباني، انتشرت صورته وهو يحتفل في لوس أنجليس مع واحدة من أشهر الوجوه في العالم وقتها، أي باريس هيلتون. بعد الانتشار الهستيري للصورة، انتشرت أخبار عن أن التصوير ونشر الصور والفيديوهات كان مرتباً لأغراض التسويق".

مقابل هذه الصورة الجامحة للشاب البرتغالي الشهير، ظهر ميسي منذ البداية كرجل عائلة، واقتصرت الصور التي ينشرها على صوره مع زوجته أنتونيلا روكوزو وأبنائهم الثلاثة الصغار تياغو وماتيو وسيرو، "كان مسار ميسي طويلاً وبطيئاً نحو عالم الإعلانات والصورة الاجتماعية". لكن المفارقة أنه عندما وصل ميسي إلى صورة معينة يقف خلفها فريق كامل، كان رونالدو قد بلغ القمة الإعلانية وبدأ يفكر في أن طبيعة علامته التجارية يجب أن تتغير. هنا اختار أن يكرّس نفسه كرجل عائلة مع شريكته جورجينا رودريغيز وأطفالهما، بعد ترسيخ صورته كنجم وبطل مثير وفائض الذكورة طوال أكثر من عقد.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Leo Messi (@leomessi)


هذه الحنكة في التنقل بين صورة العلامة التجارية لرونالدو، افتقدها ميسي خلال مسيرته. لكن هل يتغير الوضع بعد الفوز بكأس العالم، وانتقال رونالدو إلى نادي النصر السعودي، بعيداً عن الدوريات الأوروبية التي تعتبر الأكثر شعبية في العالم؟ وهل يستفيد ميسي من فارق السن البسيط بينه وبين رونالدو، ليعوّض تجارياً وإعلانياً مستفيداً من وجوده في باريس؟ 
العرض الخيالي الذي رافق انتقال رونالدو إلى "النصر" والانفجار الذي أحدثه في حسابات النادي السعودي على مواقع التواصل الاجتماعي، يكشفان أن الكرة لا تزال فعلياً في يد اللاعب البرتغالي، وأنّ أمام ميسي مجهوداً إضافياً ليتربّع على عرش الصورة التجارية في عالم الرياضة وكرة القدم، تماماً كما بات تربّعه على عرش اللعبة شبه محسوم.

المساهمون