مودوك... كي يعود العالم شريراً

27 يوليو 2021
يمثل مودوك الرجل في أزمة منتصف العمر (مارفل)
+ الخط -

لم يظهر مودوك في عالم "مارفل" السينمائي طوال السنين الماضية، رغم أنّه العبقري الذي يحلم بالسيطرة على العالم، مستخدماً ذكاءه القريب من الذي يمتلكه الرجل الحديدي؛ إذ بقي أسير الكرتون والكوميكس وأحلام المعجبين. فمودوك الموظف التقليدي، الذي تحول إلى مزيج من آلة ودماغ يطفو، يشكّل تهديداً لا يستهان به للبشريّة، فهو، حسب معنى اسمه (النظام العقلي، الحيوي، التقني، المتحرك، المصمم للقتل فقط) مدير شركة A.I.M التي تعمل يومياً للقضاء على أبطال مارفل، لكنّ الشاشة الكبيرة لم تستعد لجسد مودوك الصغير.
أخيراً، لبت "مارفل" رغبات المعجبين، إذ بثت شبكة "ديزني" هذا العام مسلسل الـ"ستوب موشين" Marvel's M.O.D.O.K، الذي يتناول حياة مودوك. وعكس التوقعات، كان أقرب إلى تراجيكوميديا منه إلى حكاية شرير يحاول السيطرة على العالم؛ إذ نشاهد مودوك وهو يفشل في تنفيذ خططه، ويخسر إدارة شركته. والأهم، أنّ عليه التعامل مع أسرته التي على وشك الانهيار.


يسخر مودوك من كلّ ما حوله حانقاً وغاضباً، خصوصاً بعدما تحول إلى موظف برتبة متدنّية. كما نكتشف لاحقاً، أنّ فشل خططه يعود إلى سبب تقني، فهو ينتمي إلى عصر كانت فيه أوامر الذكاء الاصطناعي أقل تعقيداً، فلا خوارزميات للهيمنة ولا محاولات لهندسة اجتماعية. مجرد أوامر تنتمي إلى نظام DOS. قد يبدو هذا التأويل متعجلاً، لكنّ مودوك خسر شركته لصالح واحد من شبان سيليكون فالي، المؤمنين بأهمية إصلاح الكوكب والصوابية السياسية، لنعلم لاحقاً أنّ المدير الجديد يحاول سرقة التكنولوجيا التي يمتلكها مودوك من أجل مخطط يتفوق على كلّ الاحتمالات التي يعمل مودوك على حسابها.
يمثل مودوك الرجل في أزمة منتصف العمر، إذ يكتشف أنّ حياته بلا معنى، بل يقرر أن يترك أسرته في سبيل تحقيق حلمه القديم، وأسطورته الشخصية، ألا وهي السيطرة على العالم، لكنّه مرفوض من قبل أقرانه، وكأنّه ينتمي إلى جيل أقدم، أقل شراً ربما من الأشرار المعاصرين، حتى أنّ الرجل الحديدي نفسه يسخر منه، ولا يراه خصماً يستحق أن يقف بوجهه.
مودوك هو نموذج للرجولة الموهومة بذاتها، التي لم تكتشف بعد مكانها، أحلام المراهقة ما زالت حاضرة لديه، وكأنّ حياته فاتته، ولا يدري كيف انتهى به الأمر مجرد موظف فاقد لأيّ سلطة في الشركة التي كان يقودها. وهنا نحن أمام نموذج عن طبيعة العمل في وادي السيليكون، حيث يلتهم العمالقة الجدد من هم قبلهم ويتركونهم لاهثين وراء أحلامهم التي تتلاشى تدريجياً. وهنا نكتشف أنّ مودوك، حقيقة، لا يسعى للسيطرة على العالم، بل استعادة مكانته كرجل وكشرير، وكشخص ذي هيبة وقيمة، تلك التي يرى أنّه فقدها بسبب انشغاله عن عمله بأسرته المتطلبة.
لا يوضح المسلسل الكثير عن تاريخ مودوك، ولا الحادث الذي تعرض له. لكن نكتشف ما هي رؤيته للعالم، إذ يريد أن يخلق يوتوبيا تتطابق معه، يوتوبيا أساسها الشر والسيطرة. لكن حتى تصوره هذا متهتك، فشركات المراقبة والتواصل الاجتماعي سبقته إلى ذلك، وهو إلى الآن لم يكتشف ما يحصل... إنّه أشبه بمن كان غافلاً عن العالم، ثم اكتشف فجأة ما يحصل من حوله. ويحاول أن يلحق عجلة الزمن التي دهسته. وهنا تظهر الكوميديا في المسلسل، ضمن محاولات نعلم أنّها فاشلة لشخص كان في يوم ما واحداً من أشد الأشرار تهديداً للكوكب.

المثير للاهتمام أيضاً، وبعيداً عن التقنيات التي وظفت لتصوير المسلسل، لتجعل حركة الشخصيات أكثر حيويّة، هو علاقة مودوك مع عالم "مارفل" وكأنّنا نشاهد بارودي عن أفلام ومسلسلات "مارفل" من دون أن يمس ذلك بالشخصيات الرئيسية التي نعرفها مسبقاً، حتى أنّنا لا نعلم من هو عضو الأفينجرز الذي قتله مودوك خوفاً من حقوق الملكية ومما تخبئه مارفل للمستقبل. هذا الوعي بأنّ ما يحصل هو جزء من عالم سينمائي يجعل مودوك أكثر سخرية من المعتاد، كونه يراهن على ما نعلمه نحن أيضاً من صراعات حول الملكية الفكرية لـ"مارفل".

وكيف يتم بناء الشخصيات واختيارها على أساس من يمتلك الشخصية لا دورها في الحكاية ضمن القصص المصوّرة، ما يجعل مودوك كوميديا تستحق المشاهدة، لا مجرد محاولة لإدخال شخصية جديدة إلى عالم "مارفل".

المساهمون