ينعدم شعورٌ بأنّ تظاهراتٍ سينمائية، تحصل في بيروت، فعلٌ يُقاوم، بالفن والثقافة، خراباً كبيراً يحصل فيها. انعدامُ شعورٍ كهذا ينبثق من خرابٍ آخر، يعتمل في نفسٍ وروح، مع أنّ بعض العقل يقتنع بأهمية فعلٍ كهذا، مزيلاً عنه مفردة "يُقاوم". انعدامٌ نابعٌ من ارتطام ذاتيّ بقعر الهاوية، ومن تحطّمٍ يُصيب جسداً وتفكيراً، ومن ألمٍ يُغيِّب عيشاً معقولاً في حدّه الأدنى.
لكنّ الفعل مطلوبٌ، وبعض التظاهرات دليلٌ على أولوية عملٍ على فعلٍ، يُقاوم أو لا يُقاوم. العمل مهنة، وتنظيم التظاهرات مهنةٌ، يُفترض بها أنْ تستمرّ في إنتاج حراكٍ فني ـ ثقافي، في بلدٍ يُكمِل انهياره رغم الارتطام بالقعر، ويستمرّ في قتل كلّ بارقة أمل، وكلّ لحظة انتعاش، وكلّ قناعة بالبقاء فيه. بلد غير مُتردِّد عن قتلِ فردٍ عاجزٍ عن الخروج منه، بل وقتل العجز أيضاً، لتجريد الفرد من كلّ شيءٍ، حتّى من عجزه، وهو مستسلمٌ إليه أصلاً.
تظاهرات كهذه تحاول أنْ تصنع توازناً، أو ما يُشبهه، في ذاتٍ وروحٍ وعقلٍ، وفي الوقت نفسه تُلبّي حاجة مؤسّسة وأفراد إلى عملٍ، جزءٌ منه امتدادٌ لمشروعٍ، أو بدايةً لمشروع. المهنة هنا تتمثّل بفنّ وثقافة، والتظاهرات السينمائية مهنةٌ وصناعة، يمضي منظّمون عديدون لها في تحسين أنشطةٍ وتنظيمٍ وإدارةٍ واختيارات. كورونا يحاول تغييب هذا، فالسلطة في البلد غير مؤهّلة لمواجهة الوباء، لانهماكها في مزيدٍ من النهب والفساد والتجويع والقتل، بالتعذيب والقهر، وبتغييب دواء وحاجات أساسية. السلطة في البلد ترى في نشاطٍ فنّي وثقافي، يُقام خارج سطوتها وسطوة الطائفة والقبيلة، حيزاً لتنفّس يُفترض به أنْ يكون طبيعياً، يستوجب محاربته بإغلاقٍ يُفرض على صالات وقاعات، تاركةً مطاعم ومقاهيَ وملاهيَ مفتوحة على انغلاقها القاتل.
لا إغلاق في البلد منذ فترة. هذا يُتيح لتظاهرات أنْ تُقام، مع محاولة غير متشدّدة لالتزام أصول التباعد الاجتماعي والسلامة الصحّية. التظاهرات السينمائية تجهد في جذب مُشاهدين، يرغبون في تواصل مع فيلمٍ في صالة. هذا مطلوبٌ، فلكلّ مُشاهد مزاجٌ يقوده إلى مُشاهدة فيلمٍ بالتقنية التي يعتبرها صالحة له. الصالة وسيلةٌ للمُشاهدة، يرنو إليها كثيرون، خصوصاً إنْ تكن معنية بأفلامٍ غير تجارية. أفلامٌ لبنانية تُعرض في صالات تجارية أمام قلّة، وأفلام أبطال "خارقين" تملأ صالاتٍ كهذه.
أما التظاهرات السينمائية، فتحافظ غالباً على نسبةٍ معقولة من مشاهدين يعتادونها سابقاً وحالياً. لكنّ تحويل مهنة تنظيم التظاهرات إلى فعلٍ "يُقاوم" وينشد حياةً في مدينة ميّتة، يُثير نفوراً، لأنّ فعل المقاومة يؤدّي إلى انتصارٍ، كما يُتوقّع غالباً، بينما تظاهرات سينمائية، وفنية وثقافية، غير قادرة على جذب عددٍ أكثر، ولو قليلاً، من جمهورها المعتاد، وغير هادفةٍ أصلاً إلى مقاومة ظالمٍ وناهبٍ وفاسدٍ، وغير ناشدةٍ انتصاراً على سلطة ونظام يحكمان ببطش الناس وترهيبهم، وبلامبالاة كلّية بأناسهما أساساً، وغير متمكّنة من أي انتصار.
تظاهرات كهذه حاجة، فمهتمّون عديدون بها يرونها توازناً، ولو متواضعاً، في حياة يومية لهم، في مدينة الخراب العظيم.