"مهرجان طرابلس للأفلام 10": افتتاح سينمائي فلسطيني

20 سبتمبر 2023
"عَلم" لفراس خوري: المُراهَقة في مواجهة واقعٍ وتحوّلات (الملف الصحافي)
+ الخط -

 

تُفتتح الدورة الـ10 لـ"مهرجان طرابلس للأفلام" (شمالي لبنان)، المُقامة بين 21 و29 سبتمبر/أيلول 2023، بـ"عَلم" (2022) للفلسطيني فراس خوري. تجربة أولى، تمتلك شرطاً سينمائياً في مقاربة واقعٍ، ينبثق من عيشٍ فلسطيني في احتلالٍ إسرائيلي، ويعاين أحوال مراهقين/مراهقات في مسام أرواح وأجساد وتفكير، ويُرافق شيئاً من تحوّلات في الإحساس والتأمّل العفوي. التبسيط سمة، لكنّه لن يكون تبسيطاً ساذجاً بل عميقاً في مقاربته أفراداً محاصَرين بين ذاكرةٍ مليئة بقهرٍ وخيبات وتطلّعات، وراهنٍ يولّده احتلالٌ، يبرز أحد جوانب مقاومته في تبديل علمٍ بآخر، فالأول يُمثّل احتلالاً، والثاني أرضاً وتاريخاً وعيشاً وثقافةً، رغم أنّ المراهقين/المراهقات يتعاملون مع هذا التبديل بعفويةٍ ناتجةٍ من صدامٍ، ربما لن يكون واضح المعالم في تلك الفترة من أعمارهم/أعمارهنّ، لكنّه (الصدام) سببٌ لمواجهةٍ، ستكون عفوية أيضاً (تبديل العلم بعلم).

أميل إلى مشاهدةِ "عَلم" من دون رغبةٍ في إسقاطاتٍ، تنهل من السياسي والاجتماعي والوجودي والنضالي. فرغم احتمال هذا كلّه، يُمكن أنْ يُشَاهَد أول روائي لخوري بتبسيطٍ مُسلٍّ (والتسلية غير حاجبةٍ فضاءً فلسطينياً، بكلّ ما فيه من تناقضات وتكاملات)، يرتكز على عمقٍ مبطّن في مقاربة تساؤلات مطروحة فيه، عن وطنٍ وهوية، وعن عائلةٍ وعلاقات وعواطف، وعن خيباتٍ وقهر وإذلال، وعن انفضاضٍ عن مواجهة أو رغبةٍ فيها.

يعيش تامر (محمود بكري) يومياته بشكلٍ "شبه" عادي، لكنّه ينتفض على عائلته، فيخرج من منزلها إلى آخر مُغلَق سيكون مُلكاً لجدٍّ. الخروج من العائلة، بما فيه من دلالاتٍ (في النفس والاجتماع والتفكير والشعور)، لن يحول دون تنبّه، وإنْ متأخّراً قليلاً، إلى خنقٍ يُمارسه المحتلّ. أمْ أنّ دخول ميساء (سيرين خاص) عالمه المنغلق على نفسه دافعٌ إلى اكتشاف محيطٍ به غير عابئ، هو تامر، به؟

الغليان الشعبي غير ظاهرٍ، ورغم عدم ظهوره لن يصعب تحديد مستواه. مع هذا، فالغليان المذكور غير محفّز لتامر على الانتساب إليه، قبل ظهور ميساء، الأشبه بظهور مخلّصٍ له من جحيم عيشٍ، في العائلة والجغرافيا. تبديل العلم عشية "الاحتفال" الإسرائيلي بـ"يوم الاستقلال"، أي "يوم النكبة الفلسطينية"، أساسيّ بالنسبة إلى شبانٍ يريدون تعبيراً عن مسائل ومشاعر، تختلط فيما بينها بعنفٍ وتوتّر وقهر.

 

 

اهتمام فراس خوري بالفرد الفلسطيني، بكيانه مختلف الجوانب والمشاعر، امتدادٌ لسينما فلسطينية تنبثق من هذا الفرد، كما بهمومه وتساؤلاته وانشغالاته وتأمّلاته. مع هذا، يبدو "عَلم" تمريناً له على اكتشاف نوازع ذاتية وجسدية في الفرد، المُراهق تحديداً، في إحدى لحظات المواجهة اليومية مع واقعٍ منبثقٍ من احتلالٍ، ومن مسالك تربوية وثقافية واجتماعية فلسطينية أيضاً.

هذا النزوع إلى الفرد ماثلٌ، وإنْ باختلافٍ درامي وجمالي وثقافي، في "تحت الشجرة" (2022) للتونسية أريج السحيري، و"نزوح" (2022) للسورية سؤدد كعدان، المُشارِكَين في مسابقة الأفلام الطويلة: في الأول، تحضر نساء وشابات (من أعمار مختلفة) في المشهد العام ليومٍ واحدٍ، يبدأ فجراً وينتهي مع الغروب. وفي الثاني، تواكب الكاميرا يوميات عائلة سورية، مؤلّفة من الأبوين والابنة المُراهقة، في مدينة سورية مدمَّرة بسبب الحرب، يرفض رجلها مغادرتها، رغم قلق الزوجة/الأم، ورغبتها في الخلاص من الجحيم.

نساء "تحت الشجرة"، وبينهنّ شبابٌ ومراهقون قلائل جداً، يروون ـ بكلامٍ وتصرّفات وتأمّلات وتفكير غير مُعلَن مباشرة ـ مسائل تخصّهن، ومشاعر تنتابهنّ، وأهوال يواجهنها، وخيبات تنقضّ عليهنّ، ورغبات يقمعنها، وتحدّيات يصنعن منها عيشاً رغم كلّ شيءٍ. أما معتز (سامر المصري) فيحول دون خروجٍ آمن من خرابٍ وموتٍ وقهر، لكنّ هالة (كندة علّوش) تخرج من البيت/المدينة رفقة ابنتها زينة (هالا الزين)، آخر بناتها العازبات، بحثاً عن خلاصٍ مُرتجى.

التمرين السينمائي لفراس خوري مُقنع في جوانب مختلفة من "عَلم"، والانصراف إلى أحوال أفراد، غالبيتهم نساء ومراهقات (تحت الشجرة)، مُترجم إلى فيلمٍ يمتلك من السينما مفرداتٍ ولغةً وتفاصيل. أما "نزوح" كعدان، فمرتبك وغير مُقنع، رغم أنّ للنصّ أهميةً في مقاربة حالة قاسية وصعبة يُعانيها كثيرون وكثيرات في حروبٍ أهلية. غير أنّ الترجمة السينمائية ينقصها ما يُزيل كلّ حاجز بين المُصوَّر (هِلن لوفار وبوراك كانبير) والمُشاهِد، وكلّ وَهنٍ في تركيب الشخصيات وعلاقاتها، وفي كيفية مقاربة الأسئلة ومعاينتها، وفي تصميم مَشاهد وتنفيذها (مونتاج سؤدد كعدان ونيلّي كَتّييه).

المساهمون