رحيل مفاجئ، هو ما يمكن وصفه في وفاة الفنان السوري زهير رمضان عن عمر 62 عاماً، الممثل المثير للجدل منذ عام 2014 بعد توليه رئاسة نقابة الفنانين في سورية واستمراره في المنصب حتى وفاته.
إذ تعامل رمضان مع كرسي النقابة وكأنها رئاسة الجمهورية، فابن اللاذقية الراحل تربطه علاقات قوية بالقصر الجمهوري، وهو ما منحه صلاحيات واسعة لم تمنح لأي نقيبٍ قبله في فترة احتدم الصراع داخل سورية، وخرج عدد كبير من الفنانين مكرهين أو منفيين إلى المهجر والدول المجاورة.
حالة من الاستقطاب صنعها رمضان وصل أثرها إلى لبنان حتى بعدما منع الفنانة اللبنانية سيرين عبد النور من الدخول لتصوير مسلسل "قناديل العشاق" إثر تقديمها لبرنامج عن اللاجئين السوريين على تلفزيون "الآن"، ليطالبها باعتذار رسمي عبر حساباتها على مواقع التواصل ليأذن لها بالدخول.
سورياً، لم يكن زهير ديمقراطياً البتة، بل اختار وضع عدد من أسماء الفنانين على اللائحة السوداء، وأعاد الحديث عن هذه اللائحة في أكثر من مناسبة وتحت قبة مجلس الشعب، حتى أنه صرح في مقابلة تلفزيونية بعدم رضاه أو قبوله للصلح مع الفنانين المعارضين حتى لو سمحت لهم الدولة بالدخول والتسوية.
التعنُّت الذي أبرزه رمضان جعل سمعته في الوسط الفني وبين الجمهور تتضاءل، فتحولت النقابة في عهده إلى فرع أمني يصوغ مصير الفنانين في البقاء أو مغادرة البلاد، فضلاً عن التشبيح اللامتناهي في كافة المناسبات. وكأنّ رمضان تقمص فعلاً شخصية "المختار" التي أداها في مسلسل "ضيعة ضايعة"، وأضاف عليها جبروت "أبو جودت" في مسلسل "باب الحارة"، ليصنع نموذجاً ثقيل الظل من الرجل الحزبي العنيد الباذخ في مدح السلطة والتلميع لصورتها.
لم يقف تسلط الراحل عند حدود منع الفنانين المعارضين من الدخول والعمل، بل استأثر كونه النقيب بفرض نفسه على عدد وفير من المسلسلات واشتراط تواجده ضمن قائمة الأبطال حتى يخرج العمل للنور وينال الموافقات المطلوبة، فبات زهير في أكثر من موسم متواجداً في طيف واسع من الأعمال، والتي أغلبها جاءت بالمستوى الرديء كونها نفّذت بميزانية ضئيلة للغاية مثل "يوماً ما" و"ضيوف على الحب" و"كرم منجل".
تابع رمضان تعنته باقتطاعه شخصية "المختار" من مسلسل "ضيعة ضايعة"، ومحاولة تقديم نسخة كوميدية مستقلة من مسلسل أسماه "يوميات المختار" دون الرجوع لكاتب النص الأساسي ممدوح حمادة، وجاء العمل في غاية السوء دون أي أثر جماهيري يذكر. أما النزاع الأكثر جدلاً كان حين وقف في وجه المرشحين لانتخابات النقابة، وهدد البعض ببشار الأسد كما صرحت الفنانة تولاي هارون في مؤتمر صحافي كشفت فيه زيف رمضان ومحاولاته الفاسدة لتمديد فترة وجوده في رئاسة النقابة.
كما خسر الفنان السوري فادي صبيح المواجهة أمام رمضان رغم حظوظه القوية والدعم الهائل الذي تلقاه من نجوم كثر في الوسط الفني، لكن استضافة رمضان لأعضاء نقابات المنطقة الشرقية وكواليس غير نظيفة في مرحلة التصويت الأخيرة قلبت النتيجة لصالح رمضان الذي أعاد نفسه كمرشح وحيد لرئاسة النقابة.
اليوم وبعد رحيل "المختار" يبدو كرسي النقابة في حالٍ ضبابي، خاصة بعد موجة من التغييرات طاولت رؤساء مؤسسات الإنتاج والقنوات التلفزيونية قبل فترة دون أن تطاول زهير، حيث يرشح البعض أن تميل الكفة لصالح تماضر غانم، وهي النشطة في العمل النقابي منذ سنوات، وكانت في استقبال الفنان تيم حسن حين عاد للعمل في سورية أثناء تصوير مشاهده في الجزء الثالث من مسلسل "الهيبة".
في حين يتمنى ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي عودة إنعاش النقابة بحضور وعلاقات الفنان فادي صبيح الذي كان يستحق الفوز بجدارة قبل عامين، لكن التفاؤل يبقى نسبياً في ظل حالة الركود الهائلة والثغرات الكبيرة في صناعة الدراما السورية، والتي باتت تستنزف كل المقدرات البشرية المبعثرة في الدول المحيطة.
قد ينظر البعض لرمضان على أنه وجه السلطة فنياً وسبب في تضييق الخناق على الوسط الفني وتغييب أسماء عديدة عن الشاشة، إلا أن الفنان الراحل يحمل في جيناته الفن، والشارع السوري يتذكر جميعاً دوره المميز في رائعة عبد اللطيف عبد الحميد "رسائل شفهية".