من الدبلجة إلى التعريب... نحو تسطيح أكبر

31 أكتوبر 2021
قامت محطة MBC السعودية بتعريب مسلسل "عروس إسطنبول" (فيسبوك)
+ الخط -

دخلَت الدراما التركية منذ أكثر من عشر سنوات قائمة العروض على القنوات التلفزيونية العربية. في البداية، تلقفتها القنوات الكبرى المفتوحة وتنافست فيما بينها ضمن الإعلانات الترويجية بقدرتها على استقطاب النجوم الأتراك، فمن سطع اسمه في مسلسلٍ ما وذاع صيته في الشارع باسم الشخصية المدبلجة التي قدمها بدلاً عن اسمه الحقيقي، قد يكون بطل عدة مسلسلات مدبلجة لسنوات متتالية، مثل "مهند ونور"، و"لميس"، و"أمير"، و"نهال"، و"إيزيل"، وغيرهم.

ومع تتالي السنوات وانتشار أسواق جديدة للإنتاج في الإعلام العربي، قلّت فرصة حضور الأعمال التركية، كما توسع نطاق الدوبلاج ليشمل المسلسلات الهندية والكورية واللاتينية والإيرانية واليابانية وحتى الصربية. مقابل ذلك، ظهر استقطاب إماراتي سعودي مصري ضد الدراما التركية، وبذلك امتنعت القنوات المصرية عن عرض المسلسلات التركية المدبلجة، كما توقفت شبكة MBC عن بث هذه النوعية من الأعمال بقرار جعل الشبكة السعودية تخسر جزءاً من متابعيها الذين بحثوا عن هذه الأعمال في قنوات أخرى.

سوق المسلسلات المدبلجة انتقل بعدها إلى مستويين آخرين: الأول هو القنوات المشفرة التي تعتمد على عرض هذه النوعية من الأعمال التركية تزامناً مع عرضها في بلدها الأم، والقنوات المحلية في بعض الدول التي باتت تعيش على هذه الأعمال، وأبرزها القنوات اللبنانية التي وجدت بدورها فرصةً في تعبئة أوقات البث ساعات طويلة على مدى عدة أشهر لكل عمل.
لكن وبعد عامين على قرار منع بث الأعمال التركية المدبلجة، عادت المسلسلات التركية إلى واجهة شبكة MBC، وهذه المرة عبر منصة "شاهد" الرقمية المدفوعة لعرض أعمال تركية حديثة، مدبلجة كانت أم مترجمة، تزامناً مع بثها في تركيا، ما فتح الباب واسعاً على سؤال عن مدى الاستثمار في هذه الأعمال وإلى أي حد.

إلا أنّ التأثير الأكبر جاء عبر قرار إنتاج مسلسلات ناطقة بالعربية تعتمد في صيغتها على التعريب من التركية، فبدل أن نشاهد الممثل التركي ينطق على الشاشة بصوت ممثل عربي عبر الدوبلاج، أصبح بالإمكان مشاهدة ممثل عربي ينطق النص التركي بعد تحويله إلى العربية. العملية جاءت عبر قرار MBC تعريب مسلسل "عروس إسطنبول" قبل عامين، وهو مسلسل تركي حقق نسبة متابعة جيدة في إسطنبول، وبذلك انتقل الإنتاج إلى المدينة التركية ليضم مخرج النسخة الأصلية نفسها والكادر التركي ذاته، باختلاف واحد هو أنّ الممثلين عرب، فباتت ضواحي إسطنبول هي مدينة جبيل اللبنانية حسب المسلسل، مع عدة لقطات جوية لإيهام الجمهور أنّ ما يشاهده من مناظر ليس إلا في لبنان.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

موسمان من المسلسل الذي بات اسمه "عروس بيروت" لم يشفيا ظمأ الشبكة السعودية، إذ قررت اختبار عمل كوميدي لم يلقَ متابعة في تركيا وتوقف بعد عرض عدة حلقات منه، فتحول "على السراء والضراء" إلى "ع الحلوة والمرة"، وبذات الصيغة مع كادر العمل التركي والممثلين العرب. كما تزامن إنتاجه مع الإعلان عن تصوير الموسم الثالث من "عروس بيروت"، والتحضير لتعريب مسلسل من 90 حلقة يحمل اسم "جنايات صغيرة". مشروع التعريب بذلك انتقل إلى حجم أكبر على صعيد استقطاب الممثلين وطول فترة الإنتاج واستكتاب مؤلفي مسلسلات عربية للقيام بعملية التعريب عن النص التركي الأصلي.

أما الجمهور الذي انشد لمتابعة المسلسلات التركية المدبلجة قبل 13 عام، فعادَ ليصنع الحالة ذاتها مع المسلسلات المعرّبة، رغم انتقادات من البعض عن سوء عملية التعريب واستنساخ المشاهد والكذب على الجمهور حول مكان التصوير والأداء المبالغ فيه، وهذا ما انعكس سلباً على صورة الممثلين المشاركين في هذه النوعية من المسلسلات، حيث باتوا يظهرون وكأنهم أتراك من ناحية الشكل والأداء والانفعال، مبتعدين عن الحركة الطبيعية في "لوكشينات" تشبه واقعهم وبحوارات تقترب من الجمهور لدرجة واقعيتها وملامستها للمشاعر.

وحتى يتبلور مستقبل تعريب المسلسلات التركية ومدى استمرار هذه الظاهرة أو تحولها لأشكال أخرى، تبقى الصناعة الدرامية العربية في مرحلة استنزاف تحت مبدأ التسويق التجاري وصناعة التريند، في معاكسة صارخة للواقع العربي المعقد بمشكلاته وتطلعات شبابه القائمة على إيجاد الأمان وحرية التعبير والرزق الكريم، وهو ما يغيب عن دراما "الفاست فود" المصنعة لتسطيح وعي الشارع أكثر.

المساهمون