طالبت منظمات حقوقية السلطات الليبية بسحب قانون الجرائم الإلكترونية المصادق عليه أخيراً من قبل مجلس النواب وعدم تطبيقه، لأنه "يحد على نحو كبير من حرية التعبير في الفضاء الإلكتروني، كما يسمح بالرقابة الشاملة على الجمهور والصحافيين والصحافيات، ويبيح للسلطة التنفيذية حجب المواقع والمحتوى من دون إذن قضائي".
صدّق مجلس النواب الليبي في جلسته العامة، في 26 أكتوبر/تشرين الأول، على قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، بعد يوم واحد فقط من طرحه على جدول أعمال المجلس ومن دون التشاور مع المجتمع المدني الليبي، سواء من جمعيات أو منظمات أو ناشطين في المجال الرقمي أو المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان.
ووقعت 31 منظمة حقوقية عالمية ومحلية، مساء الأربعاء، على بيان مشترك، طالبت فيه بسحب قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، خاصة أن التصويت عليه تمّ "في لحظة استثنائية تعيشها ليبيا" حيث ستجرى انتخابات رئاسية في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، و"من الضروري ضمان حرية الرأي والتعبير والصحافة، بما في ذلك في الفضاء الإلكتروني، حتى يتسنى لهذه الانتخابات أن تكون حرة ونزيهة وشفافة".
وأشارت المنظمات الموقعة على البيان، وبينها "مراسلون بلا حدود" و"سمكس" و"المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" و"شبكة أصوات للإعلام" و"محامون من أجل العدالة في ليبيا" و"المركز الليبي لحرية الصحافة"، إلى أنها درست النسخة المتاحة من القانون على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد تسريبها من قبل بعض أعضاء المجلس والخبراء في المجال الرقمي.
ورأت أن القانون الجديد ينص على "مصطلحات فضفاضة وغير دقيقة، تمنح للجهات القضائية في ليبيا سلطة تقديرية واسعة للحد من حرية التعبير على الإنترنت".
إذ نصت المادة الرابعة على أن استخدام الإنترنت ووسائل التقنية الحديثة يُعد "مشروعاً" شريطة احترام "النظام العام والآداب العامة"، معتبراً بذلك أن كل استعمال فيه مخالفة لهذه المفاهيم غير مشروع. كما يعاقب القانون بالسجن مدة قد تصل إلى خمسة عشر عاماً وغرامة مالية باهظة لا تقل عن عشرة آلاف دينار ليبي "كل من بث شائعة أو نشر معلومات أو بيانات تهدد الأمن أو السلامة العامة في الدولة أو أي دولة أخرى".
وحذّرت المنظمات الموقعة من خطورة استخدام مواد القانون لاستهداف ومعاقبة الصحافيين والصحافيات، أو المبلّغين عن الفساد والمدافعين عن حقوق الإنسان، أو غيرهم من مستخدمي الإنترنت، وتجريم نشر ومشاركة أي محتوى يوثّق انتهاكات حقوق الإنسان أو يُعارض السياسات العامة في ليبيا، أو أي معلومات ذات مصلحة عامة مشروعة.
ولفتت إلى أن "الصبغة القمعية" للقانون تتجلى في المادة (35) التي تقضي بحبس "كل من علم بارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في القانون أو بالشروع فيها". ورأت أن المادتين (13) و(47)، المتعلقتين تباعاً بـ"الاعتراض والتعرض" و"التنصت غير المشروع"، قد تكونان "مطية لتبرير حجب المعلومة عن الصحافيين أو تواصلهم مع المبلغين قصد مشاركة معلومات ذات أهمية للجمهور وفي علاقة بالسلطات". أما المادة (21)، فتنص على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من مزج أو ركب بغير تصريح مكتوب أو إلكتروني من صاحب الشأن صوتاً أو صورة لأحد الأشخاص باستخدام شبكة المعلومات الدولية أو بأي وسيلة إلكترونية أخرى بقصد الإضرار بالآخرين". وتخوفت المنظمات من استغلال هذه المادة في تقييد حرية التعبير في ليبيا، كونها لا تقدم استثناءات في ما يتعلق بالشخصيات العامة أو السياسية.
ووصفت مواد القانون بـ"الفضفاضة" و"المطاطية" و"المخالفة لمعايير حقوق الإنسان الدولية، والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية". ودعت إلى "سحب القانون على الفور وعدم تطبيقه"، و"العمل على صياغة قانون جديد يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والتزامات ليبيا الدولية"، و"اعتماد مبدأ الحوار والتشارك مع المجتمع المدني الليبي والمنظمات الدولية المختصة عند صياغة أي مشروع قانون يخص الحقوق والحريات الأساسية وحرية النشر والصحافة في ليبيا".