تتالَت إنتاجات الدراما العربية المشتركة في العامين الأخيرين ضمن نطاق المنصات الرقمية التي باتت تتيح للشركات المنتجة إمكانية التحرر من أسر الموسم الرمضاني للعرض، وتؤمن للجمهور في الوقت نفسه فرصة المشاهدة عند الطلب، في أي وقت وعبر أي جهاز محمول. وبذلك، تلاشى تدريجياً التدفق التلفزيوني التقليدي للشاشة الصغيرة، والتي باتت حكراً على العروض الثانية للمسلسلات أو لإنتاجات الموسم الرمضاني الدرامي الذي ما زال يحافظ على زخمه في مواجهة دراما المنصات.
في المقابل، وجد المنتجون أنفسهم في حالة عشوائية للبحث عن نصوص درامية مقنعة لأصحاب المنصات كي يسهل إنتاجها وبيعها، فكان التوجه لأعمال درامية قصيرة تمتد بين 8 و15 حلقة. ومن أعمال تعد على أصابع اليد الواحدة في 2019 إلى سيل من الإنتاجات القصيرة قيد الإنجاز عام 2021، يبدو واضحاً التوجه لدى الشركات متوسطة وصغيرة رأس المال إلى إنتاج مسلسلات قصيرة من خمس إلى عشر حلقات، بغية ترويجها في إطار "مسلسلات المنصات".
المختلف في الموضوع هو التعاطي مع النص الدرامي من قبل المنتجين الذين لم يدرك معظمهم لليوم ماهية المسلسل القصير وكيفية صناعته، وتحول الموضوع بالنسبة إليهم لمشروع تجاري يقوم على ربع أو ثلث الإنتاج الدرامي التقليدي لثلاثين حلقة، فضلاً عن فكرة تجزئة المسلسل، فبدل أن يكتب السيناريست ثلاثين حلقة تلفزيونية، يقدم للشركة 15 حلقة، ويعد المنتج الجمهور بموسم ثان من العمل، بآلية اتبعها كل من مسلسلات "العميد" (2020) و"النحات" (2020)، لكن موسميهما الثانيين لم يبصرا النور، وخرج العملان ناقصين للجمهور.
غابت ملامح الصناعة الدرامية العصرية عن بنية المسلسل الدرامي القصير، ووقع في مطبات المسلسلات التقليدية من ناحية مواقع العقد خلال سير الأحداث وآلية التعريف عن الأبطال، كما تعثرت معظم الإنتاجات في موازنة تسلسل الأحداث وصولاً لنهاية مقنعة في موقعها الصحيح ومبرراتها المنطقية. هذا وذهبت بعض المشاريع إلى المواربة عبر الاتكاء على فرضيات غريبة لا تنسجم مع واقع المجتمعات العربية، رغم أنّ ما يحيط بالشباب العربي من أزمات كافٍ لصناعة عشرات الإنتاجات الدرامية اللاذعة والموثقة لهذه المرحلة من تاريخ الصراعات والثورات وانعكاساتها على شكل الحكم وبنية المجتمع.
إذ جاءت الدراما في المنصات العربية معاكسةً للبوصلة متجهةً في عدد كبير من خياراتها إلى إعادة تقديم "فورمات" عالمية بصيغة عربية أو اقتباس الفرضية وإعادة بلورتها من شكل جديد، نظراً للعدد الكبير من الإنتاجات الدرامية في العالم وتحول سوق المنافسة البصرية من الإنتاج السينمائي إلى المسلسلات القصيرة لدى المنصات الكبرى عالمياً.
ومع ذلك، لم تنجح المنصات العربية لليوم في صناعة حالة توق للمشاهدة كالتي صنعتها مسلسلات عالمية مثل "دارك" Dark و"البروفيسور" La Casa de Papel، في حين فاجأت بعض الإنتاجات الجمهور، وتحولت إلى حديث واسع وجدل في الآراء على منصات التواصل الاجتماعي. نذكر الصدى الذي وجده مسلسل "جن"، وهو أولى إنتاجات منصة بثّ المحتوى الترفيهي والأفلام عبر الإنترنت "نتفليكس" في الأردن قبل عامين، وما تبع ذلك من ضغط شعبي لإيقاف المسلسل ومقاطعته رسمياً.
في المقابل، حظي مسلسل "ما وراء الطبيعة"، وهو أول إنتاجات "نتفليكس" في مصر، بمتابعة عالية وإشادة كبيرة، علماً أنه مأخوذ من سلسلة الكتب الشهيرة للمؤلّف الراحل أحمد خالد توفيق، وهو من إخراج عمرو سلامة.
في حين لم يحقق مسلسل "أبلة فاهيتا: دراما كوين" النجاح المتوقع منه مقارنة بجماهيرية دمية الأبلة وبرنامجها ذائع الصيت، وكذلك جاء مسلسل "مدرسة الروابي للبنات" أخيراً مشاكساً للواقع الأردني، لكن بدرجة أقل جدلاً من مسلسل "جن".
عبر منصة "شاهد"، جاءت أغلب الإنتاجات الأصلية للمنصة دون التوقعات العربية خلال العامين الأولين من الإنتاج، في حين حظي مسلسل "ليه لأ" بموسميه، في 2020 و2021، بجماهيرية كبيرة، وتبعه أخيراً مسلسل "رشاش" الذي وصف بأنه المسلسل السعودي الأضخم من ناحية الإمكانات والتنفيذ البصري. لكن أعمال "شاهد" تتبع للتسييس المباشر المعهود، حالها حال مسلسل "المنصة" الإماراتي، والذي رغم تكلفته المادية العالية وحضور نجوم سوريين كثر فيه (مكسيم خليل، وسلوم حداد، وسمر سامي، وخالد القيش، وغيرهم) لكنه وقع في فخ التحيز والتطبيل لمشروع الإمارات العربية المتحدة في المنطقة، في وجه ما تعتبره أبو ظبي المد التركي الشيطاني.
كما يرتقب عرض مسلسل "سنوات الحب والحرب" في الخريف المقبل، والذي يروي مرحلة "سفر برلك" الشهيرة من وجهة نظر نظام الحكم السعودي، والذي يعمل على تهميش دور الحراك في سورية ولبنان إبان القرن العشرين، ويعيد تجسيد الصراع السعودي التركي في مسلسل درامي تاريخي تزور أحداثه لصالح المنتج. هكذا تخفق دراما المنصات العربية لليوم في صياغة استقلالية واضحة تخرج المسلسلات من تحيز السلطات وسقف الرقابة المنخفض.