استمع إلى الملخص
- ظهرت مبادرات محلية توفر الأعمال الدرامية بأسعار مخفضة كحل للتحديات التي يفرضها الحظر الدولي والأوضاع الاقتصادية، معبرة عن الحاجة الماسة للترفيه والهروب من الواقع القاسي.
- رغم الظروف الصعبة، يظل الشعب السوري متعطشاً للفن والثقافة، متمسكاً بالأمل والإبداع، ما يعكس قوة ومرونة الصناعة الفنية في البلاد.
يشترك كثيرون، في العالم العربي، في منصات البث التدفقي لمتابعة برامجهم ومسلسلاتهم المفضلة. لكن ماذا عن السوريين؟ تلك البلاد التي غفل عنها الجميع وما زالت، رغم كل شيء، تصدر للجمهور فناً ودراما ممثلين يستحوذون على الاهتمام ويستقطبون شرائح جديدة من المتابعين. لا يستطيع السوريون في بلادهم مشاهدة هذه الدراما لأسباب عدة، هنا أبرزها.
بدايةً، يعاني السوريون اليوم وضعاً اقتصادياً صعباً، لا تكفيهم أجورهم ولا معاشاتهم كي يؤمّنوا حاجاتهم الأساسية، وذلك يعود إلى التضخم الكبير الحاصل في البلاد، وغلاء المعيشة. ففي بلد يعاني أكثر من 80 في المائة من سكانه العوز، تأتي أهمية المشاهدة الدرامية في المؤخرة مقارنةً بأولويات الحياة من طعام وشراب ومستلزمات مدارس ومؤونة وغيرها. عدا عن ذلك، تعيش البلاد تحت وطأة حصار وحظر دولي يمنع كل المشاريع والمنصات وحتى وسائل التواصل الترفيهية من رؤية الضوء.
في دمشق، تُقطع الكهرباء يومياً نحو 18 ساعة؛ لذا فإن وقت التقنين الطويل والمستمر منذ سنوات يمنع السوريين من مشاهدة أفلامهم أو مسلسلاتهم المفضلة، فلا يوجد تلفاز يعمل ليشاهدوا عن طريقه عملهم المفضل، وإن كان الإنترنت خياراً بديلاً عن مشاهدة القنوات، فإن الإنترنت في سورية مُصَنَّف على أنه من الأسوأ عالمياً من حيث السرعة، لذا ومن أجل تحميل فيلم أو مسلسل من مواقع مقرصِنة، قد يحتاج ذلك نهاراً كاملاً في حال لم ينقطع الإنترنت.
الوسيلة الوحيدة التي يمكن للسوريين مشاهدة أعمال أجنبية أو عربية جديدة عن طريقها، من دون اشتراكات أو مال أو انتظار الكهرباء، هي قنوات "تليغرام" التي تسرّب الأعمال الدرامية، ما يجعل السوريين منهمكين في البحث عن قنوات "تلغرام" تلك لتحميل حلقات مسلسلهم المفضل أو فيلمهم في الصباح كي يشاهدوه في المساء، خصوصاً أن هذه القنوات قد تكون مهددة بالحظر في أي لحظة بسبب انتهاك حقوق الملكية.
هناك شركات سورية محلية سعت إلى تقديم عروض مخفضة الأسعار لتُتيح مشاهدة الأعمال الدرامية الأجنبية والعربية، فيمكن للمواطن السوري أن يشترك بمبلغ بسيط عن طريق شركة اتصالات ليفتح تطبيقاً لديه على الهاتف أو التلفاز، ويشاهد من خلاله مجموعة من الأفلام والمسلسلات، وهي وسيلة غير قانونية لكن في بلاد يعاني أهلها الحظر الدولي، لا تهتم منصات البث الرسمية لمراقبة لذلك الأمر، فكانت هذه التطبيقات المحلية وسيلة مشاهدة مقبولة، بغض النظر عن قانونيتها، فما يهم المواطن السوري هو تحقيق التسلية ولو ساعة من الزمن أثناء مشاهدة عمل درامي.
بقيت سورية وشعبها في ظل الوضع الحالي السيئ داخل وخارج المعادلة في آن؛ فهي داخلها لأن الفنانين السوريين ما زالوا يقدمون إبداعاتهم التمثيلية في أعمال محلية ومشتركة ومعربة، وينجحون بالتسويق لها واستقطاب الناس ويثبتون أنفسهم في كل مرة، لكنهم خارج هذه المعادلة أيضاً على اعتبار أن أبناء بلادهم الفنانين من صانعي هذا المحتوى الترفيهي لا يستطيعون مشاهدتهم باستمرار أو متابعة أعمالهم دوماً. وإن استطاعوا ذلك، فهو يأتي بصعوبة نتيجة سوء الوضع الاقتصادي والخدمي من كهرباء وإنترنت وغيره وارتفاع أسعار اشتراكات منصات البث العالمية والعربية، ففي بلاد لا يستطيع أهلها تأمين كفاف يومهم، بقيت الدراما وصناعة الترفيه على هامش اهتماماتهم بسبب وضع معيشي كارثي يطحن أهل البلاد ألف مرة في اليوم الواحد.