منسّق الأغاني... فارس على منبر المتعة

10 ديسمبر 2021
يتمتع المنسق بشخصية موسيقية تمكنه من التواصل مع الناس (Getty)
+ الخط -

بعد أيام، ستُعلَن نتائج مسابقة DMC WORLD DJ العالمية، التي انطلقت نهاية شهر إبريل/نيسان الماضي. مسابقة سنوية، بدأت لأول مرة في لندن عام 1985. وهي منافسة مخصصة لمنسقي الأغاني (دي جيه) في جميع أنحاء العالم. هذا الحدث السنوي، يدفعنا إلى فرز سطور خاصة نغوص فيها للكشف عن أهمية هذا النوع من الفنون، من حيث نشأته وتأثيره وعلاقته بالجمهور.
لطالما كان منسق الأغاني العنصر الأهم في المناسبات الاجتماعية والترفيهية على مختلف أشكالها. هو فارس الإثارة الهامشي. يقف وحده فوق منبره، يخاطب الجموع والحشود بموسيقاه. علاقته مع الجمهور علاقة متبادلة، تُبنى على ثقة متجددة. هذه الصفات التي يمتاز بها الـ دي جيه، لا تختلف كثيراً عن صفات الخطّاب والشعراء في عصور الجاهلية عند العرب، أو في العصور المظلمة عند الغرب؛ إذ كانوا يتوسطون العامة من الناس في الساحات والأسواق الشعبية، والنخبة منهم في مجالس الملوك والأمراء والسلاطين، يلقون على مسامعهم الخطب والقصائد الشعرية.
ولا نعني بوصفنا هذا تأريخاً مشغولاً ننهل منه شرحنا. فالمعلومات المتوافرة عن بدايات هذا النوع الجديد من الفنون، تعود إلى الأميركيين من أصل أفريقي، وخاصة إلى ثقافة الهيب الهوب التي نشأت في أميركا مطلع السبعينيات. تطلبت هذه الثقافة ابتداع نمط يملأ الفجوة بين الكلمات والجمهور، تزامناً مع تطور مشغل أقراص الفينيل، وظهور جهاز الإيقاع Roland TR- 808 الذي كان له الفضل الكبير في تطور الموسيقى الإيقاعية وتسجيلها وتركيبها، لتحل محل الآلات الإيقاعية، وانتشاره وسط أجيال الهيب الهوب الأوائل. ومن هنا، أخذت ثقافة الـ دي جيه بالانتشار، وتدريجاً صار المستثمرون يفضلونهم على المغنين والفرق الموسيقية في كثير من المناسبات الخاصة والعامة، لأسباب عدة، أهمها: التنوع الموسيقي، والتكلفة المنخفضة.
يعتقد كثيرون أن مهمة منسق الأغاني لا تعدو أكثر من ترتيب بعض الأغنيات والأصوات الإلكترونية، ومن ثم دمجها، بهدف خلق مكون موسيقي جذّاب يستميل المستمعين، إلا أن لغة التكوين الموسيقي بين يدي المنسق، تتطلب مهارات سمعية ومعرفية تمنحه القدرة على خوض غمار رحلة ترفيهية يُمتع فيها المستمع.
هذه المهارات، تصقلها محددات خاصة. فمنسق الأغاني مطالب، أولاً، قبل أي شيء، بامتلاك شغف المهنة؛ أي ارتباط حسي ومهاري بتعامله مع الموسيقى. كالبراعة في إعادة خلط الأغنيات وتنسيقها ومزجها أو مكسجتها، وذكاء في معالجتها، إلى جانب معرفة في التقنيات الحديثة التي تسمح له بتوظيف رؤيته الموسيقية بشكل إبداعي وجذّاب.

ثانياً، والأهم، أن يتمتع بشخصية موسيقية تمكنه من التواصل مع الناس. لغة التواصل بين المنسق والحضور، تندرج، هي الأخرى، تحت ضوابط عدة متصلة، انطلاقاً من المكان (نوادٍ ليلية – مهرجانات – حفلات – قاعات أعراس، إلخ)؛ فعليه أن يكون ذكياً في اختيار أغانيه ونوعيتها بشكل يلائم هوية المكان. ثم الحالة الاجتماعية (الطابع). وهنا نشير إلى نوع الحضور الذي يواجهه منسق الأغاني.
لذا، يجب عليه كلاعب محترف، أن يملك خصالاً اجتماعية تؤهله ليقود الجموع تبعاً لخلفياتهم الثقافية والفنية، وأن يكون مرناً قادراً على تطويع الأذواق المتنوعة التي تقبع في دائرته.
وهنا، نشير أولاً إلى النمط الموسيقي الذي ينتهجه المنسق، وهو أمر يرتبط بخيار الجمهور لسماع هذا النمط بالتحديد، دوناً عن غيره، فالجمهور هو الآخر لديه خبرة في اختيار المكان والموسيقى التي تناسبه، وبالتالي ذوقاً خاصاً يساعده مبدأ التوقع على الاختيار الأمثل له.
وثانياً، إلى مستوى الحنكة في اختيار المنسق لأغانيه وقدرته على مواءمة المسارات الموسيقية التي بين يديه وانتقاله السلس بين اغنية وأخرى، ليقدم موسيقى خالية من الفجوات.

ليكسب منسق الأغاني اهتمام الحضور وتواصله الحسي والجسدي، عليه أن يكون قادراً على مداراة جميع هذه التدرجات، ليصل إلى الشخصية الموسيقية المناسبة التي تجعله مقبولاً عند الجمهور. وفي حال فقد هذه الخصال، فإن وجوده على منبره لن يختلف عن موسيقى صادرة عن شريط كاسيت، أو سي دي يدور وحده وسط حشود غير مبالية لما تسمع.

المساهمون